عمومية الإدارة وأهدافها الأساسية

مفهوم عمومية الإدارة
بقلم عبد الرحمن تيشوري

تُعدّ الإدارة أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها كافة الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في العالم، حيث تتوزع مسؤوليات اتخاذ القرارات وتنفيذها عبر مجموعة من الأفراد المتخصصين والذين يتمتعون بمهارات وقدرات تجعلهم قادرين على مواجهة تحديات العصر الحديث. لكن، مع تطور هذه المفاهيم، بدأت تظهر أنواع مختلفة للإدارة، بما في ذلك مفهوم “عمومية الإدارة”، الذي يرتكز على دور الإدارة في الشؤون العامة ويمتد إلى مدى أوسع من مجرد إدارة المنظمات أو الشركات الخاصة.

1. تعريف عمومية الإدارة

عمومية الإدارة هي ذلك النوع من الإدارة الذي يركز على تطبيق الأساليب الإدارية في القطاعات العامة بما فيها الحكومات والمؤسسات غير الربحية والمنظمات التي تهدف إلى تقديم خدمات للمجتمع بأسره. يشمل هذا المفهوم جميع العمليات والأنشطة التي تقوم بها المؤسسات الحكومية لتحقيق الأهداف العامة التي تساهم في رفاهية المواطن. ومن خلال هذه الفكرة، يتم دمج الإدارة في المشهد العام للمجتمع وليس فقط ضمن المؤسسات الخاصة أو الاقتصادية.

كما أن عمومية الإدارة تركز على تحقيق النفع العام، وهي تندرج ضمن مجالات مثل الشؤون السياسية والاجتماعية، حيث يتم اتخاذ القرارات من خلال آليات متعددة، مثل الهيئات الحكومية والتشريعية، مع التركيز على تعزيز شفافية الأداء والمساءلة.

2. الفرق بين الإدارة الخاصة والإدارة العامة

قد يتساءل البعض عن الفرق بين الإدارة الخاصة و الإدارة العامة. في حين أن الإدارة الخاصة تتعامل مع العمليات التي تهدف إلى تحقيق الربح وتنظيم الأنشطة داخل المؤسسات التجارية أو الصناعية، فإن عمومية الإدارة تتجاوز هذا الإطار لتتضمن تنظيم وإدارة المؤسسات الحكومية التي تهدف إلى تقديم الخدمات للمواطنين، مثل التعليم والصحة والإسكان والأمن.

بالإضافة إلى ذلك، تكون الإدارة العامة مسؤولة عن استخدام الموارد العامة في تنظيم المجتمع، بما في ذلك قرارات الميزانية، السياسات العامة، التخطيط العمراني، والإستراتيجيات الوطنية. في المقابل، تكون الإدارة الخاصة محكومة بالقوانين التي تضعها الشركات الخاصة وتعمل على تحقيق مصالح مالكي هذه الشركات أو مستثمريها.

3. أهداف عمومية الإدارة

تتعدد أهداف عمومية الإدارة، حيث تسعى بشكل أساسي إلى تحقيق توازن في توزيع الموارد، تحسين جودة الخدمات العامة، وضمان العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع. ومن أبرز أهدافها:

• تحقيق العدالة والمساواة: عن طريق تطبيق السياسات التي تضمن توزيع عادل للموارد بين الأفراد في المجتمع، دون تمييز أو تفرقة.

• تحسين جودة الخدمات العامة: سواء كان ذلك في التعليم أو الصحة أو الأمن أو أي من الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين.

• الشفافية والمساءلة: تركز عمومية الإدارة على تنفيذ السياسات الحكومية بشفافية، وضمان قدرة المواطنين على مراقبة أداء الحكومة.

• تعزيز التنمية المستدامة: سواء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية، من خلال تبني استراتيجيات طويلة الأمد تساهم في تقدم المجتمع بشكل عام.

4. الأساليب والتقنيات في عمومية الإدارة

تستخدم عمومية الإدارة مجموعة من الأساليب والتقنيات التي تهدف إلى تحسين أداء المؤسسات العامة. من أبرز هذه الأساليب:

• التخطيط الاستراتيجي: تقوم المؤسسات الحكومية بوضع خطط استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتحسين نوعية حياة المواطنين.

• المؤشرات القياسية: تُستخدم لقياس مستوى الأداء داخل المؤسسات العامة وتقييم مدى فعالية الخدمات المقدمة.

• الرقابة والتقييم: تعد عملية الرقابة والتقييم جزءاً مهماً من عمومية الإدارة، إذ تضمن توجيه السياسات وتطبيق القوانين بالشكل الذي يحقق المنفعة العامة.

• إدارة الموارد البشرية: تشمل اختيار وتدريب الكوادر البشرية المناسبة للعمل داخل الأجهزة الحكومية لضمان الكفاءة في أداء مهامها.

5. أهمية عمومية الإدارة في التنمية المستدامة

تساهم عمومية الإدارة بشكل كبير في عملية التنمية المستدامة من خلال ضمان الشفافية في كيفية إدارة الموارد العامة وتوزيعها. ففي الحكومات التي تُطبق عمومية الإدارة بشكل صحيح، نجد أن استراتيجيات التنمية لا تقتصر على تقديم حلول آنية بل تُركز على وضع خطط طويلة الأمد تسهم في رفع مستويات المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

علاوة على ذلك، تتيح عمومية الإدارة فرصة أكبر للتعاون بين الحكومات والشركات الخاصة وكذلك بين الأفراد والمجتمع المدني، مما يعزز فرص الابتكار ويزيد من فعالية تطبيق السياسات العامة.

6. التحديات التي تواجه عمومية الإدارة

رغم أهمية عمومية الإدارة، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تواجهها:

• البيروقراطية: تعد البيروقراطية من أهم العوامل التي قد تؤدي إلى تباطؤ عملية اتخاذ القرارات داخل المؤسسات الحكومية، مما يؤثر سلبًا على فعالية الإدارة العامة.

• الفساد الإداري: يعد الفساد الإداري من أبرز المعوقات التي تؤثر على تحقيق أهداف عمومية الإدارة، ويُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية.

• تحديات التمويل: تواجه المؤسسات العامة صعوبة في تخصيص الموارد المالية بطريقة فعالة، مما قد يؤثر على قدرة الحكومة في تنفيذ المشاريع التنموية.

• الضغوط السياسية: يمكن أن تؤثر الضغوط السياسية على اتخاذ القرارات داخل الحكومة، مما يؤدي إلى تبني سياسات غير مستدامة أو غير فعالة.

7. مستقبل عمومية الإدارة

مع تقدم التكنولوجيا وتطور أساليب التواصل، أصبح من الممكن تحسين عمومية الإدارة بشكل كبير. إذ يُتوقع أن يتزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي و التحليل البياني لتحسين عملية صنع القرار وتقديم الخدمات العامة. كذلك، من المتوقع أن تلعب الشفافية الرقمية دوراً مهماً في تعزيز العلاقة بين الحكومة والمواطنين، مما يساعد في رفع مستوى الثقة بين الطرفين.

8. خاتمة

إن عمومية الإدارة هي مفهوم متطور يتجاوز حدود الإدارة التقليدية الخاصة بالشركات والمؤسسات التجارية، حيث تسعى لتحقيق النفع العام من خلال تطبيق الأساليب الحديثة والإبداعية في إدارة الشؤون العامة. ورغم التحديات التي تواجهها، تظل الإدارة العامة هي القوة المحركة لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. في المستقبل، سيكون التوجه نحو المزيد من الشفافية والابتكار الرقمي هو السبيل لتعزيز فعالية عمومية الإدارة وتقديم خدمات أفضل للمجتمع.