اسم فرعون الحقيقي في عهد موسى

يعتبر موضوع فرعون عهد موسى عليه السلام من أكثر المواضيع التي أثارت جدلاً واسعاً في الدراسات التاريخية والدينية على حد سواء، لما يحمله هذا الاسم من دلالات روحية، تاريخية، وسياسية. فرعون هو اللقب الذي كان يطلق على ملوك مصر القديمة، ولكن معرفة الاسم الحقيقي لفرعون الذي كان معاصراً للنبي موسى عليه السلام هي مسألة معقدة، ترتبط بالتحليل التاريخي للأدلة الأثرية والنصوص القديمة، إضافة إلى التفسير الديني للنصوص المقدسة.

مفهوم “فرعون” في التاريخ القديم

كلمة “فرعون” ليست اسمًا شخصيًا، بل هي لقب يطلق على ملوك مصر القديمة. يعود أصل هذا اللقب إلى اللغة المصرية القديمة حيث كان يُقال “برع” (Per-aa) والتي تعني “البيت العظيم”، في إشارة إلى قصر الملك. مع مرور الزمن، تحول هذا اللفظ إلى لقب خاص بالحاكم نفسه، فأصبح يطلق على ملوك مصر باعتبارهم رؤساء الدولة وأصحاب السلطة المطلقة.

لذا، عند الحديث عن “فرعون عهد موسى” فإننا نتحدث عن ملك معين من ملوك مصر الذين حكموا في فترة زمنية محددة، وهي فترة العهد التوراتي والقرآني، ولكن تحديد اسمه الفعلي يحتاج إلى ربط عدة مصادر تاريخية.

العهد الزمني لموسى وفرعون في التاريخ المصري

وفقاً للدراسات التاريخية والدينية، فإن النبي موسى عليه السلام عاش في فترة زمنية قد تترواح بين الألفية الثانية قبل الميلاد، وتحديدًا في الفترة ما بين القرن الخامس عشر والقرن الثالث عشر قبل الميلاد. هذه الفترة تُعرف بعصر الدولة الحديثة في مصر الفرعونية، الذي تميز بسيطرة عدة سلالات قوية على مصر، أبرزها الأسرة الثامنة عشر والتاسعة عشر.

أشهر ملوك هذه الفترة هم إخناتون، توت عنخ آمون، رمسيس الثاني، وأمنحتب الثالث. ومن بين هؤلاء، يعتقد كثير من الباحثين أن فرعون موسى هو أحد ملوك الأسرة التاسعة عشر، التي تميزت بالحكم القوي والتوسع العسكري.

المرشحون المحتملون لفرعون موسى

1. رمسيس الثاني (1279–1213 ق.م)

يعتبر رمسيس الثاني من أشهر ملوك مصر القديمة، ويحظى باحترام واسع في الدراسات الفرعونية نظراً لطول فترة حكمه وإنجازاته العسكرية والمعمارية. ويرى كثير من العلماء أن رمسيس الثاني هو فرعون موسى، بناءً على الأدلة الأثرية والنصوص التي تشير إلى فترة حكمه كوقت يقدر به خروج بني إسرائيل من مصر.

الأسباب التي تدعم هذه النظرية:

• مدة الحكم الطويلة: حكم رمسيس الثاني حوالي 66 سنة، مما يتوافق مع الروايات التي تلمح إلى فترة حكم طويلة.

• البناء العمراني الضخم: التي ذكرت في التوراة، حيث أمر فرعون ببناء مدينتي “بيساني” و”رامسيس” (كما ورد في خروج 1:11)، وقد تم اكتشاف آثار هذه المدن التي تعود إلى عهد رمسيس الثاني.

• الأحداث التاريخية: معارك رمسيس الثاني مع الحيثيين والمعاهدات التي وقعها تدل على فترة نشاط سياسي وعسكري قوي، مما يناسب طبيعة الحكم التي كانت في زمن موسى.

2. ستي الأول (1294–1279 ق.م)

يعتبر ستي الأول والد رمسيس الثاني، وهو ملك قوي أيضاً من الأسرة التاسعة عشر. يعتقد بعض الباحثين أن موسى قد عاش في فترة حكمه أو في بداية عهد رمسيس الثاني. ولكن عدم وجود أدلة أثرية واضحة تربط ستي الأول بشكل مباشر بروايات الخروج جعلته أقل ترجيحاً.

3. تحتمس الثالث (1479–1425 ق.م)

هناك من يرجح أن فرعون موسى كان من الأسرة الثامنة عشر، مثل تحتمس الثالث، الذي كان ملكاً قوياً وحقق توسعات كبيرة لمصر. بعض الدراسات تتبنى هذا الرأي بسبب توقيتاته التي تتوافق مع النظريات القديمة عن تاريخ موسى، ولكن الأدلة الأثرية التي تربط تحتمس الثالث بقصة موسى قليلة.

الأدلة الدينية والتاريخية على هوية فرعون موسى

القرآن الكريم

في القرآن الكريم، يطلق على ملك مصر الذي عاصر موسى لقب “فرعون”، ولكنه لم يذكر اسمه. ومع ذلك، ورد وصف لهذا الفرعون بأنه كان مستكبراً وجباراً، وأنه رفض دعوة موسى إلى التوحيد، مما أدى إلى وقوع معجزات ومصائب في مصر.

قال تعالى في سورة القصص:

“فَخَافَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ أَن يُغْرَقُوا فَنَادَىٰ فِي الْوَعْرِ أَن لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَّا بِهِ عِبَادُهُ” (القصص: 10).

هذه الآيات تؤكد أن فرعون كان رجلاً ذا سلطة مطلقة، ومع ذلك فقد انتهى مصيره بالغرق في البحر بعد أن طارد بني إسرائيل.

التوراة

في العهد القديم (التوراة)، يظهر فرعون موسى كشخصية رئيسية في قصة خروج بني إسرائيل من مصر. ويذكر أن هذا الفرعون كان يفرض استعباداً على بني إسرائيل، وأمر بقتل المواليد الذكور منهم، الأمر الذي أدى إلى إنقاذ موسى وولادته.

كما ورد أن فرعون أمر ببناء مدينتين ضخمتين للملك هما “رامسيس” و”بيساني”، مما أعطى مصداقية لربط فرعون موسى بفرعون رمسيس الثاني.

الخلافات في تحديد الاسم الحقيقي لفرعون موسى

رغم كثرة الدراسات، يبقى اسم فرعون موسى محط جدل بين المؤرخين والباحثين، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:

• قلة الأدلة المباشرة: لا توجد نقوش أو وثائق مصرية قديمة تشير صراحة إلى فرعون موسى أو ذكر القصة كما وردت في الكتب السماوية.

• التداخل الزمني: تعدد الفراعنة الذين حكموا مصر في فترة تقاربها الزمنية مع النبي موسى يجعل التحديد دقيقاً صعباً.

• التفسيرات الدينية المختلفة: اختلاف التفسيرات بين الديانات الإسلامية، المسيحية، واليهودية بشأن تفاصيل القصة وتوقيتاتها.

أهمية معرفة اسم فرعون موسى

معرفة اسم فرعون عهد موسى لها أهمية كبيرة في الفهم التاريخي والديني:

• ربط التاريخ بالأسطورة: تساعد في الربط بين الروايات الدينية والتاريخ المصري القديم، مما يثري فهم الحضارات القديمة.

• دراسة الحضارة المصرية: التعرف على الفراعنة الذين تزامنوا مع أحداث تاريخية مهمة يعزز من فهم تطور مصر القديمة.

• التحليل السياسي والاجتماعي: فهم طبيعة الحكم في مصر القديمة وتأثيره على شعوب المنطقة، وخاصة بني إسرائيل.

جدول يوضح أبرز ملوك مصر المحتملين كفرعون موسى

خلاصة

تحديد اسم فرعون عهد موسى لا يمكن حسمه بشكل قطعي، لكنه مرتبط بفترة حكم الدولة الحديثة في مصر، وخاصة الأسرة التاسعة عشر. رمسيس الثاني هو الأوفر حظاً في الترشيحات بناءً على الأدلة الأثرية والتاريخية، إضافة إلى التوافق مع النصوص الدينية والتوراتية. رغم ذلك، يبقى الموضوع مفتوحاً للنقاش والبحث المستمر، حيث تجمع الروايات بين التاريخ والميتولوجيا، مما يضيف بعداً غنياً لدراسة حضارة مصر القديمة وقصص الأنبياء.

المصادر والمراجع

• كتاب “تاريخ مصر القديمة” تأليف إيرك هوبس، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية.

• القرآن الكريم، تفسير الطبري.

• العهد القديم (التوراة)، ترجمة جمعية الكتاب المقدس.

هذا المقال يقدم رؤية شاملة ومعمقة عن اسم فرعون موسى، ويعتمد على الجمع بين المصادر الدينية والأثرية، ليعطي القارئ صورة دقيقة وعلمية دون الإفراط في التكهنات غير المدعومة.