علاج عصبية الأطفال

عصبية الأطفال: الأعراض والعلاج الشامل

تُعد العصبية من السلوكيات الشائعة في مرحلة الطفولة، وهي ظاهرة تتفاوت في شدتها ومظاهرها بين طفل وآخر. وعلى الرغم من أن الانفعالات المؤقتة تعتبر جزءًا طبيعيًا من التطور النفسي للطفل، إلا أن العصبية المفرطة قد تتحول إلى مشكلة سلوكية تتطلب التدخل. وتتفاقم هذه المشكلة إذا ما قُوبلت بردود فعل خاطئة من الأهل أو بيئة غير متزنة نفسياً، مما قد يؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد على الصحة النفسية للطفل وتطوره الاجتماعي والمعرفي.

أولًا: مفهوم العصبية عند الأطفال

العصبية عند الأطفال لا تعني فقط الغضب أو الصراخ، بل تشمل مجموعة من الأنماط السلوكية والانفعالية التي تظهر كرد فعل على مواقف يراها الطفل مهددة أو محبطة. وقد تكون العصبية نتيجة تراكم مشاعر الغضب، الخوف، التوتر، أو الإحباط، والتي يعجز الطفل عن التعبير عنها لفظيًا.

العصبية لا تُعد اضطرابًا في حد ذاتها، بل هي عرض قد يشير إلى وجود اضطرابات نفسية أو بيئية أو تربوية. ومن الضروري التمييز بين السلوك العصبي الطبيعي المرتبط بمراحل النمو، وبين السلوك العصبي المرضي الذي يحتاج إلى تدخل متخصص.

ثانيًا: الأعراض الرئيسية للعصبية عند الأطفال

تتعدد المظاهر التي تشير إلى أن الطفل يعاني من عصبية زائدة، وتختلف باختلاف العمر والجنس والبيئة. من أبرز الأعراض ما يلي:

1. نوبات الغضب المتكررة

تُعد من أبرز سمات العصبية، حيث يعبر الطفل عن انفعاله بالصراخ، البكاء، رمي الأشياء، أو حتى إيذاء الذات أو الآخرين.

2. العناد الشديد

يرفض الطفل الاستجابة لتوجيهات الوالدين أو المعلمين، ويصر على مواقفه بشكل غير منطقي، وقد يرفض التعاون أو تنفيذ الأوامر حتى في المواقف البسيطة.

3. العدوانية

قد يلجأ الطفل إلى الضرب أو الدفع أو الشتائم كرد فعل على التوتر أو الاستفزاز، دون القدرة على ضبط النفس أو فهم العواقب.

4. التذمر المستمر

يشكو الطفل من كل شيء حوله، ويظهر استياء دائم من محيطه، دون وجود مبرر واضح في كثير من الأحيان.

5. صعوبات في النوم

من أبرز المؤشرات الدالة على وجود اضطراب داخلي هو الأرق أو الكوابيس المتكررة أو الاستيقاظ المفاجئ، وقد يرتبط هذا بالقلق أو المشكلات النفسية غير المعالجة.

6. الانطواء أو رفض اللعب

في بعض الأحيان، تظهر العصبية على شكل انسحاب اجتماعي، حيث يرفض الطفل التفاعل أو اللعب مع أقرانه بسبب شعوره بالإحباط أو عدم الأمان.

ثالثًا: الأسباب المؤدية لعصبية الأطفال

1. أسباب نفسية

• القلق أو التوتر المستمر، سواء بسبب مشكلات عائلية أو مخاوف مدرسية.

• الاكتئاب الطفولي، الذي قد يظهر في صورة غضب بدلًا من الحزن.

• ضعف مهارات التواصل أو التأخر اللغوي، مما يؤدي إلى العجز عن التعبير عن المشاعر.

2. أسباب تربوية

• التربية القاسية أو العنيفة التي تُشعر الطفل بالإهانة وتُفقده الشعور بالأمان.

• الإفراط في التدليل، مما يجعل الطفل غير قادر على تحمل الإحباط.

• التناقض في المعاملة من قبل الوالدين، كأن يُكافأ الطفل أحيانًا على نفس السلوك الذي يُعاقب عليه في وقت آخر.

3. أسباب بيئية

• البيئة غير المستقرة كالنزاعات العائلية أو الانتقال المتكرر من مكان لآخر.

• مشاهدة المحتوى العنيف على الشاشات أو الألعاب الإلكترونية.

4. أسباب عضوية

• اضطرابات النوم أو فرط النشاط.

• نقص بعض العناصر الغذائية، مثل الحديد والمغنيسيوم.

• مشكلات صحية مزمنة كالحساسية أو الألم المستمر، الذي قد لا يُفصح عنه الطفل مباشرة.

رابعًا: التشخيص والتقييم السلوكي

يجب ألا يُتخذ قرار علاج عصبية الطفل دون فهم شامل للسبب الجذري. لذلك، من الضروري أن يتم التشخيص من قبل مختصين في الصحة النفسية للأطفال أو أطباء الأطفال، ويشمل التشخيص عادة:

• تقييم الحالة الصحية العامة.

• تحليل نمط النوم والغذاء.

• دراسة السجل التربوي والعائلي.

• استخدام مقاييس نفسية معيارية لسلوكيات الطفل.

خامسًا: استراتيجيات علاج عصبية الأطفال

يعتمد العلاج على مزيج من الأساليب النفسية والسلوكية والاجتماعية. ويمكن تقسيم هذه الاستراتيجيات إلى:

1. الاحتواء العاطفي

يُعتبر الاحتواء أول وأهم خطوة، ويتضمن أن يشعر الطفل بأنه مقبول ومحبوب بغض النظر عن سلوكه، مع منحه مساحة للتعبير عن مشاعره دون خوف أو تهديد.

2. تعزيز مهارات التعبير والانضباط الذاتي

• تدريب الطفل على التعبير عن انفعالاته بالكلام بدلًا من السلوك العدواني.

• استخدام تقنيات التنفس العميق والعد التنازلي لتهدئة النفس.

• تدريبه على استخدام كلمات مثل: “أنا غاضب لأن…”، بدلاً من التصرف الفوري عند الانفعال.

3. ضبط السلوك باستخدام التعزيز الإيجابي

• مدح السلوك الهادئ والمتزن فور حدوثه.

• وضع نظام مكافآت بسيط لتحفيز الطفل على تحسين سلوكه.

• تجاهل السلوكيات الطفيفة التي يسعى من خلالها الطفل لجذب الانتباه السلبي.

4. تصحيح البيئة المحيطة

• تقليل مصادر التوتر مثل الأصوات المرتفعة أو الشاشات المفرطة.

• تنظيم الجدول اليومي للطفل بما يشمل النوم الكافي والأنشطة البدنية المنتظمة.

• إشراك الطفل في نشاطات إبداعية مثل الرسم أو التلوين أو الألعاب الجماعية.

5. التدخل الأسري

• توعية الوالدين بأساليب التربية الحديثة القائمة على التفهم والحدود الواضحة.

• تعليمهم كيفية التصرف بهدوء عند حدوث نوبة غضب.

• دعم العلاقة بين الأهل والطفل عبر جلسات تواصل نوعية منتظمة.

6. المساعدة النفسية المتخصصة

في الحالات الشديدة أو المزمنة، يُنصح باللجوء إلى اختصاصي نفسي أطفال. وقد يُستخدم العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لتعليم الطفل التحكم في انفعالاته، كما يمكن أن تشمل الخطة علاجًا أسريًا لتصحيح الديناميات المؤثرة في سلوك الطفل.

سادسًا: الفرق بين العصبية الطبيعية والمرضية

من المهم التمييز بين:

سابعًا: الوقاية من العصبية الزائدة عند الأطفال

1. الاستماع الفعّال

إعطاء الطفل مساحة للحديث والاستماع له بدون مقاطعة أو تهكم يُعزز ثقته بنفسه ويقلل من توتره الداخلي.

2. وضع روتين ثابت

الروتين يساعد الطفل على التنبؤ بما سيحدث، مما يقلل من القلق والانفعال، ويزيد من شعوره بالأمان النفسي.

3. تعزيز احترام الذات

تشجيع الطفل على المهام اليومية والثناء على إنجازاته الصغيرة يعزز من ثقته ويقلل من شعوره بالإحباط.

4. توفير بيئة أسرية داعمة

الحوار المستمر بين أفراد الأسرة، وتفادي النزاعات أمام الطفل، وتوفير أوقات نوعية للعب والتفاعل هي من أبرز عوامل الوقاية.

5. المراقبة الدقيقة للمؤثرات السلبية

مثل المحتوى العنيف في الألعاب أو وسائل الإعلام، أو التفاعلات الاجتماعية السامة في المدرسة أو المحيط.

ثامنًا: متى يجب استشارة المختصين؟

ينبغي اللجوء إلى مختص نفسي أو طبيب أطفال في الحالات التالية:

• إذا استمرت العصبية أكثر من 6 أشهر.

• إذا كانت تؤثر سلبًا على الأداء المدرسي أو الاجتماعي.

• إذا صاحب العصبية أعراض جسدية مثل الصداع أو آلام المعدة المتكررة.

• إذا ظهر سلوك عدواني موجه للذات أو الآخرين.

المصادر:

1. American Academy of Child and Adolescent Psychiatry (AACAP). “Temper Tantrums.”

2. Mayo Clinic. “Childhood Anger: Management Tips for Parents.”