البحّة أو فقدان الصوت: الأسباب، التشخيص، والعلاج

مقدمة

البحّة أو فقدان الصوت هو عرض شائع يعاني منه كثير من الأشخاص في مراحل مختلفة من حياتهم، وهو عبارة عن تغير واضح في جودة الصوت أو فقدانه بشكل جزئي أو كلي. الصوت هو وسيلة أساسية للتواصل بين البشر، وعندما يحدث خلل في إنتاجه فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية، المهنية، والاجتماعية. لذا، فإن فهم البحّة وأسبابها المختلفة، وكيفية تشخيصها وعلاجها، أمر ضروري للحفاظ على صحة الجهاز الصوتي والوقاية من المضاعفات المحتملة.

مفهوم البحّة وفقدان الصوت

البحّة هي اضطراب في الصوت يتميز بتغير في نبرته الطبيعي، قد يصاحبه ضعف أو خشونة في الصوت، وقد يصل الأمر إلى فقدان الصوت كليًا في بعض الحالات. ينتج هذا الاضطراب عن خلل في الحبال الصوتية أو في المسارات العصبية المسؤولة عن التحكم في إنتاج الصوت، أو عن أسباب أخرى تؤثر على الأجزاء المسؤولة عن النطق.

يمكن تصنيف فقدان الصوت إلى نوعين رئيسيين:

1. فقدان صوت مؤقت: يحدث عادة بسبب التهاب أو إجهاد في الأحبال الصوتية، ويزول مع العلاج والراحة.

2. فقدان صوت دائم أو مزمن: قد ينتج عن أمراض أو إصابات مزمنة، أو مشاكل عضوية أو عصبية، ويتطلب تدخلاً طبيًا متخصصًا.

تشريح الحبال الصوتية وآلية إنتاج الصوت

الحبال الصوتية هي جزء من الحنجرة، وتقع في مقدمة العنق، وهي عبارة عن زوج من الطيات العضلية المغطاة بغشاء مخاطي رقيق. عندما يمر الهواء من الرئتين عبر الحنجرة، تهتز الحبال الصوتية محدثة صوتًا يتغير بحسب شد الحبال، طولها، وسرعة اهتزازها. تتحكم عضلات الحنجرة والأعصاب المرتبطة بها في هذه العملية الدقيقة.

أي اضطراب في شكل أو وظيفة الحبال الصوتية أو في الأعصاب التي تتحكم بها يؤدي إلى تغير في الصوت، سواء كان ضعفًا في قوته أو تغيرًا في نوعيته، وهو ما نطلق عليه البحّة أو فقدان الصوت.

الأسباب الشائعة للبحّة وفقدان الصوت

تتنوع أسباب البحّة وفقدان الصوت بين الأسباب المؤقتة والطويلة الأمد، وتشمل:

1. الالتهابات الحنجرية

الالتهاب الحاد أو المزمن للحنجرة هو السبب الأكثر شيوعًا لفقدان الصوت. يحدث غالبًا نتيجة عدوى فيروسية مثل نزلات البرد أو الإنفلونزا، أو عدوى بكتيرية. التهيج والالتهاب يجعل الحبال الصوتية متورمة وملتهبة، مما يعيق اهتزازها الطبيعي.

2. الإجهاد الصوتي

الإفراط في استخدام الصوت، كالصراخ، الغناء لفترات طويلة، أو التحدث بصوت عالي دون راحة، يؤدي إلى إجهاد الحبال الصوتية وحدوث تمزقات صغيرة أو تورمات. هذا النوع من فقدان الصوت شائع لدى المعلمين، المغنين، ومقدمي العروض.

3. التهابات مزمنة ومشاكل صحية أخرى

مثل التهاب الجيوب الأنفية المزمن، ارتجاع المريء الحمضي (GERD)، الحساسية، والتدخين المزمن. هذه العوامل تسبب تهيجًا مستمرًا للحنجرة وتؤدي إلى تغيرات في الحبال الصوتية.

4. أورام الحنجرة

وجود أورام حميدة أو خبيثة في الحنجرة يمكن أن يسبب تغيرًا في الصوت، خاصة إذا كانت هذه الأورام تؤثر على الحبال الصوتية أو تحجب مرور الهواء.

5. الاضطرابات العصبية

بعض الأمراض التي تؤثر على الأعصاب أو العضلات التي تتحكم في الحبال الصوتية، مثل الشلل النصفي للحنجرة، التصلب الجانبي الضموري، أو السكتات الدماغية، يمكن أن تؤدي إلى فقدان الصوت.

6. العوامل البيئية والكيميائية

التعرض المزمن للملوثات، الغبار، المواد الكيميائية، أو التدخين يمكن أن يسبب تهيج الحنجرة وتلف الحبال الصوتية بمرور الوقت.

7. أسباب أخرى

تشمل الإصابات المباشرة للحنجرة، التغيرات الهرمونية، بعض الأدوية التي تسبب جفاف الأغشية المخاطية، والحالات النفسية مثل التوتر والقلق التي تؤثر على التحكم الصوتي.

أعراض مصاحبة للبحّة

في معظم الحالات، يكون فقدان الصوت مصحوبًا بأعراض أخرى تدل على السبب الكامن، ومن أهم هذه الأعراض:

• ألم أو حساسية في الحلق

• صعوبة في البلع

• السعال المستمر

• وجود بحة صوت أو تغير في نبرة الصوت

• إحساس بجسم غريب أو انتفاخ في الحنجرة

• مشاكل في التنفس في الحالات الشديدة

تشخيص البحّة وفقدان الصوت

يبدأ التشخيص بجمع التاريخ المرضي الدقيق، يشمل مدة الأعراض، شدة فقدان الصوت، وجود أمراض أخرى، العادات مثل التدخين، والتعرض للمواد الضارة. بعدها يتم الفحص السريري المباشر للحنجرة باستخدام أدوات مثل المنظار الحنجري أو المنظار الألياف البصرية، التي تسمح للطبيب برؤية الحبال الصوتية بشكل مباشر وتقييم حركتها وحالتها.

في بعض الحالات قد يحتاج الطبيب إلى:

• تصوير بالأشعة أو الرنين المغناطيسي (MRI) لتقييم وجود أورام أو التهابات عميقة.

• تقييم وظائف الأعصاب في حالات الشك بوجود اضطرابات عصبية.

• تحاليل مخبرية للبحث عن العدوى أو الالتهابات.

العلاج

يعتمد علاج البحّة وفقدان الصوت على السبب الرئيسي ويشمل عادة مزيجًا من العلاجات الدوائية، العلاج الصوتي، وتغيير نمط الحياة.

1. الراحة الصوتية

هي حجر الأساس في علاج معظم حالات فقدان الصوت الناتجة عن الإجهاد أو الالتهاب. تشمل تجنب الكلام أو تقليله قدر الإمكان، عدم الصراخ أو الهمس، وشرب السوائل الدافئة.

2. الأدوية

• المضادات الحيوية: تستخدم عند وجود عدوى بكتيرية.

• المضادات الالتهابية: لتقليل تورم الحبال الصوتية.

• مضادات الحساسية: عند وجود تحسس يسبب تهيج الحنجرة.

• أدوية علاج الارتجاع المريئي: لتقليل تهيج الحنجرة الناتج عن الحمض المعدي.

• مرطبات الحلق: لتخفيف الجفاف والالتهاب.

3. العلاج الصوتي

يقوم به أخصائي تخاطب أو علاج صوتي لتعليم المريض تقنيات صحيحة لاستخدام الصوت، تقوية الحبال الصوتية، وتقليل الإجهاد الصوتي.

4. العلاج الجراحي

يُستخدم في الحالات التي يكون فيها ورم أو تشوهات في الحبال الصوتية أو الحنجرة، ويهدف إلى إزالة الورم أو تصحيح التشوه.

5. التدخل النفسي

في حالات فقدان الصوت النفسي (الاختلاجي)، يتم تقديم العلاج النفسي والعلاج السلوكي لتجاوز السبب النفسي وراء فقدان الصوت.

الوقاية من فقدان الصوت

الوقاية من البحّة وفقدان الصوت تعتمد على الحفاظ على صحة الحبال الصوتية والحنجرة، وتشمل:

• تجنب التدخين والابتعاد عن الملوثات الهوائية.

• شرب كميات كافية من الماء لترطيب الحلق.

• استخدام تقنيات صحيحة في الكلام والغناء.

• تجنب الصراخ والهمس المفرط.

• علاج الالتهابات التنفسية بسرعة.

• الابتعاد عن مسببات الحساسية.

• الحفاظ على درجة رطوبة مناسبة في الأماكن المغلقة.

تأثير فقدان الصوت على الحياة اليومية

فقدان الصوت أو البحّة يؤثر بشكل مباشر على قدرة الفرد على التواصل، خاصة لمن يعملون في مجالات تتطلب استخدام الصوت مثل المعلمين، المذيعين، والمغنين. قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب بسبب ضعف التواصل الاجتماعي والعزلة التي قد تنتج عن ذلك. لذلك فإن التشخيص المبكر والعلاج السريع لهما دور حاسم في تقليل هذه التأثيرات.

حالات فقدان الصوت المزمن وأهميتها الطبية

عندما يصبح فقدان الصوت مستمرًا لأكثر من ثلاثة أسابيع، يستوجب الأمر فحصًا دقيقًا للبحث عن أسباب أكثر تعقيدًا مثل الأورام أو أمراض الأعصاب. فقدان الصوت المزمن قد يكون مؤشرًا على مشاكل صحية خطيرة تحتاج إلى تدخل طبي عاجل. في هذه الحالات، العلاج قد يشمل إجراءات جراحية أو علاج إشعاعي في حالات الأورام.

جدول يوضح أهم أسباب البحّة وفقدان الصوت وطرق العلاج

خلاصة

البحّة أو فقدان الصوت حالة شائعة يمكن أن تكون مؤقتة أو مزمنة، وتنتج عن مجموعة متنوعة من الأسباب التي تؤثر على الحبال الصوتية والحنجرة. التشخيص المبكر والمعالجة المناسبة ضروريان لتجنب المضاعفات وتحسين جودة الحياة. الاهتمام بالصحة الصوتية والالتزام بإرشادات الوقاية يقلل من احتمالية الإصابة ويعزز الأداء الصوتي بشكل عام.

المصادر

• Mayo Clinic. Hoarseness: Causes and Treatments. https://www.mayoclinic.org

• American Academy of Otolaryngology–Head and Neck Surgery. Hoarseness. https://www.entnet.org