5 قواعد لغرس الإيجابيّة في عقول أطفالك

تشكل السنوات الأولى من حياة الطفل الأساس الذي يُبنى عليه مستقبله النفسي والعاطفي والسلوكي. وتُعد الإيجابية واحدة من أبرز الصفات التي يحتاجها الإنسان لمواجهة تحديات الحياة بثقة وهدوء وتفاؤل. عندما يكتسب الطفل التفكير الإيجابي منذ الصغر، فإنه يصبح أكثر قدرة على بناء علاقات صحية، وتحقيق النجاح، وتجاوز الإخفاقات بمرونة عقلية. لكن هذا التفكير لا يُولد مع الطفل، بل يُزرع بالتدريج من خلال المواقف والتجارب التي يعيشها، والأساليب التربوية التي يتعرض لها، والبيئة التي ينشأ فيها. وفي هذا السياق، نقدم خمس قواعد أساسية يمكن لكل أب وأم اتباعها لغرس الإيجابية في عقول أبنائهم منذ الصغر وبشكل مستدام.

القاعدة الأولى: كن قدوة إيجابية في حياتك اليومية

يتعلم الأطفال من خلال التقليد أكثر مما يتعلمون من خلال الأوامر المباشرة. فالطفل يلاحظ تعابير وجه والديه، ردود أفعالهم، حديثهم عن الناس والمواقف، وتعاملهم مع الفشل أو النجاح. لذلك فإن سلوك الوالدين الإيجابي هو أداة فعالة لتشكيل تفكير الطفل وتوجهاته النفسية. فعندما يرى الطفل أن والديه يتعاملان مع التحديات بروح التفاؤل، ويبحثان عن الحلول بدل التذمر، ويستخدمان لغة مليئة بالاحترام والأمل، فإن هذا السلوك يترسخ في ذهنه ليصبح النموذج الذي يتبعه.

عندما يُظهر الوالد رد فعل متزنًا إزاء موقف مزعج – مثل زحمة المرور أو تأخر شيء ما – ويقول جملة مثل: “سنجد طريقة أخرى للوصول” أو “هذا ليس نهاية العالم”، فإن الطفل يبدأ بتكوين منظومة عقلية ترى في كل مشكلة فرصة للتعلم أو التحسن، بدل أن يراها كارثة. هذا النمط المتكرر من السلوك الإيجابي في الحياة اليومية يغرس لدى الطفل إدراكًا بأن التفكير الإيجابي هو أسلوب حياة، وليس مجرد شعور مؤقت.

القاعدة الثانية: استخدم لغة إيجابية في التواصل مع الطفل

اللغة هي وسيلة تشكيل المفاهيم الداخلية لدى الطفل. وكل كلمة يسمعها الطفل تتسلل تدريجيًا إلى عقله لتكون جزءًا من طريقته في التفكير. عندما يعتمد الوالدان أسلوبًا لغويًا إيجابيًا، فإنهما يغذيان عقل الطفل برسائل تُعزز ثقته بنفسه وتشجعه على مواجهة الحياة بتفاؤل. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول للطفل: “أنت لا تفعل شيئًا صحيحًا”، يمكن القول: “أعلم أنك تستطيع فعلها بطريقة أفضل في المرة القادمة”. الفرق بين الجملتين كبير، إذ أن الأولى تضعف ثقة الطفل بنفسه وتشعره بالفشل، بينما الثانية تحفزه وتحمله مسؤولية التحسن بطريقة مشجعة.

كذلك من المهم استخدام الكلمات التحفيزية والاحتفائية عند تحقيق أي إنجاز مهما كان بسيطًا، مثل: “أنا فخور بك”، “أنت ذكي”، “رأيت كم كنت صبورًا”، “أحب طريقتك في حل المشكلة”. هذه العبارات تعزز مفهوم النجاح الذاتي وتشجع الطفل على تكرار السلوك الإيجابي.

ولا يقتصر الأمر على المدح فقط، بل يشمل أيضًا كيفية تصحيح الأخطاء بطريقة بنّاءة لا تُحبط الطفل. فبدلاً من التركيز على الخطأ، يمكن توجيه الانتباه إلى الحل، مما يُنمّي لدى الطفل الإحساس بالمسؤولية دون الشعور بالذنب أو الخوف.

القاعدة الثالثة: تنمية مهارة التفكير الإيجابي من خلال القصص والتجارب اليومية

القصص ليست وسيلة للترفيه فحسب، بل أداة تعليمية وتربوية فعالة تغرس القيم والمفاهيم في عقل الطفل بطريقة غير مباشرة. من خلال القصص التي تحتوي على شخصيات تواجه التحديات وتنتصر عليها بالإرادة والأمل والتعاون، يتعلم الطفل أن المشكلات جزء من الحياة، وأن القوة تكمن في طريقة التعامل معها.

القصص التي تنتهي بنهاية سعيدة بعد اجتهاد الشخصية وتخطيها للعقبات تزرع في الطفل الإيمان بأن الجهد يؤتي ثماره، وأن العوائق يمكن تجاوزها. ويُفضل أيضًا ربط القصص بأمثلة من الواقع أو تجارب شخصية يرويها الوالدان، لتصبح الرسالة أقرب إلى وجدان الطفل وأكثر تأثيرًا.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استثمار المواقف اليومية لتعزيز التفكير الإيجابي. فعندما يواجه الطفل موقفًا صعبًا، بدلاً من تجاهله أو توبيخه، يمكن الجلوس معه وتحليل الموقف، وسؤاله عن الدروس المستفادة، وتوجيهه لاستخلاص الجانب المشرق من التجربة. تكرار هذا النوع من الحديث يُكسب الطفل قدرة على النظر إلى الحياة بعمق، وتقدير اللحظات الصعبة كفرص للنمو.

القاعدة الرابعة: تحفيز الامتنان وتعليم الطفل تقدير النِعم

الشعور بالامتنان من أعمق أوجه الإيجابية النفسية، وهو أحد أقوى العوامل في بناء شخصية متوازنة وسعيدة. تعليم الطفل أن يشعر بالامتنان لكل ما يمتلكه – من صحة، وعائلة، وأصدقاء، ومأوى، وغذاء، وتعليم – يمنحه منظورًا مختلفًا للحياة ويقلل من مستويات التذمر والمقارنة.

يمكن تفعيل هذا المبدأ عبر نشاطات يومية بسيطة مثل كتابة “دفتر الامتنان”، حيث يُطلب من الطفل أن يكتب أو يرسم في كل يوم شيئًا واحدًا يشعر بالامتنان لوجوده في حياته. كما يمكن أن يتحول وقت العشاء إلى فرصة لمشاركة أفراد الأسرة ثلاثة أشياء ممتنين لها في هذا اليوم.

كما يجب على الوالدين تجنب لغة المقارنة السلبية مع الآخرين، والتركيز بدلًا من ذلك على تعليم الطفل كيف يرى نعم الله في حياته، وأن يتعلم قول “الحمد لله” بوعي وليس مجرد عادة لفظية. هذه الممارسات تُرسخ مفهوم الرضا والإيجابية في عقل الطفل، وتجعله ينظر إلى الحياة من زاوية النعم بدلًا من النقص.

القاعدة الخامسة: بناء بيئة داعمة مليئة بالمحبة والاستقرار العاطفي

الإيجابية لا تنمو في بيئة مليئة بالتوتر والصراخ والعقوبات القاسية. بل تحتاج إلى مناخ أسري يسوده الأمان العاطفي، والدفء، والاحترام المتبادل. البيئة التي يشعر فيها الطفل أنه محبوب دون شروط، ومسموع دون حكم، ومُقدَّر حتى في لحظات الفشل، هي البيئة التي تُنتج عقلًا إيجابيًا وقلبًا سليمًا.

من أسس البيئة الداعمة أيضًا توفير روتين يومي منظم يمنح الطفل إحساسًا بالسيطرة والاستقرار. كما أن تهيئة الطفل نفسيًا قبل أي تغيير أو انتقال – مثل دخول مدرسة جديدة أو الانتقال إلى بيت جديد – يعزز من قدرته على التكيّف بإيجابية.

ويُضاف إلى ذلك أهمية احترام مشاعر الطفل، مهما كانت بسيطة أو غير مفهومة للكبار. فعندما يُعبّر الطفل عن حزنه أو خوفه أو غضبه، فإن الاستماع له وتفهمه يُشعره بالاحتواء، ويعلمه أن المشاعر طبيعية وأن التعامل معها بإيجابية هو أمر ممكن ومقبول. أما قمع المشاعر أو السخرية منها، فإنه يولّد لدى الطفل قناعة بأن المشاعر السلبية ضعف، مما يدفعه إلى كبتها أو التعبير عنها بعدوانية لاحقًا.

جدول: مقارنة بين نمط تربية يغرس الإيجابية ونمط يزرع السلبية

خاتمة

غرس الإيجابية في عقول الأطفال ليس رفاهية تربوية، بل ضرورة لبناء جيل قادر على التعايش مع تحديات القرن الحادي والعشرين، ومتمتع بصحة نفسية متينة، وسلوك متزن. تبدأ هذه الرحلة من البيت، وتحديدًا من طريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم ومع الحياة. من خلال تطبيق القواعد الخمس الأساسية: القدوة الإيجابية، اللغة الإيجابية، تنمية التفكير من خلال القصص، تعزيز الامتنان، وبناء بيئة داعمة – يمكن للأسرة أن تؤسس جيلًا مؤمنًا بذاته، ومتفاعلًا مع محيطه، وناجحًا في حياته الشخصية والمهنية.

المراجع:

1. Siegel, D. J., & Bryson, T. P. (2011). The Whole-Brain Child: 12 Revolutionary Strategies to Nurture Your Child’s Developing Mind. Delacorte Press.

2. Seligman, M. E. P. (2006). Learned Optimism: How to Change Your Mind and Your Life. Vintage.