فريد بيري (لاعب كرة مضرب بريطاني): سيرة رياضية وإنجازات خالدة
مقدمة
يُعد فريد بيري (Fred Perry) أحد أبرز الأسماء في تاريخ رياضة التنس، ليس فقط على الساحة البريطانية، بل في تاريخ اللعبة على مستوى العالم. وُلد فريد بيري في أوائل القرن العشرين، وتميز بأسلوبه القتالي وأدائه الحماسي الذي جعله أحد أولى الأساطير في هذه الرياضة. لم تقتصر مساهماته على التنس فحسب، بل امتدت لتشمل رياضة تنس الطاولة وتصميم الأزياء الرياضية، وهو ما جعله شخصية أيقونية متعددة الجوانب.
النشأة والخلفية الاجتماعية
وُلد فريد بيري في 18 مايو 1909 في ستوكبورت، شيشاير، إنجلترا. نشأ في عائلة من الطبقة العاملة، وكان والده ناشطاً عمالياً أصبح لاحقاً عضواً في البرلمان البريطاني عن حزب العمال. هذه الخلفية الاجتماعية أثرت بشكل كبير على شخصية بيري، حيث عُرف عنه تصميمه الشديد ورفضه للتمييز الطبقي الذي كان سائداً آنذاك في الرياضات النخبوية مثل التنس.
بدأ بيري مسيرته الرياضية في تنس الطاولة، حيث تفوق بشكل لافت، وأصبح بطل العالم في هذه الرياضة سنة 1929. هذا النجاح شكل نقطة تحول كبيرة في مسيرته، إذ قرر بعدها أن ينتقل إلى رياضة التنس، التي كانت آنذاك محصورة تقريباً على طبقة النبلاء والطبقة العليا.
الانتقال إلى التنس ومراحل التطور
بدأ فريد بيري ممارسة التنس في سن متأخرة نسبياً مقارنة بمعايير اليوم، لكنه تعلّم بسرعة مذهلة، مستفيداً من لياقته البدنية العالية وانضباطه الكبير. في عام 1933، انضم إلى الفريق البريطاني المشارك في كأس ديفيس، وبدأ اسمه يتردد بقوة في الساحة العالمية.
امتاز بيري بأسلوب هجومي سريع، وضربات أمامية قوية، كما اشتهر بإرساله القوي وقدرته على التكيف مع مختلف أنواع الملاعب، سواء الترابية أو العشبية أو الصلبة. تميز أيضاً بموقفه العدواني على أرضية الملعب، وهو ما كان يعد سلوكاً غير معتاد آنذاك، لكنه أعطاه طابعاً مميزاً وجعله محبوباً لدى الجماهير.
الإنجازات الرياضية
البطولات الكبرى (Grand Slam)
حقق فريد بيري تسعة ألقاب كبرى في بطولات الغراند سلام، توزعت على الشكل التالي:
| البطولة | عدد الألقاب | السنوات الفائزة |
|---|---|---|
| ويمبلدون | 3 | 1934، 1935، 1936 |
| أمريكا المفتوحة | 3 | 1933، 1934، 1936 |
| فرنسا المفتوحة | 1 | 1935 |
| أستراليا المفتوحة | 1 | 1934 |
هذه الأرقام جعلت منه أول لاعب في التاريخ يفوز بجميع البطولات الأربع الكبرى، وهو إنجاز يُعرف اليوم باسم “Grand Slam Career”، وكان أول من حققه بين الرجال.
كأس ديفيس
ساهم بيري في استعادة مكانة بريطانيا في كأس ديفيس، إذ قاد الفريق البريطاني للفوز بالبطولة في 1933، وهي أول مرة تفوز فيها بريطانيا بهذه البطولة منذ عام 1912. واستمر الفريق في هيمنته على كأس ديفيس خلال ثلاث سنوات متتالية حتى 1936، بفضل جهود بيري وزملائه.
الترتيب العالمي
رُوّج لفريد بيري بأنه اللاعب رقم 1 في العالم في عدة سنوات متتالية خلال فترة الثلاثينيات (1934، 1935، 1936)، بحسب تصنيفات غير رسمية آنذاك، نظراً لعدم وجود نظام تصنيف رسمي للاعبين من قبل رابطة محترفي التنس (ATP) كما هو معمول به اليوم.
الاحتراف والانتقال إلى أمريكا
في عام 1936، وبعد فوزه ببطولة ويمبلدون للمرة الثالثة، قرر بيري أن يحترف اللعبة، وهي خطوة غير مألوفة آنذاك وتعرض بسببها للانتقادات من الأوساط الرياضية البريطانية. انتقل إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ جولة احترافية طويلة ضد كبار لاعبي التنس المحترفين، مثل دون بادج وإلسورث فاين.
الانتقال إلى الاحتراف حرمه من المشاركة في البطولات الكبرى، التي كانت مقتصرة على الهواة، لكنه استمر في تقديم عروض قوية خلال المباريات الاستعراضية، وشارك في نشر رياضة التنس في أمريكا الشمالية، خاصة في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
المساهمات خارج الملعب
تأسيس العلامة التجارية Fred Perry
إلى جانب مسيرته الرياضية، ساهم فريد بيري في تطوير الملابس الرياضية، حيث أسس عام 1952 علامة “Fred Perry” الشهيرة التي بدأت بإنتاج أساور العرق، ثم انتقلت إلى القمصان الرياضية التي حملت شعار إكليل الغار المميز. سرعان ما أصبحت هذه العلامة رمزاً في الثقافة الشبابية، خاصة في بريطانيا، وارتبطت بحركات موسيقية مثل المودز والبانك والسكينز.
التأثير الثقافي والاجتماعي
لم يكن فريد بيري مجرد رياضي، بل أصبح رمزاً ثقافياً. شخصيته القوية ونجاحه رغم خلفيته المتواضعة جعله قدوة لجيل من البريطانيين، وكسر التقاليد الطبقية في التنس. لم يكن يرضخ للأنظمة الأرستقراطية في الأندية الرياضية، وكان يرفض القيود المفروضة على “غير النبلاء”، وهو ما أسس لتغيير تدريجي في الثقافة الرياضية البريطانية.
الحياة الشخصية والسنوات الأخيرة
تزوج فريد بيري ثلاث مرات خلال حياته، وكانت حياته الشخصية محط اهتمام الإعلام البريطاني والأمريكي، خاصة بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة حيث استقر لفترة طويلة.
في سنواته الأخيرة، عاش بيري بين إنجلترا والولايات المتحدة، واستمر في متابعة شؤون التنس من بعيد. وفي عام 1984، تم تكريمه بتمثال برونزي خارج ملاعب ويمبلدون، تكريماً لإرثه الخالد في عالم التنس.
توفي فريد بيري في 2 فبراير 1995، عن عمر يناهز 85 عاماً، إثر إصابته بذات الرئة بعد إجراء عملية جراحية في أستراليا.
الإرث والتكريمات
بعد وفاته، تزايدت الاعترافات بإرث بيري الرياضي، إذ تم إدخاله إلى قاعة مشاهير التنس الدولية في 1975. كما أصبح رمزاً دائماً في الملاعب البريطانية، خاصة خلال بطولة ويمبلدون، التي لم تشهد فوز لاعب بريطاني بلقب الفردي للرجال بعد بيري إلا في عام 2013 عندما فاز آندي موراي، بعد أكثر من 77 عاماً من آخر فوز بريطاني.
علامة Fred Perry لا تزال مزدهرة إلى اليوم، وتُعد من أبرز رموز الأزياء البريطانية ذات الطابع الرياضي-الثقافي، ما يعكس اتساع تأثير هذا الرياضي الفريد خارج حدود الرياضة.
أهمية فريد بيري في تاريخ التنس
يُعد فريد بيري من أوائل اللاعبين الذين حولوا رياضة التنس من لعبة نخبوية إلى لعبة شعبية. أسلوبه في اللعب، وشخصيته القوية، وإصراره على تحدي التقاليد الاجتماعية، جعله أكثر من مجرد بطل، بل شخصية ملهمة ثقافياً واجتماعياً.
كان أول من حاز جميع البطولات الأربع الكبرى، وهو إنجاز لم يحققه بعده إلا نخبة من اللاعبين مثل رود ليفر، وأندريه أغاسي، وروجر فيدرر، ورافائيل نادال، ونوفاك ديوكوفيتش. لكنه يظل الوحيد الذي جمع بين النجاح في التنس وتنس الطاولة على أعلى المستويات، مما يجعله استثناء نادراً في تاريخ الرياضة.
خاتمة
فريد بيري كان أكثر من مجرد لاعب تنس. كان أيقونة رياضية وثقافية، ومثالاً على أن التصميم والشغف يمكن أن يكسر الحواجز الاجتماعية ويصنع من الإنسان أسطورة. إن إرثه، سواء من خلال إنجازاته الرياضية أو علامته التجارية أو تأثيره الاجتماعي، لا يزال حياً في ذاكرة بريطانيا والعالم.
المصادر
-
International Tennis Hall of Fame. “Fred Perry Biography”.
-
Gillmeister, Heiner. Tennis: A Cultural History. Leicester University Press.
