علاج انخفاض درجة الحرارة عند الأطفال: دليل شامل للأسباب والتعامل الطبي والوقائي

يُعد انخفاض درجة حرارة الجسم لدى الأطفال من الحالات الطبية الحرجة التي قد تهدد حياتهم إذا لم تُكتشف وتُعالج في الوقت المناسب. تختلف درجة حرارة الجسم الطبيعية قليلًا من طفل إلى آخر، لكنها تتراوح عمومًا بين 36.1 و37.2 درجة مئوية. وعندما تنخفض درجة الحرارة لتقل عن 35 درجة مئوية، يُشخَّص الطفل بحالة تُعرف علميًا باسم الهيبوثرميا (Hypothermia)، وهي حالة طارئة تستلزم تدخلاً سريعًا ودقيقًا لتفادي المضاعفات الجسيمة.

في هذا المقال المفصل، سيتم تناول الأسباب المحتملة لانخفاض درجة الحرارة عند الأطفال، والعلامات السريرية التي يجب الانتباه لها، والإجراءات الإسعافية والطبية المُوصى بها لعلاج الحالة، إلى جانب الوسائل الوقائية المستندة إلى الأدلة العلمية.

أولًا: مفهوم انخفاض درجة الحرارة عند الأطفال

الهيبوثرميا هي حالة يحدث فيها فقدان للحرارة من جسم الطفل أسرع من قدرة الجسم على إنتاجها، ما يؤدي إلى انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم. الأطفال، خاصة الرضع وحديثي الولادة، هم أكثر عرضة لهذه الحالة بسبب عدم اكتمال تطور آليات تنظيم الحرارة في أجسامهم، وصغر حجمهم مقارنة بمساحة سطح أجسامهم، مما يجعلهم يفقدون الحرارة بسرعة.

ثانيًا: أنواع انخفاض درجة الحرارة حسب الشدة

يمكن تصنيف انخفاض حرارة الجسم لدى الأطفال إلى ثلاثة أنواع رئيسية حسب درجة الانخفاض:

ثالثًا: الأسباب الشائعة لانخفاض درجة حرارة الأطفال

1. التعرض للبرد الشديد

يُعد التعرض للهواء البارد أو الماء البارد دون حماية كافية من أكثر الأسباب شيوعًا. يحدث هذا عادة في البلدان ذات المناخ البارد، أو في حالات غياب التدفئة المناسبة في المنازل خلال فصل الشتاء.

2. الولادة المبكرة

الرضع المبتسرون يولدون قبل اكتمال نمو مراكز تنظيم الحرارة في الدماغ، وغالبًا ما يفتقرون إلى الدهون البنية التي تساعد في إنتاج الحرارة.

3. نقص الوزن عند الولادة

الرضع منخفضو الوزن لديهم نسبة أقل من الدهون العازلة، ما يجعلهم أكثر عرضة لفقدان الحرارة.

4. العدوى الشديدة (الإنتان الدموي)

في بعض الأحيان، قد تكون العدوى الميكروبية مسؤولة عن انخفاض الحرارة، بخلاف المتوقع من الحمى، وخاصة في الأطفال الرضع.

5. أمراض الجهاز العصبي المركزي

مثل النزيف الدماغي أو التهابات الدماغ، حيث تؤثر على مركز تنظيم الحرارة في الدماغ.

6. الاستخدام غير السليم لبعض الأدوية

بعض الأدوية مثل المهدئات أو المسكنات قد تؤثر على التوازن الحراري، وخاصة عند تناولها بجرعات غير مناسبة.

رابعًا: علامات وأعراض انخفاض درجة الحرارة عند الأطفال

تختلف الأعراض حسب شدة الانخفاض وعمر الطفل، ومن أهمها:

• رجفان (ارتعاش): محاولة الجسم لتوليد حرارة عن طريق انقباض العضلات.

• شحوب الجلد وبرودته: خصوصًا في الأطراف مثل اليدين والقدمين.

• الخمول والنعاس الزائد: نتيجة تباطؤ وظائف الجهاز العصبي.

• تنفس بطيء أو سطحي: علامة خطر على تدهور الحالة.

• بطء نبضات القلب: خاصة في الحالات المتقدمة.

• توقف الرجفان في المراحل المتقدمة من الانخفاض، وهي علامة تحذيرية على قرب توقف الجهاز العصبي.

خامسًا: تشخيص انخفاض درجة حرارة الجسم

يعتمد التشخيص على قياس درجة حرارة الجسم باستخدام مقياس حراري دقيق. يُفضل استخدام ميزان حرارة رقمي عبر المستقيم في الأطفال الصغار للحصول على قراءة دقيقة. وقد يتم طلب بعض الفحوصات المعملية حسب الشك السريري، مثل:

• تحليل الدم الكامل (CBC)

• تحليل غازات الدم

• زراعة الدم للتحقق من وجود عدوى بكتيرية

• أشعة الصدر لتقييم وجود التهاب رئوي

• تحليل بول لاستبعاد وجود عدوى بولية

سادسًا: خطوات العلاج الطارئ لانخفاض درجة حرارة الأطفال

1. الإنعاش الحراري السريع

العلاج الأساسي هو إعادة تدفئة الجسم بشكل تدريجي وآمن، حسب شدة الحالة:

– في الحالات الخفيفة:

• نقل الطفل إلى بيئة دافئة وجافة.

• إزالة الملابس المبللة واستبدالها بأخرى جافة ودافئة.

• تغطية الطفل ببطانيات دافئة.

• استخدام تدفئة محيطية (مدفأة أو بطانية حرارية) مع الحذر من الحروق.

– في الحالات المتوسطة والشديدة:

• الإنعاش القلبي التنفسي (CPR) إذا لزم الأمر.

• تدفئة الجسم من الداخل باستخدام المحاليل الوريدية الدافئة (37–40 م°).

• التنبيب الرغامي وتوفير التهوية الدافئة المرطبة.

• استخدام أجهزة إعادة التسخين الخارجية (مثل أجهزة تدفئة الدم) في الحالات الحرجة.

2. مراقبة الوظائف الحيوية

يجب مراقبة ضغط الدم، نبض القلب، درجة الحرارة كل نصف ساعة، وتسجيل التغيرات بدقة.

3. معالجة السبب الأساسي

في حال وجود عدوى، يتم إعطاء المضادات الحيوية المناسبة بعد أخذ عينات الدم والبول. وإذا كانت هناك أمراض عصبية أو نقص في الجلوكوز، يجب التدخل المناسب سريعًا.

سابعًا: العلاج في وحدات العناية المركزة

الأطفال الذين يعانون من انخفاض شديد في الحرارة يحتاجون غالبًا إلى الدخول إلى وحدة العناية المركزة للأطفال (PICU). هناك، يُتابعون بعناية من قبل فريق متعدد التخصصات يشمل أطباء الأطفال، وأخصائيي العناية المركزة، وأخصائيي التمريض، ويُوفر لهم:

• رعاية حرارية دقيقة باستخدام أجهزة متخصصة.

• علاج تنفسي متقدم باستخدام التهوية الاصطناعية.

• تغذية وريدية وتقييم استقلاب الطفل باستمرار.

• إجراءات تصحيح اضطرابات الحموضة والكهارل.

ثامنًا: الوقاية من انخفاض درجة الحرارة عند الأطفال

– ارتداء الملابس المناسبة

تُعد الوقاية عبر الملابس الدافئة أمرًا أساسيًا، خاصة للأطفال حديثي الولادة والمبتسرين. يجب أن تكون الملابس متعددة الطبقات، ويُراعى تغطية الرأس والأطراف.

– ضبط حرارة البيئة

يجب الحفاظ على درجة حرارة مناسبة في الغرف، خصوصًا في فصل الشتاء. استخدام أجهزة تدفئة معتدلة مع مراقبة مستمرة لدرجة حرارة الغرفة (يفضل بين 22–26 درجة مئوية).

– تجنب الاستحمام بماء بارد

لا يجب استخدام الماء البارد أو الاستحمام في أماكن مفتوحة أو باردة، خاصة في فصول الشتاء.

– توعية الأهل ومقدمي الرعاية

تثقيف الأهل حول علامات انخفاض الحرارة وأهمية التدخل السريع يمكن أن يقلل من معدلات الوفاة المرتبطة بهذه الحالة.

تاسعًا: أهمية المتابعة الطبية بعد التعافي

حتى بعد استقرار الحالة، فإن الطفل قد يحتاج إلى متابعة دقيقة لاكتشاف أي مضاعفات متأخرة. تشمل هذه المتابعة:

• فحص النمو العصبي والنفسي في حالات الانخفاض الشديد.

• فحوصات دورية لمراقبة القلب والتنفس.

• إعادة تقييم المناعة والغدد الصماء في الحالات الناتجة عن أمراض جهازية.

عاشرًا: مضاعفات محتملة في حال التأخر في العلاج

عدم التعامل السريع مع انخفاض درجة حرارة الجسم عند الأطفال قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، تشمل:

• توقف القلب المفاجئ بسبب اضطراب نظم القلب.

• تلف دائم في الجهاز العصبي المركزي.

• فشل في وظائف الكلى أو الكبد.

• نقص التروية الطرفية وقد يصل الأمر إلى الغرغرينا في الحالات الشديدة.

الحادي عشر: الفرق بين انخفاض الحرارة والحمى في التشخيص

يخلط بعض الآباء بين انخفاض درجة الحرارة والحمى، ما قد يؤدي إلى تأخر العلاج أو استخدام خافضات الحرارة في وقت غير مناسب. ولذا، يجب الانتباه إلى أن الحمى تحدث عندما تتجاوز درجة الحرارة 38 درجة مئوية، بينما انخفاض الحرارة هو نزولها لما دون 35 م°.

الثاني عشر: الإجراءات الوقائية في المؤسسات الصحية

– في أقسام الولادة:

يجب أن يتم وضع الطفل مباشرة على صدر الأم (الملامسة الجلدية) فور الولادة، مع تغطيته ببطانية دافئة، ووضع قبعة لحماية الرأس من فقدان الحرارة.

– في الحواضن الطبية:

يجب ضبط حرارة الحاضنة ومراقبتها إلكترونيًا، وتفادي فتح الحاضنة لفترات طويلة إلا للضرورة.

– خلال النقل الطبي:

في حالات نقل الأطفال من مستشفى إلى آخر، يجب استخدام حاضنات متنقلة تحافظ على درجة حرارة الجسم.

المراجع

1. World Health Organization. Thermal protection of the newborn: a practical guide. Geneva: WHO; 1997.

2. American Academy of Pediatrics. Hypothermia in newborns and children: Pediatric Emergency Medicine Practice Guidelines. 2022.