فضل بر الأم في الإسلام

فضل بر الأم في الإسلام

إن بر الأم من أعظم القيم التي حث عليها الإسلام، وجعلها في مكانة سامية، فهي تعد من أكثر الأعمال التي يقرب العبد بها إلى ربه، ويُثاب عليها ثوابًا عظيمًا في الدنيا والآخرة. فقد خصص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من الآيات والأحاديث التي تبيّن فضل بر الأم، وتحفز المسلم على طاعتها والإحسان إليها. ولا يكاد يخلو حديث عن حقوق الوالدين في الإسلام من التنويه بمكانة الأم، لدرجة أنها قد وردت في بعض الآيات الكريمة متقدمة على الأب في الإحسان إليها، مما يدل على عظم مسؤوليتها، وشدة تعبها في حمله ورعايته منذ لحظة الحمل حتى بلوغه.

مفهوم البر وأهمية الأم في الإسلام

البر هو الإحسان، ويُقصد به الإكرام والعناية، والعمل بما يرضي الله تعالى من خلال طاعة الوالدين، وتلبية احتياجاتهما، وتقديم العون لهما في مختلف مراحل الحياة. والإسلام يعتبر بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله، وخاصة بر الأم، الذي يتطلب منه القيام بالكثير من الأعمال التي تعبر عن الحب والاحترام، ومراعاة مشاعر الأم ومساعدتها في مختلف ظروف الحياة.

لقد أشار القرآن الكريم إلى فضل الأم بشكل واضح، وتحدث عن تضحياتها ومعاناتها في تربية أولادها. ففي آية “وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا” (العنكبوت: 8)، نجد أن الله قد أمر بالإحسان إليهما بشكل عام، ولكنه خصص الوصية بالوالدين في العديد من الآيات، وجعل من ذلك حقًا كبيرًا على الأبناء.

أما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمك ثم أمك ثم أمك” الذي رواه البخاري، فيتضح جليًا من خلال هذا الحديث كيف أن الإسلام قد خص الأم بمكانة عالية تفوق مكانة الأب في بعض الحالات، فالإحسان إليها أمر واجب بشكل مضاعف.

مقام الأم في القرآن والسنة

لقد وردت العديد من الآيات التي تتحدث عن الأم، وتبيّن مكانتها الخاصة في الإسلام. في القرآن الكريم، جاء ذكر الأم في آيات متفرقة، ومن أبرزها قوله تعالى: “وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ” (لقمان: 14)، حيث يذكر القرآن الكريم الجهد الكبير الذي بذلته الأم في الحمل والرضاعة، ويدعو الأبناء إلى احترام هذا الجهد، والتعامل مع الأمهات بالرفق والرحمة.

كما قال الله تعالى في سورة الأحقاف: “وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا عَلَىٰ كُرْهٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ” (الأحقاف: 15)، وفي هذه الآية نجد أن الله عز وجل يشير إلى المشقة التي تتحملها الأم خلال فترة الحمل والولادة، ويحث الأبناء على الاعتراف بهذا الجهد العظيم.

وفي الحديث الشريف، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل بر الأم في أعلى مراتب البر، ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “يا رسول الله، أردت أن أخرج في غزوة، فقال لي: ألك أم حية؟ فقلت نعم، فقال: الزم قدمها فإنها الجنة” (رواه البخاري). هذا الحديث يشير إلى عظمة مكانة الأم في الإسلام، حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم برها طريقًا للجنة.

معاناة الأم وتضحياتها

الأم، بما تحمله من معاناة وتضحيات، تستحق منا أعلى درجات البر. منذ لحظة الحمل، تعاني الأم من آلام الحمل والتغيرات الجسدية والنفسية، وعند الولادة تمر بتجربة صعبة، والرضاعة لا تخلو من الجهد. ثم تستمر الأم في رعاية طفلها، وتحرص على تربيته بشكل سليم، وفي كل مرحلة من مراحل عمر الطفل، تبذل مزيدًا من الجهد والوقت، بل أحيانًا تُضحي بالكثير من راحتها وحريتها من أجل أبنائها.

إن الإسلام قد حث على الإحسان إلى الأم والتعامل معها برفق، وفي الوقت نفسه، أكد على ضرورة فهم مشاعرها واحترام تضحياتها. ومن الأحاديث التي تؤكد على هذا المعنى، قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة” (رواه مسلم). هذا الحديث يوضح أن الإنسان إذا فاته بر والدته أو والده في مرحلة كبرهما، فإنه يكون قد فوت على نفسه فرصة عظيمة للحصول على الجنة.

أثر بر الأم على حياة المسلم

بر الأم له تأثير بالغ على حياة المسلم، فهو لا يعزز فقط الروابط الأسرية، بل يمتد ليؤثر في حياة الفرد بشكل شامل. ففي الدنيا، يُنعم على الأبناء ببركة في الوقت والرزق، كما يساعد بر الأم في تهذيب النفس وتطوير الشخصية، حيث يشبع المسلم قيمًا عظيمة مثل الصبر، الرحمة، والإحسان.

إن بر الأم يعود على المسلم بحياة مليئة بالطمأنينة والسكينة، ويشعر الإنسان بالسلام الداخلي عندما يُقدم على فعلٍ حسن تجاه أمه، كما أن هذا البر يعود عليه بثمرات عظيمة في الآخرة. في يوم القيامة، عندما يُحاسب الإنسان على أعماله، ستكون أعماله الصالحة مثل بر الوالدين من الأعمال التي ترفع درجاته، وتغفر له ذنوبه، وتدخله الجنة برحمة الله.

التحديات في بر الأم

على الرغم من أن الإسلام قد وضّح أهمية بر الأم وأوصى به كثيرًا، إلا أن بعض الأشخاص قد يواجهون تحديات صعبة في هذا الصدد. في بعض الأحيان قد تكون الأم صعبة المزاج أو قاسية، وقد تتسبب بعض الظروف الحياتية في تباين في العلاقة بين الأم وأبنائها. لكن بر الأم في الإسلام لا يتوقف على المعاملة الحسنة من الأم، بل يتطلب من الابن أن يظل مخلصًا في بره وتقديره لأمه، بغض النظر عن الظروف.

وفي هذه الحالة، يمكن للابن أن يجد طرقًا مبتكرة للتعامل مع الأم، مثل التحلي بالصبر والهدوء، والاعتراف بمشاعر الأم، والتخفيف عنها بما يستطيع. في النهاية، يظل بر الأم من أسمى الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم، وكلما تحلى بالصبر، كان جزاؤه أعظم عند الله.

كيفية بر الأم في العصر الحديث

مع تقدم الزمن وتغير أساليب الحياة، ظهرت العديد من التحديات التي قد تؤثر على قدرة الأبناء على بر أمهاتهم، مثل مشاغل العمل، التكنولوجيا، وضغوط الحياة العصرية. لكن بر الأم لا يجب أن يتوقف عند الحدود التقليدية، بل يجب أن يُبذل جهداً أكبر لمراعاة احتياجات الأم وتوفير الراحة لها في ظل هذه الظروف.

من طرق بر الأم في العصر الحديث أن يسعى الأبناء لتخصيص وقتٍ خاص لأمهاتهم، حتى لو كان ذلك عبر وسائل التواصل الحديثة، كالمكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية التي تعبر عن الحب والاهتمام. كما يمكن للأبناء أن يساعدوا أمهاتهم في شؤون الحياة اليومية مثل الطبخ، التنظيف، أو توفير الدعم العاطفي والنفسي في فترات الضغط.

الخاتمة

إن بر الأم في الإسلام يعد من أعظم الأعمال التي يمكن أن يؤديها المسلم، ويؤثر بشكل إيجابي على حياته في الدنيا والآخرة. الإسلام يعلّمنا أن نعطي أمهاتنا ما يستحقونه من محبة، احترام، وعناية، تقديرًا لما قدمته لنا من تضحيات. ولا تقتصر مكافأة البر على الدنيا فقط، بل يمتد أثره إلى الآخرة، حيث يكون سببًا في دخول الجنة.

يظل بر الأم واجبًا على كل مسلم، ويجب أن يبذل أقصى جهده في تحصيل هذا الفضل العظيم.