فضل ختم القرآن في ليلة القدر

تعد ليلة القدر من أعظم الليالي في حياة المسلم، فهي ليلة مباركة ذات منزلة عالية ومكانة عظيمة في الدين الإسلامي، حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]. وتمثل هذه الليلة فرصة ثمينة للمؤمنين للتقرب إلى الله تعالى بالطاعات والعبادات، ومن أبرز العبادات التي يُحرص عليها في هذه الليلة المباركة ختم قراءة القرآن الكريم. لهذا الختم فضل عظيم ومكانة سامية، نظراً لما في القرآن من نور وهداية وبركة، وكونه كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

مكانة القرآن الكريم في الإسلام

القرآن الكريم هو كلام الله المعجز، الذي أنزله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم هدايةً للبشرية جمعاء. وهو المصدر الأول للتشريع في الإسلام، ودستور حياة للمسلم، يحوي الأحكام الشرعية، والقصص، والأخلاق، والوعظ، والارشاد. تلاوة القرآن، وحفظه، والعمل به، من أعظم العبادات التي تقرب العبد إلى ربه، وقد ورد في الحديث الشريف: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (رواه البخاري). والقرآن هو مصدر نور للمؤمن، يضيء له طريقه في الدنيا والآخرة، ويُحسن أحواله ويطهر قلبه.

فضل ليلة القدر وارتباطها بالقرآن

ليلة القدر هي ليلة خير من ألف شهر، أي تتجاوز عظيم الأجر والثواب الذي يناله المؤمن في عمر يمتد لأكثر من 83 سنة، حسب ما ورد في قوله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3]. في هذه الليلة تنزل الملائكة والروح جبريل على الأرض بالسلامة والبركة، وتُفتح أبواب الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وتُكتب المصائر والرزق للسنة القادمة.

والقرآن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه الليلة، فقد أنزل الله فيه القرآن، وبهذا تكون تلاوته في ليلة القدر من أعظم القربات وأفضل الأعمال التي تُرفع درجات العبد بها. فختم القرآن في ليلة القدر من الأعمال التي تتضمن التضرع إلى الله، وطلب المغفرة والرحمة، والإقبال على ذكره وتدبر كلماته.

الفوائد الروحية لختم القرآن في ليلة القدر

1. قرب العبد من الله تعالى

ختم القرآن في هذه الليلة يجعل العبد في حالة من الخشوع والسكينة الروحية، إذ يقف بين يدي الله متضرعاً بآيات كتابه. هذا القرب هو ما ينشده كل مؤمن، ويؤدي إلى رفع الدرجات وغفران الذنوب.

2. تحقيق النجاة من النار والعتق من النار

روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه». وختم القرآن مع قيام الليل بهذه الليلة يعتبر من أقوى الأسباب لنيل هذا الغفران والعتق، إذ إن التلاوة من الأعمال المحببة والمقبولة عند الله في هذه الليلة.

3. زيادة الحسنات والثواب

لما كان أجر العبادة في ليلة القدر مضاعفاً، فإن ختم القرآن الذي يتضمن قراءته وتدبره من أعظم الأعمال التي تضاعف حسناتها في هذه الليلة. يكتب الله للعبد أضعاف الحسنات، ويزيده من فضله ورحمته.

4. تطهير النفس من الذنوب

قراءة القرآن في ليلة القدر بفهم وتأمل تعين على تنظيف النفس من الشوائب والمعاصي، وتعمل على تحصين القلب من الوساوس والذنوب التي تغتال راحة الإنسان وسكينته.

الأثر النفسي والاجتماعي لختم القرآن في ليلة القدر

إن اجتهاد الفرد في ختم القرآن خلال ليلة القدر ينعكس إيجابياً على النفس والمجتمع على حد سواء. فالنفس تتزود بالإيمان وتتقوى الروح، فيتحسن تعامل الإنسان مع نفسه ومع الآخرين. كما أن هذا العمل يشجع على الالتزام بالقرآن ومراجعة معانيه طوال العام.

في المجتمعات الإسلامية، تشكل ختمات القرآن في شهر رمضان وخاصة في العشر الأواخر، مناسبة جماعية للتآلف والتراحم، حيث يتجمع الناس في المساجد ويجتمعون على طاعة الله وذكره، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويقوي روح الجماعة.

كيف يختم المسلم القرآن في ليلة القدر؟

ختم القرآن في ليلة القدر يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين نظراً لكبر حجم المصحف، ولكن ذلك ممكن لمن يخطط ويرتب وقته بحكمة، أو من يشارك في الختمات الجماعية. يقرأ المسلم بتركيز ويدبر في المعاني، مع الإخلاص لله وحده، ويستحسن أن يصحب التلاوة دعاء وتضرع، والتوبة عن الذنوب.

ينبغي للمسلم أن يبدأ في الأيام التي تسبق ليلة القدر بالاجتهاد في قراءة أجزاء من القرآن حتى يكون مستعداً لختمه، ويُستحب الإكثار من الدعاء وطلب الثبات على طريق الخير.

دور ختم القرآن في تهذيب السلوك

إن القرآن ليس مجرد كلمات تُتلى، بل هو حياة كاملة وأسلوب سلوك وإرشاد للفرد والمجتمع. لذا، فإن ختم القرآن في ليلة القدر يحمل معانٍ كبيرة في إصلاح النفس وتقويم السلوكيات.

التدبر في آيات القرآن يعين المؤمن على الصبر، والعدل، والتواضع، ويبعده عن الغل والحقد، ويحثه على حب الخير والتسامح. هذا التغيير في النفس ينعكس على محيطه، فيصبح قدوة صالحة للأهل والأصدقاء والمجتمع.

جدول يوضح مزايا ختم القرآن في ليلة القدر

الختام

إن ختم القرآن في ليلة القدر لا يقتصر على مجرد إتمام التلاوة، بل هو رحلة روحية عميقة تعيد ترتيب القلب والنفس، وتجدد العهد مع الله. من خلالها، يتضاعف أجر المسلم، ويزداد قربه من ربه، ويُغفر له ذنوبه، ويُفتح له باب الرحمة والرضوان. لذلك يحرص الصالحون على اغتنام هذه الليلة العظيمة بما يرضي الله، ويتعاهدون تلاوة القرآن والعمل بتوجيهاته طوال العام، مستمدين منه الهداية والنور في كل لحظة من حياتهم.

المصادر:

1. تفسير ابن كثير

2. صحيح مسلم – باب فضل قيام ليلة القدر