غيرة الأطفال من المولود الجديد .. مشكلة .. وعلاج

تُعد الغيرة من المشاعر الطبيعية التي قد تظهر لدى الأطفال في مراحل عمرية مبكرة، وتزداد حدتها في حالات محددة، أبرزها قدوم مولود جديد إلى الأسرة. لا يُمكن إغفال هذه الغيرة أو التقليل من شأنها، فهي تُعبّر عن صراع نفسي داخلي يعيشه الطفل الأكبر نتيجة شعوره المفاجئ بفقدان مكانته أو تقليص الاهتمام به، وهي مشكلة تحتاج إلى تفهّم عميق وتعامل تربوي حكيم ومتزن. يعرض هذا المقال تحليلاً شاملاً لأسباب غيرة الأطفال من المولود الجديد، تجلياتها، ومقاربات فعالة لعلاجها ضمن السياق الأسري والتربوي.

أولاً: المفهوم النفسي لغيرة الأطفال

الغيرة ليست سلوكاً سيئاً في حد ذاتها، بل هي شعور داخلي طبيعي يُولد نتيجة تصورات الطفل عن تهديد لمكانته أو انحصار مصادر الحب والاهتمام التي اعتاد عليها. عندما يولد طفل جديد، يشعر الطفل الأكبر بأن الأبوين قد خذلاه، أو أنهما تراجعا عن محبته لصالح القادم الجديد، ما يُسبب حالة من القلق وفقدان الأمان العاطفي. هذه المشاعر، إذا لم يتم التعامل معها بوعي، قد تتفاقم وتتحول إلى سلوكيات سلبية مؤذية.

ثانياً: الأسباب النفسية والسلوكية لغيرة الطفل من المولود الجديد

1. الاهتمام الزائد بالمولود الجديد

بطبيعته، يحتاج الرضيع إلى رعاية مستمرة واهتمام دائم، وهو ما يُحدث تغييراً جذرياً في أنماط الحياة الأسرية، خصوصاً من حيث الوقت والطاقة العاطفية التي يُصرفها الأهل. يشعر الطفل الأكبر، الذي كان مركز الاهتمام سابقاً، بأنه تم “استبعاده” فجأة.

2. العبارات المقارنة من الكبار

كثيراً ما يقع الآباء والأقارب في خطأ استخدام عبارات مقارنة، مثل: “انظر كم هو هادئ المولود، لماذا لا تتصرف مثله؟” أو “أنت كبير الآن ويجب أن تكون مسؤولاً.” هذه العبارات تعزز الإحساس بالنقص والغيرة.

3. التغير المفاجئ في المعاملة

يلجأ بعض الأهل دون قصد إلى تغيير طريقة تعاملهم مع الطفل الأكبر بعد مجيء المولود، فيُحرم من بعض الامتيازات أو يُكلف بمهام أكبر لا تتناسب مع عمره، ظناً منهم أنه أصبح “كبيراً”.

4. العزلة والانفصال عن الأم

خلال الفترة الأولى من العناية بالمولود الجديد، تميل الأمهات إلى قضاء وقت أطول معه، وهو ما يخلق فجوة عاطفية يشعر بها الطفل الأكبر، خاصة إذا كان شديد الارتباط بالأم.

5. عدم تهيئة الطفل نفسياً قبل الولادة

إهمال التحضير النفسي للطفل الأكبر، وغياب الحوار الإيجابي المسبق حول قدوم المولود، يجعل الطفل يواجه الوضع الجديد بصدمة وارتباك داخلي.

ثالثاً: مظاهر وسلوكيات غيرة الطفل

تتجلى غيرة الطفل من المولود الجديد عبر عدة أنماط سلوكية، وقد تتفاوت في حدتها حسب شخصية الطفل وعمره، من أبرزها:

• العدوانية تجاه المولود: محاولة ضربه، الصراخ بجانبه، أو إيذائه بشكل غير مباشر.

• التمسك الزائد بالأم: بكاء مستمر، التعلق المفرط بها، رفض الانفصال عنها.

• التراجع في النمو السلوكي: كأن يتوقف عن استخدام الحمام ويعود للتبول في الفراش، أو يطلب رضاعة زجاجية رغم فطامه.

• افتعال المشكلات والسلوكيات السلبية: العصيان، العناد، الكذب، أو التصرفات الطفولية لجذب الانتباه.

• الانسحاب الاجتماعي: ميل للعزلة، الصمت، أو الحزن المستمر.

رابعاً: العواقب طويلة الأمد لعدم علاج غيرة الأطفال

إذا لم يتم التعامل مع الغيرة بشكل تربوي صحيح، فقد تترك آثاراً نفسية طويلة الأمد، تشمل:

• ضعف الثقة بالنفس

• كراهية الأخ الأصغر وتكوين مشاعر سلبية تجاهه

• مشاكل في العلاقات الاجتماعية مستقبلاً

• اضطرابات في التكيف مع التغيرات الحياتية

• ميول عدوانية أو انعزالية في مراحل لاحقة

خامساً: استراتيجيات فعالة لعلاج الغيرة بين الإخوة

1. التحضير النفسي قبل الولادة

من المهم إشراك الطفل الأكبر في مراحل الحمل بطريقة إيجابية، كأن يُسمح له بلمس بطن الأم، أو سماع نبضات قلب الجنين، أو حتى مشاركته في اختيار اسم للمولود. هذا التفاعل يُشعره بالانتماء إلى الحدث لا بالإقصاء.

2. تعزيز مكانة الطفل الأكبر

يجب أن يُدرك الطفل الأكبر أن مجيء المولود الجديد لا يقلل من محبّة والديه له. يمكن للأهل تعزيز مكانته بعبارات مشجعة مثل: “نحن نعتمد عليك كأخ كبير ذكي”، أو “أنت من سيساعدنا في العناية بأخيك.”

3. عدم إهمال وقت الطفل الأكبر

حتى مع الانشغال بالمولود، من الضروري تخصيص وقت خاص للطفل الأكبر يمضي فيه مع الأبوين دون وجود الرضيع، للعب، الحوار، والاهتمام بمشاعره.

4. تشجيع السلوك الإيجابي وتعزيزه

عندما يتصرف الطفل بمحبة تجاه أخيه، يجب أن يُكافأ على ذلك بالمديح أو مكافأة مادية بسيطة، ما يعزز السلوك المرغوب ويُخفض من حدة الغيرة.

5. الابتعاد عن المقارنة واللوم

يجب تجنب العبارات التي تُشعر الطفل بأنه أقل أهمية أو أقل ذكاءً أو تصرفاً من الرضيع. التركيز يجب أن يكون على تقدير الجهود والمميزات الفريدة لكل طفل دون مقارنات.

6. مشاركة الطفل في رعاية المولود

من الوسائل الفعالة لتقوية العلاقة بين الأخوين أن يُشارك الطفل الأكبر في رعاية المولود، بما يناسب عمره. كأن يساعد في جلب الحفاضات، أو يهدهده بلطف. هذا يعزز شعوره بالمسؤولية والانتماء.

7. تفهم ردود الفعل العاطفية وتقبلها

يجب إعطاء الطفل فرصة للتعبير عن غيرته وخوفه من فقدان حب الوالدين دون معاقبته. الحوار الهادئ وإظهار التعاطف العاطفي يساعد على تهدئته وتوجيهه إيجابياً.

8. استشارة مختص نفسي عند الحاجة

في بعض الحالات الحادة، التي يُظهر فيها الطفل أعراض قلق أو عدوانية مستمرة، يُنصح باستشارة أخصائي نفسي للأطفال لتقديم دعم مهني للأسرة.

سادساً: دور البيئة المحيطة في تهدئة الغيرة

لا يقع العبء فقط على الوالدين، بل للبيئة المحيطة دور كبير في التخفيف من غيرة الطفل، ومنها:

• دور الأجداد: عليهم عدم تعزيز المقارنة بين الأحفاد، والتركيز على دعم الطفل الأكبر وجعله يشعر بقيمته الخاصة.

• المدرسة ورياض الأطفال: بإمكان المعلمين والمربيات تقديم أنشطة وقصص موجهة تساعد الطفل على فهم وتقبل الوضع الجديد.

• وسائل الإعلام والقصص: يُمكن استخدام قصص الأطفال المصورة التي تتناول موضوع الغيرة الأخوية لتقريب المفهوم بطريقة رمزية وسلسة.

جدول: مقارنة بين مظاهر الغيرة الطبيعية والمقلقة لدى الأطفال

سابعاً: النتائج الإيجابية لتجاوز الغيرة الأخوية

حين يُدار موقف الغيرة بحكمة تربوية، فإن الطفل لا يخرج فقط من التجربة سالماً، بل قد يتحول إلى شخصية أكثر نضجاً، حساسية، وقدرة على التكيف مع التحديات الاجتماعية. العلاقات الأخوية المتوازنة التي تبدأ من الطفولة تُعد من أهم روافد الدعم النفسي والوجداني مدى الحياة.

المراجع

1. Harter, S. (2012). The Construction of the Self: Developmental and Sociocultural Foundations. Guilford Press.

2. Galinsky, E. (2010). Mind in the Making: The Seven Essential Life Skills Every Child Needs. HarperStudio.