عيد استقلال المغرب المجيد

عيد استقلال المغرب

يُعد عيد استقلال المملكة المغربية من أبرز المحطات التاريخية التي تجسد صمود شعب ونضال أمة من أجل حريتها وكرامتها، ويُحتفى به سنوياً في 18 نوفمبر من كل عام، تخليداً لعودة الملك محمد الخامس من منفاه، وإعلان نهاية الحماية الفرنسية على البلاد، وتحرر المغرب من الاستعمار بعد نضال طويل دام لأكثر من أربعة عقود. ويشكل هذا الحدث علامة فارقة في تاريخ المغرب المعاصر، لما يحمله من دلالات وطنية وسياسية وثقافية راسخة، كما يعكس تلاحم العرش والشعب في وجه التحديات الكبرى التي مرت بها البلاد منذ بداية القرن العشرين.

السياق التاريخي لفرض الحماية على المغرب

قبل الحديث عن لحظة الاستقلال، لا بد من العودة إلى جذور المرحلة الاستعمارية التي عاشها المغرب، والتي بدأت بشكل رسمي مع توقيع معاهدة فاس يوم 30 مارس 1912، والتي بموجبها خضع المغرب لنظام الحماية الفرنسية، بينما تم وضع مناطق من شمال البلاد تحت النفوذ الإسباني، مع إعطاء مدينة طنجة وضعاً دولياً خاصاً. وقد جاء فرض الحماية نتيجة للضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي مارستها القوى الأوروبية، خصوصاً فرنسا وإسبانيا، على المغرب الذي كان يعاني آنذاك من ضعف في مؤسساته المركزية، وتدهور في وضعه المالي، وصراع داخلي بين القبائل وسوء في التسيير الإداري.

وقد شكّلت معاهدة الحماية قطيعة مع السيادة الوطنية المغربية، حيث تولت السلطات الفرنسية إدارة الشؤون السياسية والإدارية والاقتصادية والعسكرية في البلاد، مع الإبقاء على السلطان كرمز ديني وشكلي، دون أي سلطة تنفيذية حقيقية. وفي المقابل، بدأ المغرب يشهد تحولات عميقة على مختلف المستويات، سواء من حيث البنية التحتية أو التعليم أو استغلال الموارد الطبيعية، وذلك بما يخدم مصالح الاستعمار الفرنسي على وجه الخصوص.

المقاومة المسلحة والسياسية ضد الاستعمار

منذ السنوات الأولى لفرض الحماية، برزت العديد من الحركات المقاومة التي واجهت الاحتلال، خاصة في المناطق الجبلية كجبال الأطلس والريف. ومن أبرز هذه الانتفاضات مقاومة الشيخ أحمد الهيبة في الجنوب، وثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف، الذي أسّس جمهورية الريف في عشرينيات القرن العشرين، والتي استمرت عدة سنوات قبل أن يتم القضاء عليها بتحالف بين القوات الفرنسية والإسبانية.

وبموازاة مع المقاومة المسلحة، بدأ الوعي الوطني يتنامى بين صفوف المثقفين والنخب المغربية، حيث ظهرت بوادر حركة وطنية منظمة تسعى لتحقيق الاستقلال عبر النضال السياسي والسلمي. وفي ثلاثينيات القرن العشرين، تأسست عدة هيئات وطنية من بينها “كتلة العمل الوطني” التي طالبت بإصلاحات دستورية، ثم تحولت لاحقاً إلى “الحزب الوطني” ثم إلى “حزب الاستقلال”، الذي كان له دور مركزي في الدفع بالقضية الوطنية نحو الاستقلال.

الملك محمد الخامس ورمزية الكفاح الوطني

لعب الملك محمد الخامس دوراً محورياً في قيادة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، حيث ظل متمسكاً باستقلال البلاد، ومعبّراً عن مطالب الشعب في عدة مناسبات، مما جعله هدفاً مباشراً للسلطات الفرنسية. وفي عام 1953، قررت فرنسا نفي الملك محمد الخامس إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر، محاولة بذلك كسر وحدة الصف الوطني، وإخماد نضال الحركة الوطنية.

لكن هذا القرار كانت له نتائج عكسية، إذ أثار موجة من الغضب العارم في صفوف المغاربة، وأدى إلى تصعيد المقاومة الشعبية والمسلحة، التي اتخذت طابعاً أكثر تنظيماً، خاصة من خلال تشكيل “جيش التحرير المغربي” في الشمال والجنوب. كما تكثفت الضغوط الدبلوماسية على فرنسا من قبل عدد من الدول العربية والإسلامية، وأمام هذا الزخم الوطني والدولي، اضطرت السلطات الفرنسية إلى التراجع عن موقفها، وسمحت بعودة الملك محمد الخامس إلى المغرب يوم 16 نوفمبر 1955، حيث استقبله الشعب المغربي بحفاوة بالغة، وأعلن في خطابه التاريخي عن نهاية عهد الحماية وبداية مرحلة الاستقلال.

إعلان الاستقلال الرسمي

في يوم 2 مارس 1956، اعترفت فرنسا رسمياً باستقلال المغرب، وتم التوقيع على وثيقة إنهاء الحماية، تبعتها في ذلك إسبانيا التي اعترفت تدريجياً باستقلال المناطق الخاضعة لنفوذها. كما تم استرجاع مدينة طنجة من وضعها الدولي في أكتوبر من نفس العام. وقد شهد عام 1958 استرجاع مدينة طرفاية، وتوالت فيما بعد مراحل استكمال الوحدة الترابية، مثل استرجاع سيدي إفني سنة 1969، ثم الصحراء المغربية عام 1975 في أعقاب تنظيم المسيرة الخضراء.

مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال

يُخلَّد عيد الاستقلال في المغرب في 18 نوفمبر من كل سنة، وتُقام بهذه المناسبة العديد من الأنشطة الرسمية والشعبية في جميع أنحاء المملكة. ومن أبرز مظاهر الاحتفال تنظيم الاستعراضات العسكرية، والندوات الثقافية، والعروض المدرسية، إلى جانب تخصيص برامج إعلامية توثّق للحقبة الاستعمارية وتُبرز رموز المقاومة والكفاح الوطني.

وتحرص الدولة المغربية على ترسيخ قيم الوطنية والاعتزاز بالتاريخ النضالي من خلال إشراك الأجيال الصاعدة في إحياء هذه المناسبة، وربطها بالدروس المستفادة من الماضي، وأهمية الحفاظ على المكتسبات الوطنية، والعمل على تحقيق التنمية الشاملة في مختلف الجهات.

الجدول التالي يُبرز أهم محطات استقلال المغرب:

الاستقلال وبناء الدولة الحديثة

بعد تحقيق الاستقلال، واجه المغرب تحديات جسيمة في بناء دولة حديثة تواكب التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كان لا بد من وضع أسس مؤسساتية وإدارية جديدة، وتحديث البنى التحتية، وإنشاء نظام تعليمي وطني يعكس هوية البلاد وقيمها، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

وقد شهدت فترة ما بعد الاستقلال إصلاحات عميقة، على رأسها إصدار أول دستور للمملكة سنة 1962، ثم إجراء انتخابات تشريعية وتنظيم الحياة السياسية، وتوسيع قاعدة التعليم، وتنمية المناطق القروية التي عانت من التهميش خلال فترة الحماية. كما عمل المغرب على تعزيز مكانته الإقليمية والدولية من خلال الانضمام إلى الهيئات الدولية، وتوثيق علاقاته بالدول العربية والإفريقية.

رمزية الاستقلال في الذاكرة الجماعية

يُجسّد عيد الاستقلال في المخيال المغربي الجماعي معنى السيادة، والانتماء الوطني، والكرامة، والوفاء لتضحيات الشهداء والمقاومين. وهو ليس فقط مجرد مناسبة احتفالية، بل يُعتبر لحظة تأمل واستحضار للقيم العليا التي تأسس عليها المغرب الحديث. ويشكل تلاحم العرش والشعب أحد الركائز الأساسية التي ضمنت للمملكة الاستقرار والاستمرارية، وأتاحت لها تحقيق نهضة شاملة رغم التحديات.

وما تزال الأجيال المتعاقبة تحرص على تخليد هذه الذكرى بوجدان وطني عميق، من خلال التعليم والمناسبات الرسمية والأدبية والإعلامية، تأكيداً على أن السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع بالنضال والتضحية.

المصادر والمراجع:

1. وزارة الثقافة المغربية، الأرشيف الوطني.

2. عبد الهادي التازي، الحركة الوطنية المغربية: دراسات ووثائق، منشورات دار الغرب الإسلامي.