فضل الذكر والتسبيح في الإسلام
الذكر والتسبيح هما من أعظم الأعمال التي حث عليها الإسلام، حيث يعتبران من أيسر العبادات التي يمكن للمسلم أن يؤديها في أي وقت وأي مكان، دون الحاجة إلى تجهيزات خاصة أو ظروف معينة. وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الآيات والأحاديث التي تدل على فضل الذكر والتسبيح وأثرهما الكبير في حياة المسلم الروحية والدنيوية.
تعريف الذكر والتسبيح
الذكر في اللغة يعني التذكّر، أي تكرار شيء ما بهدف تذكره، وهو من الأعمال القلبية الرفيعة التي تظهر على اللسان. في الإسلام، يشمل الذكر كل قول يُذكر فيه اسم الله سبحانه وتعالى مثل: “سبحان الله”، “الحمد لله”، “الله أكبر”، “لا إله إلا الله”، وغيرها من الأذكار التي ترفع المؤمن بالقرب إلى الله عز وجل.
أما التسبيح فيعني تنزيه الله عن كل نقص أو عيب، وهو إحدى صور الذكر التي تدل على تطهير الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من صفات. يقول تعالى في القرآن الكريم: “سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ” و**”سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى”**.
فضل الذكر والتسبيح في القرآن الكريم
لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تتحدث عن فضل الذكر والتسبيح. من أبرز هذه الآيات قوله تعالى:
“فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” (البقرة: 152)، حيث وعد الله سبحانه وتعالى بالذكر لعباده في مقابل ذكرهم له، مما يعكس أهمية هذه العبادة في التقرب إلى الله.
وقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا” (الأحزاب: 41)، وهي دعوة للمسلمين أن يكثروا من الذكر وأن يكون جزءاً مهماً من حياتهم اليومية.
كما جاء في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ” (آل عمران: 191)، وهي آية تظهر عظم أجر الذكر في جميع الأوقات والأحوال، حيث أن المؤمن يذكر الله في كل حال.
فضل الذكر والتسبيح في السنة النبوية
ورد في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة ما يعزز أهمية الذكر والتسبيح، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، غُفرت له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر” (رواه البخاري).
هذا الحديث يوضح أن الذكر هو من أيسر الأعمال التي يمكن أن تكفر الذنوب وتغفر الخطايا، مهما كانت كثيرة أو عظيمة. ويظهر فضل الذكر في كلمات بسيطة، كقول “سبحان الله”، التي تحمل في طياتها تذكيراً للمؤمن بتسبيح الله ورفعه عن كل نقص.
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَلا أُنبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ؟ وَأَقْرَبِهَا إِلَى مَلِيكِكُمْ، وَأَعْلَاهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى” (رواه الترمذي).
هذه الكلمات تظهر أن الذكر لا يقتصر فقط على مجرد أداء الكلمات، بل هو وسيلة لتحصيل أعلى درجات الإيمان والوصول إلى أعلى مراتب الجنة.
آثار الذكر والتسبيح في حياة المسلم
-
الطمأنينة والراحة النفسية
أحد أعظم آثار الذكر والتسبيح على المسلم هو ما يترتب عليه من طمأنينة في القلب وراحة نفسية. فالذكر هو طريق لتهدئة النفس من ضغوط الحياة وهمومها، وقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: “أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد: 28).
حين يذكر المسلم ربه، يشعر بسلام داخلي، إذ أن الذكر يربط قلبه بالله، فينزل السكون والهدوء على نفسه. -
تحقيق القرب من الله
إن الذكر والتسبيح يقرب المؤمن من ربه، ويجعل الله عز وجل في معيته. وقد ورد في الحديث القدسي: “أنا جليس من ذكرني” (رواه ابن ماجة).
إن ذكر الله يفتح أبوابًا من البركات في حياة المسلم، حيث يصبح قريبًا من الله تعالى، ويشعر بحمايته ورعايته في كل خطوة. -
إجابة الدعاء
من الفضائل العظيمة للذكر أن الله سبحانه وتعالى يستجيب لدعاء من يكثر من ذكره. فقد ورد في الحديث: “من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين” (رواه الترمذي).
حين يذكر المسلم الله بكثرة، يفتح الله له أبواب الرحمة وييسر له سبل الإجابة، سواء في الدنيا أو في الآخرة. -
حماية من الشيطان
لقد ورد في القرآن والسنة ما يدل على أن الذكر يحمي المسلم من مكائد الشيطان، ويعصمه من وساوسه. ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي” (رواه البخاري).
ففي هذه الكلمات نرى أن الذكر يعد حصنًا واقيًا للمؤمن ضد الشيطان، حيث أن الشيطان يفر من الأماكن التي يذكر فيها الله. -
زيادة الأجر والمغفرة
إن من أعظم مكافآت الذكر هو ما يترتب عليه من مضاعفة الأجر والمغفرة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال سبحان الله وبحمده مئة مرة، حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” (رواه البخاري).
الذكر وسيلة لزيادة الحسنات، وتكفير السيئات، بل إنه يرفع المؤمن درجات في الجنة.
كيفية الإكثار من الذكر والتسبيح
إن الإكثار من الذكر والتسبيح ليس مقصورًا على أوقات الصلاة فقط، بل يمتد ليشمل كل لحظة في حياة المسلم. يمكن للمرء أن يذكر الله وهو في عمله، في دراسته، في سفره، أو حتى أثناء نومه.
من أبرز وسائل الإكثار من الذكر:
-
الاستمرار في التسبيح: مثل قول “سبحان الله” و”الحمد لله” و”الله أكبر” بشكل متكرر طوال اليوم.
-
الاستماع إلى الأذكار اليومية: مثل الأذكار الصباحية والمسائية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
-
التفاعل مع الأدعية المستحبة: قراءة الأدعية التي ترفع الإيمان وتقوي العلاقة مع الله.
-
التوكل على الله: في كافة الأعمال والأنشطة اليومية.
الختام
إن الذكر والتسبيح ليسا فقط عبادة محمودة، بل هما طريق للسلام الداخلي والطمأنينة. من خلالهما يتحقق القرب من الله تعالى، وتغفر الذنوب، وترتفع درجات المؤمن في الآخرة. وبهما يتحقق للإنسان ما يحتاجه من حماية وسعادة، سواء في الدنيا أو في الآخرة. فالذكر هو الزاد الروحي الذي يغني المسلم عن كل شيء، ويجعله دائمًا في معية الله ورعايته.
