علامات البرود العاطفي بين الزوجين

9 علامات للبرود العاطفي بين الزوجين

يُعدّ الزواج علاقة إنسانية معقدة تتداخل فيها مشاعر الحب، الدعم، الأمان، والاحتواء، ويقوم على أسس متينة من التواصل العاطفي والوجداني. لكن مع مرور الوقت، قد تطرأ تغيرات على هذه العلاقة تؤدي إلى ما يُعرف بـ”البرود العاطفي”، وهو أحد أكثر التهديدات خطورة على الحياة الزوجية واستقرارها. البرود العاطفي لا يظهر فجأة، بل يتسلل تدريجياً إلى العلاقة، ويخلق فجوة بين الشريكين تنمو بمرور الزمن، مهددةً استمرارية الزواج إن لم تتم معالجتها في مراحلها المبكرة.

يتجلى البرود العاطفي في عدة علامات واضحة تشير إلى تدهور في التواصل العاطفي والوجداني بين الزوجين. وفي هذا المقال المطول، سيتم التطرق إلى أبرز تسع علامات للبرود العاطفي بين الزوجين، مع تحليل معمّق لكل منها، وشرح آثارها على المدى القصير والبعيد.

1. غياب الحوار العاطفي والوجداني

من أولى العلامات التي تدل على وجود برود عاطفي بين الزوجين هو اختفاء الحوارات الوجدانية، وتحوّل الأحاديث اليومية إلى نقاشات روتينية محصورة في متطلبات الحياة، كالتسوق، الأطفال، والمصاريف الشهرية. في العلاقات السليمة، تتبادل الأزواج مشاعرهم، مخاوفهم، آمالهم وحتى تفاصيل يومهم البسيطة. أما في حالة البرود العاطفي، يصبح الصمت هو سيد الموقف، ويُستبدل الحوار الإنساني بلغة جافة، أو تنعدم الرغبة في الحديث تماماً.

يشير غياب الحوار العاطفي إلى خلل في أحد أهم أعمدة العلاقة الزوجية، وهو التفاهم القائم على المشاركة الوجدانية. وبتراكم هذا الغياب، يشعر أحد الطرفين أو كلاهما بالعزلة، وقد يؤدي إلى انسحاب داخلي من العلاقة رغم استمرار الحياة الزوجية شكلياً.

2. فقدان الشغف والرغبة في القرب

الشغف هو الوقود العاطفي الذي يُبقي العلاقة مشتعلة بالحياة. وعندما يفقد الزوجان الرغبة في الاقتراب من بعضهما جسدياً أو عاطفياً، فهذا مؤشر خطير على برود المشاعر. تنخفض معدلات الاحتضان، والتقبيل، وحتى اللقاءات الحميمية. وفي بعض الأحيان، يصبح القرب الجسدي مجرد واجب يتم تأديته دون رغبة حقيقية أو انفعال وجداني.

فقدان الشغف لا يتعلق فقط بالعلاقة الجنسية، بل يشمل أيضًا تلك اللحظات الحميمة التي تجمع الزوجين، مثل تبادل النظرات، الجلوس معاً دون هدف سوى الاستمتاع بالوقت، أو حتى مشاركة فنجان قهوة صباحي. اختفاء هذه التفاصيل الصغيرة ينزع عن العلاقة طابعها الإنساني والعاطفي، ويدفعها نحو الجفاف.

3. غياب الاهتمام والمبادرات العاطفية

الاهتمام هو أحد أشكال التعبير عن الحب والرعاية، وهو يتجلى في المبادرات اليومية التي تهدف لإسعاد الطرف الآخر أو تخفيف متاعبه. عندما يصبح أحد الزوجين غير مبالٍ بمشاعر الآخر أو معاناته، فذلك مؤشر مباشر على تدهور التواصل العاطفي.

الزوج أو الزوجة في حالة البرود العاطفي قد يتوقفان عن السؤال عن حال بعضهما البعض، أو عن كيفية مرور يوم الآخر، أو حتى عن صحته الجسدية والنفسية. يتوقفان عن تقديم المفاجآت الصغيرة، أو تذكّر المناسبات الخاصة. بل وقد يشعر أحد الطرفين أن وجوده أو غيابه سيّان بالنسبة للآخر.

4. كثرة الانتقاد وانعدام التقدير

الانتقاد المتكرر، والتقليل من الشريك، وانعدام التقدير لما يقوم به من مجهودات، من أبرز مؤشرات العلاقة التي فقدت دفئها العاطفي. ففي العلاقات الصحية، يكون هناك توازن بين النقد البنّاء والتقدير المستمر. أما في حالة البرود العاطفي، فيُصبح النقد هو اللغة السائدة، ويُنسى الامتنان والتعبير عن الإعجاب أو الامتنان.

يؤدي هذا المناخ السلبي إلى نشوء مشاعر الإحباط والاستياء، خصوصاً إذا كان أحد الزوجين يبذل جهداً في سبيل العلاقة، ولا يُقابل بأي تقدير أو اهتمام. هذا الشعور بالإجحاف يفاقم الهوة العاطفية، ويعزز الانفصال النفسي بين الطرفين.

5. التباعد الزمني والمكاني داخل المنزل

من العلامات الملموسة على البرود العاطفي، ميل أحد الزوجين أو كليهما لقضاء أوقات طويلة بعيداً عن الآخر، سواءً مكانياً أو زمنياً. قد يفضل أحدهم النوم في غرفة منفصلة، أو يمضي أغلب الوقت خارج المنزل، أو ينغمس في الهاتف والتلفاز هرباً من التواصل مع الشريك.

هذا التباعد لا يعني فقط البُعد الجسدي، بل يشير كذلك إلى الرغبة في تجنب أي تفاعل وجداني. يُصبح التواجد في نفس المكان غير مريح، وقد يُشعر أحد الطرفين بثقل وجود الآخر، بدلاً من الأمان والراحة النفسية.

6. برود ردود الفعل تجاه الأزمات والمواقف

في العلاقات الدافئة، يُظهر الشريك تعاطفاً واهتماماً عند مرور الطرف الآخر بأزمة أو موقف صعب، سواء كان مرضاً أو ضغطاً نفسياً أو تحديات مهنية. أما في حالات البرود العاطفي، فيظهر الطرف الآخر وكأنه غير معني بما يحدث، وتأتي ردود فعله باردة، وقد تصل إلى حد اللامبالاة التامة.

يتحول الدعم النفسي من حق طبيعي في العلاقة إلى رفاهية مفقودة، فيشعر أحد الشريكين وكأنه يواجه الحياة بمفرده، ما يخلق شعوراً عميقاً بالوحدة رغم وجود الشريك في الحياة اليومية.

7. انعدام الغيرة الإيجابية والاهتمام بالمظهر للطرف الآخر

الغيرة الإيجابية المعتدلة والاهتمام برأي الطرف الآخر في المظهر من مؤشرات الحب والرغبة في القبول. وفي حالة البرود العاطفي، يختفي هذا الاهتمام تدريجياً. لا يهم إن كان الشريك قد غيّر مظهره، أو ارتدى لباساً جديداً، أو حتى فقد شغفه بالاهتمام بنفسه؛ لأن الطرف الآخر لم يعد يُبدي أي رد فعل.

تُعد هذه الظاهرة دليلاً على أن الشريك لم يعد يُعير الطرف الآخر أهمية وجدانية، ولم يعد يُشكل له مصدر اهتمام أو انبهار، ما يخلق نوعاً من الانطفاء الداخلي ويؤثر على تقدير الذات.

8. الإفراط في الانشغال بالأبناء أو العمل على حساب العلاقة

في كثير من الأحيان، يلجأ أحد الزوجين إلى إغراق نفسه في مسؤوليات الأبناء أو العمل كمحاولة غير مباشرة للهروب من العلاقة الزوجية التي فقدت دفئها. هذا السلوك يُخفي وراءه حالة من التجنّب العاطفي، إذ يُفضل الفرد التركيز على مهام أخرى تُبعده عن مواجهة مشاعر الإحباط أو البرود.

ورغم أن العمل وتربية الأبناء مسؤوليات لا يمكن الاستغناء عنها، فإن الإفراط فيهما على حساب الشريك يؤدي إلى تعميق فجوة المشاعر، ويُفقد العلاقة توازنها، مما يهدد استقرارها على المدى الطويل.

9. الشعور بعدم الأمان العاطفي وغياب الطمأنينة

الزوجان في العلاقة السليمة يشعران بالأمان والقبول غير المشروط. أما في العلاقة التي يسودها البرود، فيُصبح أحد الطرفين أو كلاهما في حالة دائمة من القلق، الشك، والخوف من الهجر أو الرفض. يتراجع الإحساس بالطمأنينة إلى الحد الأدنى، وتُصبح العلاقة غير مستقرة عاطفياً، حتى وإن استمرت شكلياً.

الشعور بعدم الأمان العاطفي قد يتجلى في كثرة المقارنات، أو البحث عن التقدير خارج العلاقة، أو التفكير في الانفصال كحل محتمل لتخفيف المعاناة النفسية، ما يُظهر أن البرود العاطفي تجاوز المرحلة السطحية ووصل إلى عمق الهوية الزوجية ذاتها.

جدول: الفرق بين العلاقة العاطفية الصحية والبرود العاطفي

إنّ البرود العاطفي ليس نهاية محتومة لأي علاقة، لكنه يُعد جرس إنذار يتطلب وعياً من الطرفين وحرصاً مشتركاً على إعادة إحياء جذوة الحب. يتطلب الأمر جهداً مستمراً، وحضوراً عاطفياً، واستعداداً لبذل ما يلزم لإعادة بناء الجسور الوجدانية التي تهدمت بفعل الإهمال أو ضغوط الحياة.

المراجع:

1. Gottman, J. (2015). The Seven Principles for Making Marriage Work. Harmony Books.

2. Sue Johnson. (2008). Hold Me Tight: Seven Conversations for a Lifetime of Love. Little, Brown Spark.