تعريف سورة يوسف:
سورة يوسف هي السورة الثانية عشرة في القرآن الكريم، وهي السورة الوحيدة التي تتناول قصة كاملة من حياة نبي واحد، وهي قصة النبي يوسف بن يعقوب عليهما السلام. تمتاز السورة بجمال أسلوبها وروعة سردها للأحداث، وقد تضمن القرآن الكريم في هذه السورة أعمق معاني الصبر، والتوكل على الله، والوفاء بالعهد، وحسن التدبير، إضافة إلى العديد من الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من حياة النبي يوسف.
موضوع السورة:
تدور سورة يوسف حول قصة يوسف عليه السلام، وهي إحدى أروع القصص في القرآن الكريم، وتحمل العديد من الدروس الإنسانية التي تتراوح بين الصبر على الأذى، والوفاء بالوعد، والنزاهة، وحسن التوكل على الله. تبدأ السورة برؤية يوسف التي كانت بمثابة البشارة له بمستقبل مشرق، وتنتهي بمراحل محنة عظيمة مر بها يوسف وأسرته من ظلم إخوته له، مرورًا بأيامه في السجن، وصولاً إلى حكمه في مصر، ولقائه بأبيه وأخوته بعد مرور العديد من السنين.
محاور السورة:
-
رؤية يوسف:
تبدأ السورة برؤية يوسف عليه السلام التي رآها في منامه، حيث شاهد أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر ساجدين له. كان هذا المنام إشارة إلى أن يوسف سيبلغ منزلة عظيمة في المستقبل، حيث سيكون له دور كبير في إنقاذ أسرته، خصوصًا والده يعقوب. -
الظلم الذي تعرض له يوسف:
تروي السورة كيف أن إخوة يوسف حسدوه بسبب محبة والده الكبيرة له. فقد خططوا للتخلص منه بإلقائه في البئر، ثم باعوه إلى قافلة تجارية، فانتقل يوسف إلى مصر، حيث عمل في بيت العزيز. -
فتنة امرأة العزيز:
من أهم الأحداث التي تذكرها السورة هي حادثة امرأة العزيز، حيث حاولت الإغواء بيوسف عليه السلام، لكنه أصر على الامتناع عن فعل السوء ورفض إغراءاتها. هذه القصة تمثل درسًا عظيمًا في الثبات على المبادئ، والابتعاد عن الفتن. -
السجن:
رغم براءته، فقد اتُهم يوسف عليه السلام ظلمًا من قبل امرأة العزيز، فدخل السجن لفترة طويلة. وفي السجن، جرت أحداث أخرى مثل تفسيره لرؤيا السجينين، والتي كانت بداية لتغييرات كبيرة في حياته. -
التفسير والتدبير في مصر:
بعد فترة، وجد يوسف نفسه في وضع أفضل بكثير، عندما تم استدعاؤه لتفسير رؤية ملك مصر، والتي كان لها علاقة بمجاعة كبرى ستصيب البلاد. كان تفسير يوسف أن المجاعة ستستمر سبع سنوات، ثم سيأتي بعدها سبع سنوات خصب. استُحسن تفسيره فتم تعيينه وزيرًا للخزائن في مصر، وهو المنصب الذي منح له القدرة على تدبير الأزمة. -
لقاء يوسف بأسرته:
بعد مرور سنوات من المجاعة، أتى إخوة يوسف إلى مصر لشراء الطعام، وهناك التقى بهم يوسف دون أن يعرفوه. تمكّن يوسف من إظهار شخصيته القيادية وحكمته عندما عرض عليهم أن يعيد إليهم أخاهم بنيامين. وبعد أن اتضحت الحقيقة لهم، كشف يوسف عن هويته لهم، فكانت تلك اللحظة المليئة بالعاطفة والمغفرة. -
اللمسة الإنسانية والتصالح:
بالرغم من ظلم إخوة يوسف له في الماضي، فإنه اختار التسامح معهم، وأعطاهم دروسًا في مغفرة الذنوب، وصبر على الأذى. وتحقق في النهاية وعد الله له في المنام عندما رآى إخوة يوسف وأبويه ساجدين له.
الدروس والعبر المستفادة من السورة:
-
الصبر على المحن:
واحدة من أبرز الرسائل التي تحملها سورة يوسف هي أهمية الصبر في مواجهة المحن، سواء كانت من ظلم الأهل أو من فتن الحياة. فصبر يوسف في جميع المواقف التي تعرض لها، من تفرقة إخوته له، إلى البئر، ثم السجن، كانت دروسًا عظيمة في الثبات على المبدأ. -
التوكل على الله:
يظهر في السورة كيف أن يوسف عليه السلام كان دائم التوكل على الله في جميع أموره. عندما دخل السجن، لم ييأس، بل بقي يذكر الله، وعندما أصبح وزيرًا، كان يحسن إدارة الشأن بناءً على تدبير حكيم مستمد من عقيدته الراسخة بالله. -
الوفاء بالعهد:
في لحظة المواجهة مع إخوته، أظهر يوسف حسن النية والوفاء بوعده، حيث لم يكن ينتقم منهم بل على العكس، عفا عنهم وأعطاهم من العزّة والرحمة. -
العدالة في الحكم:
يوسف عليه السلام تميز بالعدالة عند تسيير أمور البلاد، خاصة في تدبير الموارد في فترات المجاعة. سعى لأن تكون مصلحة العامة في مقدمة أولوياته، دون أن يتأثر بمصالح شخصية. -
الثبات على المبادئ:
رغم الظروف الصعبة التي مر بها يوسف، إلا أنه لم يتنازل عن مبادئه. قصة فتنة امرأة العزيز تبرز تمسكه بالعفة والطهارة، مما يعكس الثبات على القيم الأخلاقية رغم الإغراءات والضغوط.
الخصائص البلاغية لسورة يوسف:
تتميز سورة يوسف بأسلوب سردي غاية في الجمال. حيث تدمج السورة بين السرد القصصي، والموعظة الأخلاقية، والتوجيهات الإيمانية. وقد استخدم القرآن الكريم أسلوب التكرار في السورة بشكل مميز، حيث تم تكرار بعض الأحداث المهمة عدة مرات، وهذا يعكس أهميتها في السياق العام للسورة. كما أن السورة تزخر بالتصوير البلاغي الرائع، بدءًا من تصوير الحالة النفسية ليوسف في بئرها، مرورًا بتوصيف مشهد تلاقيه مع إخوته، وصولًا إلى تصوير المشاعر المتناقضة التي مر بها يوسف من الحزن والألم، إلى الفرح والتسامح.
مغزى السورة في حياة المسلمين:
تعد سورة يوسف من السور التي تقدم للمسلم الكثير من العبر التي تنطبق على حياته اليومية. فعلى الرغم من صغر السورة من حيث عدد آياتها، إلا أنها تضم في طياتها من العبر ما يمكن للمؤمن أن يتخذها منهجًا عمليًا في حياته. من خلال الصبر على البلاء، والتوكل على الله في كل الأوقات، والابتعاد عن الفتن، نجد في السورة خريطة حياتية يمكن أن يسترشد بها المسلم في كل جوانب حياته.
الخاتمة:
سورة يوسف تعتبر من أروع السور القرآنية التي تقدم قصة نبي الله يوسف بكل ما فيها من عبر ودروس. تعرض السورة في طياتها العديد من القيم الإنسانية التي تصلح لكل زمان ومكان، وتكون مصدرًا للمسلمين في مختلف المجالات الحياتية، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني. تُظهر السورة كيف أن التوكل على الله في كل الأوقات، والصبر على الابتلاءات، يؤدي في النهاية إلى الفرج والنجاح.
