علاقة الحماة والكنة.. كيف تكون بعيدة عن التوتر الدائم؟

تُعد علاقة الحماة بالكنة من أكثر العلاقات الاجتماعية تعقيداً وحساسية، وقد باتت محورًا شائعًا في النقاشات الأسرية والبرامج الاجتماعية وحتى في الإنتاجات الفنية، حيث تحظى هذه العلاقة بتركيز خاص لما تحمله من تأثيرات مباشرة على استقرار الأسرة الجديدة وعلى السلام الداخلي للبيت الممتد. لا يُمكن اختزال هذه العلاقة في صراع تقليدي كما تُصوره بعض الروايات الشعبية أو النكات المتداولة، بل هي تفاعل إنساني مركب يستدعي فهماً دقيقاً للسياقات النفسية، الاجتماعية، والثقافية التي تؤطره. ولكي تبقى هذه العلاقة بعيدة عن التوتر الدائم، فإن الأمر يتطلب فهماً عميقاً للأدوار، واحترامًا للحدود، وذكاءً عاطفيًا في التعامل.

الإطار النفسي لعلاقة الحماة بالكنة

في كثير من الأحيان، يبدأ التوتر بين الحماة والكنة منذ الأيام الأولى للزواج أو حتى قبله، ويتجذر في تصورات مسبقة وتوقعات غير واقعية. قد تشعر الحماة بأنها تفقد ابنها الذي اعتادت أن تكون المرجع الرئيسي له، بينما تنظر الكنة إلى الحماة كتهديد لاستقلالها وحريتها في بناء بيتها بالطريقة التي تراها مناسبة. هذا الصراع غير المعلن غالبًا ما يتحول إلى منافسة خفية تتجسد في تفاصيل الحياة اليومية، ويغذيها غياب التواصل الفعال.

من الناحية النفسية، تعكس هذه العلاقة في بعض الأحيان أزمة هوية لكلا الطرفين. الحماة، بعد سنوات من التضحيات وتربية الأبناء، قد ترى في دخول الكنة إلى حياة ابنها نوعًا من الإزاحة أو التهميش غير المعلن. أما الكنة، فإنها تخوض تجربة جديدة مليئة بالتحديات، وتُطلب منها تلبية توقعات الزوج، والتأقلم مع عائلته، وفي الوقت ذاته بناء حياة زوجية مستقلة ومُرضية.

البعد الثقافي والتقاليد الاجتماعية

تلعب التقاليد الاجتماعية دوراً مهماً في تأزيم العلاقة بين الحماة والكنة أو تهدئتها. ففي المجتمعات التقليدية حيث تسود العائلة الممتدة، تُفرض على الكنة أدوار تتجاوز زوجة الابن إلى خادمة في كثير من الحالات، خاصة عندما تكون الحماة مهيمنة في شخصية العائلة. وفي بعض الثقافات، يُنظر إلى تدخل الحماة في شؤون الزوجين على أنه أمر طبيعي وواجب عائلي، بينما تراه الكنة تغوّلاً على خصوصياتها.

الموروث الثقافي قد يُحمّل الكنة عبئًا كبيرًا من المسؤوليات والواجبات دون أن يُتيح لها المساحة الكافية لبناء علاقة إنسانية ناضجة مع الحماة. أما في المجتمعات التي بدأت تتبنى نمط الحياة الفردي، فإن الصراع يتحول إلى صراع خفي على النفوذ والسلطة، ويكون أكثر هدوءًا من حيث المظهر، لكنه لا يقلّ عنفًا من حيث الأثر النفسي.

التحديات الأسرية وآثارها على الأسرة الممتدة

إن استمرار التوتر بين الحماة والكنة يُعد عاملاً مهددًا للاستقرار الأسري. فكثير من الأزواج يجدون أنفسهم عالقين في صراع ولاءات، بين واجبهم تجاه والدتهم، والتزامهم ببناء حياة متوازنة مع زوجتهم. وقد يؤدي غياب الحيادية في التعامل مع هذا الصراع إلى تفكك العلاقات، أو إلى نشوء نمط زواج هش ومليء بالتوترات.

الجدير بالذكر أن الأطفال أيضاً يتأثرون سلباً بعلاقة متوترة بين جدتهم ووالدتهم. فالصراعات المستمرة، حتى وإن لم تكن علنية، تُزرع في الأجواء الأسرية وتنغرس في وجدان الطفل، مما يخلق لديه حالة من التوتر الداخلي وغياب الأمان الأسري. لذلك، فإن إصلاح هذه العلاقة لا يخدم فقط الطرفين المباشرين، بل يمتد أثره الإيجابي إلى كافة أفراد العائلة.

مقومات العلاقة الصحية بين الحماة والكنة

إن تأسيس علاقة صحية بين الحماة والكنة لا يعتمد على المصادفة أو الحظ، بل هو نتاج وعي، وتربية، وتواصل مستمر. ومن أبرز مقومات هذه العلاقة ما يلي:

1. احترام الحدود

من أهم ركائز العلاقة المتوازنة هو فهم كل طرف لحدوده وعدم التعدي على المساحات الشخصية للطرف الآخر. على الحماة أن تعي أن لابنها حياة خاصة يجب أن تُحترم، وأن الكنة ليست امتدادًا لها، بل إنسانة لها قيمها وتصوراتها المختلفة. كما يجب على الكنة أن تحترم علاقة الزوج بوالدته، وأن تُبقي لها مكانتها، دون أن تشعر أنها مهددة أو منافسة.

2. التواصل الفعّال وغير المؤذي

الصمت أو التجاهل لا يحل المشكلات، بل يراكمها ويزيدها تعقيدًا. التواصل الواضح، الصادق، والمحترم هو الأساس في تبديد الشكوك وتفكيك الصور النمطية. يجب تجنب العبارات الجارحة أو النقد غير البنّاء، واللجوء بدلاً من ذلك إلى التفاهم والحديث في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب.

3. الذكاء العاطفي

القدرة على فهم المشاعر الذاتية ومشاعر الآخرين، والتصرف بطريقة متزنة، هي مهارة جوهرية في التعامل بين الحماة والكنة. الذكاء العاطفي يسمح للطرفين بتجاوز الانفعالات اللحظية، وتقييم الأمور من منظور أوسع وأكثر نضجًا.

4. إعطاء الوقت لبناء الثقة

الثقة لا تُبنى بين ليلة وضحاها. الأمر يتطلب وقتًا وتكرارًا للمواقف الإيجابية التي تؤكد للطرف الآخر حسن النية والرغبة الحقيقية في علاقة جيدة. كل مبادرة طيبة، كل تصرف حكيم، وكل تنازل صغير يفتح بابًا جديدًا للثقة ويُعيد تشكيل الصورة الذهنية المسبقة.

دور الزوج كحلقة وصل

يلعب الزوج دورًا جوهريًا في التوفيق بين والدته وزوجته. فبقدر ما يكون عادلًا ومتزنًا في موقفه، بقدر ما يُسهم في تهدئة الأجواء وخلق بيئة عائلية داعمة. يجب أن يتحلى بالوضوح في تحديد أولويات العلاقة الزوجية، دون أن يُشعر والدته بأنها مهملة أو مُتجاهلة. وفي الوقت نفسه، لا ينبغي له أن يتواطأ مع الحماة ضد زوجته أو يتغاضى عن سلوكيات مسيئة.

على الزوج أن يشجع على المناسبات التي تُقرب الطرفين، ويُجنب التوترات اليومية من أن تتحول إلى صراعات وجودية. فالتصرف الحكيم في اللحظات المفصلية يساهم كثيرًا في رسم معالم العلاقة المستقبلية.

الجدول التالي يلخّص أبرز العوامل التي تؤدي إلى التوتر، مقابل الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتفاديه:

النضج الأسري كعامل أساسي

النضج العاطفي والتربوي للأسرة هو المحدد الحقيقي لنوعية العلاقة بين الحماة والكنة. ففي البيئات التي تعزز ثقافة الاحترام والحوار والحدود، تُبنى العلاقات العائلية بشكل صحي ومستقر. بينما في البيئات التي تُكرّس ثقافة السيطرة والتدخل والانتقاد، فإن العلاقات تنشأ على أساس هش ومليء بالتوتر.

بناء علاقة سوية لا يُعتبر ترفًا، بل هو جزء من مسؤولية كل فرد في العائلة تجاه الاستقرار النفسي والاجتماعي لأسرته. وقد تُسهم المبادرات الفردية، مهما كانت صغيرة، في خلق نمط جديد من العلاقات الأسرية أكثر اتزانًا وإنسانية.

أهمية دعم المحيط العائلي والمجتمعي

يلعب المحيط العائلي والمجتمعي دورًا مؤثرًا في تطور هذه العلاقة، سواء في التهدئة أو في التأزيم. فإذا كان الوسط العائلي مشجعًا على الاحترام والتسامح، فإن الكنة تجد دعمًا نفسيًا يخفف من ضغوط التكيف، كما تشعر الحماة بالاحتواء والاعتراف بدورها السابق. أما إذا كان الوسط يميل إلى التحريض أو المقارنة، فإن التوتر يتحول إلى صراع متصاعد لا يُمكن ضبطه بسهولة.

حتى في المجتمعات الحديثة، التي يظن البعض أن هذه العلاقة أصبحت أقل حساسية فيها، لا تزال القيم القديمة والضغوط الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في تحديد طبيعة العلاقة. ولهذا فإن كل فرد، سواء كان شقيقًا أو شقيقة للزوج، أو فردًا من المحيط القريب، عليه مسؤولية في تبني خطاب إيجابي وبنّاء يحترم الطرفين ويدفعهما للتفاهم.

المصادر

• Bowen, M. (1978). Family Therapy in Clinical Practice. New York: Jason Aronson.

• Minuchin, S. (1974). Families and Family Therapy. Harvard University Press.