خشونة الركبة: تعريف شامل وأسبابها وآليات تطورها وطرق علاجها الحديثة

خشونة الركبة (Osteoarthritis of the Knee) هي واحدة من أكثر أمراض المفاصل شيوعاً وانتشاراً، وتُعرف طبياً بأنها تدهور تدريجي في الغضاريف المفصلية التي تغطي نهايات العظام في مفصل الركبة، مما يؤدي إلى ألم مزمن، تقييد في الحركة، وتدهور في جودة الحياة. تعتبر خشونة الركبة من أمراض المفاصل التنكسية التي تصيب الملايين حول العالم، وتزداد نسبتها مع التقدم في العمر، لكنها ليست حكراً على كبار السن فقط بل قد تصيب فئات عمرية مختلفة نتيجة لعوامل متعددة.

تعريف خشونة الركبة وأهم خصائصها

الركبة هي أحد أكبر المفاصل في الجسم وأكثرها تعقيداً، وتتكون من ثلاث عظام رئيسية: عظمة الفخذ، عظمة الساق (الظنبوب)، والرضفة. تغطي نهايات هذه العظام طبقة رقيقة من الغضاريف المفصلية التي تعمل كوسادة ناعمة تمتص الصدمات وتسمح بحركة سلسة وسهلة للمفصل. في حالة خشونة الركبة، تبدأ هذه الطبقة بالتآكل والتلف، مما يؤدي إلى احتكاك العظام ببعضها، وظهور أعراض التهابية وتغيرات هيكلية تؤثر على وظيفة المفصل.

تتميز خشونة الركبة بوجود:

• تآكل وتلف تدريجي في الغضروف المفصلي.

• تكوّن نتوءات عظمية (Osteophytes) على حواف العظام.

• التهابات خفيفة في بطانة المفصل.

• تصلب في مفصل الركبة مع تقليل مدى الحركة.

• ألم مزمن يزداد مع الحركة ويتراجع بالراحة.

آليات تطور خشونة الركبة

تبدأ عملية خشونة الركبة عادةً بتلف في الغضروف المفصلي، ويحدث هذا التلف نتيجة لخلل في توازن عمليات البناء والهدم داخل الغضروف. الغضروف الطبيعي يعتمد على خلايا تسمى الكوندروسايت (Chondrocytes) التي تحافظ على نسيج الغضروف عبر إنتاج مكونات أساسية مثل الكولاجين والبروتيوغليكان. في حالة الخشونة، تقل قدرة هذه الخلايا على إصلاح الأنسجة التالفة، ويحدث تآكل تدريجي.

هذا التلف يتسبب في انكشاف العظم تحت الغضروف (Subchondral bone)، مما يؤدي إلى:

• زيادة الضغط على العظم.

• تكوّن تكلسات وعظام جديدة (نتوءات عظمية).

• التهاب في غشاء المفصل (Synovium) ما يزيد من الألم والتصلب.

• تضخم المفصل مع فقدان الوظيفة الطبيعية.

الأسباب والعوامل المؤدية إلى خشونة الركبة

تتعدد أسباب خشونة الركبة بين عوامل داخلية وخارجية، لكن العامل المشترك هو التآكل التدريجي للغضروف مع الزمن أو بسبب عوامل ضغط مفرطة.

1. العمر والتقدم في السن

يعتبر العمر من أهم عوامل الخطر، حيث يقل إنتاج الخلايا المسؤولة عن تجديد الغضاريف مع التقدم في العمر، وتصبح الأنسجة أقل قدرة على التكيف مع الضغوط.

2. السمنة وزيادة الوزن

زيادة الوزن تؤدي إلى تحميل زائد على مفصل الركبة، خاصة عند المشي أو صعود الدرج، وهذا الضغط المتكرر يعجل بتآكل الغضروف.

3. الإصابات المتكررة

الإصابات المباشرة أو المتكررة على الركبة مثل تمزقات الأربطة، الكسور، أو إصابات الغضروف المفصلي تزيد من خطر الإصابة بالخشونة.

4. العوامل الوراثية

تلعب الجينات دوراً في تحديد مدى قوة الغضاريف وقدرتها على مقاومة التلف، حيث أظهرت الدراسات أن بعض العائلات لديها قابلية أعلى للإصابة.

5. الاستخدام المفرط للمفصل

الأعمال الشاقة أو الأنشطة الرياضية العنيفة التي تضع ضغطاً كبيراً على الركبة لفترات طويلة قد تسرّع من حدوث الخشونة.

6. التشوهات الخلقية أو التشوهات الناتجة عن أمراض أخرى

مثل انحراف محوري في الساقين (الورك – الركبة – الكاحل) أو التهاب المفاصل الروماتويدي.

أعراض خشونة الركبة

تظهر أعراض خشونة الركبة بشكل تدريجي وتزداد سوءاً مع تقدم المرض، وتؤثر بشكل كبير على جودة الحياة. من أبرز هذه الأعراض:

• ألم مستمر في مفصل الركبة يزداد مع الحركة أو الوقوف لفترات طويلة.

• تيبس المفصل، خصوصاً بعد فترات الراحة أو الاستيقاظ صباحاً.

• تورم خفيف أحياناً نتيجة الالتهاب.

• صوت طقطقة أو احتكاك أثناء تحريك الركبة.

• ضعف في العضلات المحيطة بالمفصل.

• محدودية في الحركة، وصعوبة في أداء الأنشطة اليومية مثل المشي، الجلوس، وصعود السلالم.

التشخيص الطبي لخشونة الركبة

تعتمد عملية التشخيص على التاريخ المرضي، الفحص السريري، وفحوصات التصوير الطبي التي توضح مدى التلف الحاصل في مفصل الركبة.

الفحص السريري

يقوم الطبيب بفحص الركبة للتأكد من وجود ألم، تورم، نطاق الحركة، والاستقرار الهيكلي.

التصوير الشعاعي (X-Ray)

يظهر التغيرات العظمية مثل ضيق الفراغ المفصلي، نتوءات عظمية، وتكلسات في عظام الركبة.

التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)

يساعد على تقييم حالة الغضاريف، الأربطة، والأنسجة الرخوة المحيطة بالمفصل، ويكشف التغيرات المبكرة التي قد لا تظهر في الأشعة العادية.

الفحوصات المخبرية

تستخدم لاستبعاد أمراض أخرى مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو أمراض المناعة الذاتية.

علاج خشونة الركبة

يهدف العلاج إلى تخفيف الألم، تحسين وظيفة الركبة، ومنع تفاقم الحالة. يختلف العلاج باختلاف مرحلة المرض وحالة المريض، ويتضمن:

1. العلاج الدوائي

• مسكنات الألم مثل الباراسيتامول (Acetaminophen).

• مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين.

• حقن الكورتيزون داخل المفصل للتخفيف المؤقت من الالتهاب.

• مكملات غذائية تحتوي على الغلوكوزامين والكوندرويتين لتعزيز صحة الغضاريف، رغم أن فعاليتها محل نقاش في الدراسات.

2. العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل

• تمارين تقوية عضلات الفخذ والساق لتحسين دعم المفصل.

• تمارين المرونة لزيادة مدى الحركة.

• العلاج بالحرارة أو البرودة لتخفيف الألم.

• استخدام أجهزة دعم الركبة عند الحاجة.

3. تعديل نمط الحياة

• فقدان الوزن لتقليل الضغط على الركبة.

• تجنب الأنشطة التي تسبب إجهاداً مفرطاً للمفصل.

• اتباع نظام غذائي صحي غني بمضادات الأكسدة والأحماض الدهنية أوميغا 3.

4. التدخلات الجراحية

تُعتبر الحل الأخير عند فشل العلاجات السابقة أو عند تقدم المرض بشكل كبير، وتشمل:

• تنظيف المفصل (Arthroscopic Debridement) لإزالة الأنسجة التالفة.

• تصحيح التشوهات العظمية (Osteotomy) لتوزيع الضغط بشكل أفضل على المفصل.

• استبدال مفصل الركبة جزئياً أو كلياً (Total Knee Replacement) ويعد من أنجح العمليات الجراحية لتحسين جودة الحياة.

أحدث التطورات والبحوث في علاج خشونة الركبة

شهدت السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً في مجال فهم وعلاج خشونة الركبة، ومنها:

• العلاجات الخلوية باستخدام الخلايا الجذعية لتحفيز تجديد الغضروف.

• تطوير أدوية جديدة تستهدف المسارات الالتهابية وتقليل تفكك الغضروف.

• تقنيات جراحية طفيفة التوغل لتحسين نتائج العمليات.

• برامج إعادة التأهيل الذكية التي تعتمد على تقنيات الواقع الافتراضي لتعزيز التعافي.

أثر خشونة الركبة على الصحة العامة والمجتمع

تؤثر خشونة الركبة بشكل كبير على حياة الأفراد، حيث تسبب الألم المزمن والتقيد الحركي، مما يؤدي إلى انخفاض النشاط البدني وزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة أخرى مثل أمراض القلب والسكري نتيجة لقلة الحركة. كما تشكل عبئاً اقتصادياً كبيراً على أنظمة الرعاية الصحية بسبب الحاجة المتزايدة للعلاج والعمليات الجراحية.

مقارنة بين مراحل خشونة الركبة

خلاصة

خشونة الركبة مرض معقد ومتدرج يتطلب تشخيصاً دقيقاً وعلاجاً شاملاً موجهًا لتخفيف الألم وتحسين وظيفة المفصل. باتباع نمط حياة صحي، العلاج الطبي المناسب، والتدخل الجراحي عند الضرورة، يمكن تحسين نوعية الحياة بشكل كبير لدى المصابين. التطورات الحديثة في الطب توفر آفاقاً واعدة لعلاج هذا المرض المزمن بشكل أكثر فعالية في المستقبل القريب.

المصادر

• موسوعة مايوكلينيك، “خشونة الركبة”، 2023

• الجمعية الأمريكية لأمراض الروماتيزم (Arthritis Foundation), 2024