شرح حديث “من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره”
يعتبر شهر رمضان المبارك من أعظم الشهور في الإسلام، حيث يتجلى فيه معاني العبادة والطاعة. في هذا الشهر الفضيل، يتكاتف المسلمون في جميع أنحاء العالم للقيام بعبادة الصيام، والتي هي أحد أركان الإسلام الخمسة. ولكن، بخلاف الصيام نفسه، هناك العديد من الأعمال الأخرى التي يمكن أن تقرب المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، ومنها إطعام الصائمين وتفطيرهم.
من أبرز الأحاديث النبوية التي تدل على فضل إطعام الصائمين في شهر رمضان هو الحديث الذي رواه الإمام الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:
“من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره”.
هذا الحديث يعكس جانباً مهماً من جوانب العبادة والتعاون في الإسلام ويظهر العلاقة الوثيقة بين الأجر والنية الطيبة في فعل الخير.
معنى الحديث
الحديث الشريف يعبر عن قيمة عظيمة من قيم التعاون الاجتماعي والرحمة في الإسلام، فهو يعد حافزاً مهماً للمسلمين في شهر رمضان لزيادة أعمالهم الصالحة.
يشير الحديث إلى أن من قام بتفطير صائم، سواء كان ذلك بتقديم وجبة طعام أو مساعدته في الإفطار بشيء من الشراب أو الطعام، فإن الشخص الذي قدم هذه المساعدة سيحصل على أجر مماثل لأجر الصائم دون أن ينقص من أجر الصائم شيء.
تفسير “من فطّر صائمًا”
لفهم أعمق لهذا الحديث، يجب أن نفصل في بعض المصطلحات والعبارات الواردة فيه:
-
فطّر: تعني تقديم الطعام أو الشراب للمسلم الصائم عند موعد الإفطار. وقد يشمل ذلك إعداد الطعام أو إحضار ما يسهل عليه تناول الإفطار.
-
صائمًا: المقصود هنا هو الصائم الذي يؤدي فريضة الصيام في رمضان. ولكن هذا الفضل ليس مقتصرًا على فطَرِ الصائمين في رمضان فقط، بل يمكن أن يكون لصيام أي شخص في غير رمضان، أي أن الحديث يمكن أن يشمل تيسير الإفطار على المسلم الصائم في أي وقت.
-
كان له مثلُ أجره: هذه الجملة تبين أن الشخص الذي قام بتفطير الصائم سينال أجرًا يعادل أجر الصائم نفسه، دون أن ينقص من أجر الصائم شيئًا. في هذا إشارة إلى سعة رحمة الله تعالى، حيث لا يُنقص من أجر العبد مهما تعددت الأسباب التي تقربه إلى الله.
مكانة هذا الحديث في الشريعة الإسلامية
يعتبر هذا الحديث من الأحاديث التي تحث المسلمين على القيام بالأعمال الصالحة التي تعود عليهم بالأجر العظيم. ففي الإسلام، ليس الصيام فحسب هو الذي يُكافَأ عليه العبد، بل كل عمل يعين المسلم على أداء عباداته ويزيد في الأجر ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
يأتي هذا الحديث في سياق تعزيز التعاون والتكافل بين المسلمين، وهو ما يشجع على تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع. كما أن تقديم الطعام للصائمين في شهر رمضان يعد من مظاهر التراحم والمواساة بين المسلمين، وهو نوع من العون على أداء العبادة.
لماذا فَضَلَ النبي صلى الله عليه وسلم إطعام الصائمين؟
تعتبر فكرة “تفطير الصائم” من الأمور التي تبرز جوهر الشريعة الإسلامية في تعزيز التعاون بين أفراد المجتمع. لكن لماذا خصص النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفضل الكبير لمن يُفطِّر صائمًا؟
-
النية الصافية والأجر المضاعف: عندما يقدّم المسلم طعامًا للصائم، فإن ذلك لا يكون مجرد عمل دنيوي بل عملٌ تُرفَع به درجاته عند الله سبحانه وتعالى. وهذا الأجر لا يتوقف على الكم أو النوع، بل يكمن في النية الطيبة التي تكون وراء هذا العمل.
-
شكر الصائم لله: عندما يتناول الصائم الإفطار، يشعر بالشكر لله على نعمة الطعام والشراب بعد يوم طويل من الصيام. وقد يساهم هذا الفعل البسيط من تقديم الطعام في إدخال الفرح والسرور على قلب الصائم.
-
المشاركة في العبادة: من خلال إفطار الصائمين، يُمكّن المسلم من المشاركة في عبادة الصيام من خلال التيسير على إخوانه الصائمين. بهذا الشكل، يُعتبر القائم على تفطير الصائمين شريكًا في العبادة، مع ما يتبع ذلك من أجرٍ عظيم.
-
زيادة الأجر بغير مشقة: على الرغم من أن الشخص الذي يفطر الصائم قد لا يكون قد بذل جهدًا كبيرًا في الصيام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل ذلك أمرًا مجزيًا، إذ يُعطى نفس الأجر كما لو كان هو الذي صام.
أثر هذا الحديث على المجتمع الإسلامي
-
تعزيز التكافل الاجتماعي: الحديث يحث على ضرورة التعاون بين المسلمين، ويشجع على تعزيز روح التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع. عند تقديم الطعام للصائمين، يتحقق التعاون على مستوى كبير بين الناس، سواء في الأسرة أو في المجتمع الأكبر.
-
إشاعة المحبة بين الناس: عندما يقدم المسلم طعامًا لصائم، فإن هذا التصرف يعزز المحبة والتعاون بين المسلمين. وهذا يعكس المعنى الحقيقي للأخوة الإسلامية، حيث لا يكتفي المسلمون بالقيام بعبادتهم بأنفسهم، بل يسعون إلى مساعدة إخوانهم.
-
تشجيع على البر والإحسان: يعد تفطير الصائمين نوعًا من الإحسان الذي يتحقق من خلاله شعور الفرد بواجبه تجاه الآخرين. هذا الفعل يساهم في نشر البر والإحسان في المجتمع، وهو ما يُعد من سمات المجتمعات الإسلامية الصحية.
ما الذي يحصل عليه من يفطر الصائم؟
من خلال هذا الحديث، نجد أن الشخص الذي يُفطر الصائمين يحصل على أجر عظيم، ويتساوى أجره مع أجر الصائمين أنفسهم. وهذا يظهر بوضوح عظمة أجر هذا العمل الصالح، حيث إن الإنسان لا يفعل شيئًا سوى إطعام شخص آخر، ولكنه ينال أجرًا يعادل أجر ذلك الشخص.
هذا يشير إلى أن في الإسلام، حتى الأعمال الصغيرة التي تبدو عادية مثل إطعام الطعام يمكن أن تُضاعف أجر المسلم بشكل كبير. وبالتالي، فإن هذه الأحاديث تفتح للمسلمين أبوابًا واسعة من الأجر والثواب.
كيف يُفطر الصائم؟
يُفطر الصائم بما يُيسر عليه إفطاره، مثل التمر أو الماء أو الطعام المعتاد. ولكن لا يقتصر تقديم الطعام فقط على الأشخاص المقربين، بل يمكن تقديم الإفطار للفقراء والمحتاجين أو لأي شخص صائم في المسجد أو في الأماكن العامة، حيث يتيسر ذلك.
وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على تقديم الطعام للصائمين في رمضان، وكان يحرص على أن يكون هذا الطعام بسيطًا وغير مكلف، لأنه كان يهدف إلى تقديم الدعم والمساعدة لكل من يحتاج إليها.
الخاتمة
يُعد الحديث الشريف “من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره” من الأحاديث التي تعكس عمق الرحمة والتعاون في الإسلام. من خلاله، يتبين لنا أن تقديم الطعام للصائم لا يعزز التكافل الاجتماعي وحسب، بل أيضًا يفتح أمام المسلم أبوابًا واسعة للأجر والثواب.
إن الإسلام يشجع على الإحسان والتعاون بين المسلمين، ويعزز من قيمة العمل الصالح البسيط الذي يمكن أن يكون له أجر عظيم عند الله.
