علاج الوحم: بين الحقائق العلمية والعلاجات التقليدية

مقدمة

يُعد الوحم ظاهرة شائعة تصيب نسبة كبيرة من النساء الحوامل، حيث يُعرف برغبة شديدة ومفاجئة في تناول أطعمة معينة أو حتى مواد غير غذائية في بعض الحالات، وترافقه أحيانًا حالات من النفور من بعض الروائح أو الأطعمة، وتغيّرات مزاجية وجسدية واضحة. وعلى الرغم من أن الوحم لا يُعتبر مرضًا بحد ذاته، إلا أن التعامل معه، خصوصًا عند بلوغه مراحل متقدمة تؤثر على صحة الأم والجنين، يتطلب فهماً دقيقاً لأسبابه وطرق علاجه. هذا المقال يقدم عرضًا شاملًا لعلاج الوحم من منظور طبي وغذائي ونفسي، مع استعراض لبعض العلاجات التقليدية ودرجة فعاليتها.

ما هو الوحم؟

الوحم هو مجموعة من التغيرات النفسية والفيزيولوجية التي تحدث في فترة الحمل، وغالبًا ما يظهر في الثلث الأول منه، إلا أنه قد يستمر طوال فترة الحمل لدى بعض النساء. يتميز الوحم برغبة ملحة ومفاجئة في تناول نوع معين من الطعام، وغالبًا ما يكون هذا الطعام غير معتاد أو حتى غير محبذ قبل الحمل، مثل المخللات، الشوكولاتة، الثلج، الطين، الفحم، أو حتى النشويات المركزة.

الأسباب المحتملة للوحم

رغم عدم وجود تفسير علمي قاطع لظاهرة الوحم، إلا أن الدراسات الطبية والبيولوجية تشير إلى مجموعة من العوامل المتشابكة التي قد تسهم في حدوثه، ومنها:

1. التغيرات الهرمونية

يرتبط الحمل بزيادة ملحوظة في هرموني الإستروجين والبروجسترون، مما يؤدي إلى تغيرات في حاسة الشم والتذوق، وهذا قد يفسر بعض مظاهر الوحم، مثل اشتهاء روائح أو أطعمة غريبة والنفور من غيرها.

2. النقص الغذائي

تشير بعض النظريات إلى أن الوحم هو استجابة من الجسم لنقص معين في المغذيات مثل الحديد، الكالسيوم، الزنك أو فيتامين B12. فعلى سبيل المثال، يُربط اشتهاء الثلج (وهو أحد أنواع “الوحم غير الغذائي” أو “البيكا”) بنقص الحديد.

3. العوامل النفسية والعاطفية

الحمل مرحلة حساسة نفسيًا، وقد تلجأ بعض النساء إلى الطعام كوسيلة لتخفيف التوتر أو للحصول على الشعور بالرضا العاطفي، وهو ما يعزز سلوكيات الوحم.

4. العوامل الثقافية والمجتمعية

في بعض الثقافات، يُعتبر الوحم جزءًا طبيعيًا من الحمل، وتُعامل رغبات الحامل باهتمام بالغ، مما يزيد من شعورها بالقبول والتشجيع على الاستجابة لهذه الرغبات.

تصنيفات الوحم

يمكن تصنيف الوحم إلى نوعين رئيسيين:

– الوحم الغذائي:

ويشمل الرغبة الشديدة في تناول أطعمة معينة، مثل الأطعمة المالحة، الحلوى، الأطعمة الحارة، أو المخللات.

– الوحم غير الغذائي (البيكا):

وهو نوع نادر وأكثر خطورة، حيث تشتهي الحامل مواد غير صالحة للأكل مثل التراب، الطين، الفحم، الصابون، أو النشا، ويرتبط عادة بنقص حاد في بعض المعادن ويحتاج إلى تدخل طبي عاجل.

العلاجات الطبية والتغذوية للوحم

1. تحليل الدم وتحديد النواقص الغذائية

أول خطوة علمية في علاج الوحم تتمثل في إجراء تحاليل الدم لتحديد مستويات الحديد، الكالسيوم، الزنك، والفيتامينات الأساسية. هذه الخطوة ضرورية خصوصًا إذا كان الوحم يتجه نحو البيكا.

2. تعويض النواقص الغذائية

بمجرد تحديد النقص، يتم وصف المكملات المناسبة من قبل الطبيب. مثلاً:

• نقص الحديد: يوصف له مكملات الحديد مثل “فيرسولفات” أو “فيروجلوبين”.

• نقص الكالسيوم: يوصف له مكملات الكالسيوم مثل “كالترات” أو “أوسكال”.

• نقص الزنك: تتم معالجته بمكملات الزنك والتي قد تحسن الشهية وتقلل من الوحم الغريب.

• فيتامين B6: يساعد في الحد من الغثيان، وهو أحد أعراض الوحم الشائعة، ويمكن أن يخفف من الرغبة في الأطعمة غير المعتادة.

3. تعديل النمط الغذائي اليومي

ينصح باتباع حمية غذائية متوازنة غنية بالبروتينات، الفيتامينات، والألياف، مع تناول وجبات صغيرة ومتكررة على مدار اليوم للحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم، وهو عامل قد يلعب دورًا في التحكم في الوحم.

4. شرب الماء بكميات كافية

الجفاف البسيط قد يحفّز الإحساس بالجوع أو الرغبة الشديدة، لذا يُنصح بشرب ما لا يقل عن 2 لتر من الماء يوميًا.

العلاج السلوكي والنفسي

1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

في الحالات التي يتحول فيها الوحم إلى سلوك قهري يهدد صحة الحامل، يمكن اللجوء إلى العلاج المعرفي السلوكي بإشراف مختص نفسي. يساعد هذا النوع من العلاج في تحديد العوامل المحفّزة للرغبة الشديدة في الطعام والتعامل معها بوسائل صحية.

2. الدعم النفسي والاجتماعي

وجود دعم من الأسرة والشريك يمكن أن يقلل من التوتر والقلق المرتبطين بالحمل، وهما من العوامل المؤثرة في سلوكيات الوحم.

العلاجات التقليدية والشعبية

1. الأعشاب الطبيعية

تلجأ بعض الثقافات إلى استخدام الأعشاب لتقليل أعراض الوحم مثل الغثيان أو لتعديل الشهية، مثل:

• الزنجبيل: فعال في تخفيف الغثيان ويقلل من الرغبة القهرية في بعض الأطعمة.

• النعناع: يساعد على تهدئة المعدة وتقليل النفور من الروائح.

• الكمون: قد يساعد في تحسين الهضم وتقليل التهيج المعوي.

2. الزيوت العطرية

استخدام بعض الزيوت العطرية مثل زيت اللافندر أو زيت البرتقال قد يساعد في تهدئة النفس وتحسين المزاج، مما يخفف من بعض محفزات الوحم النفسية، بشرط استخدامها بطريقة آمنة وتحت إشراف مختص.

3. الوصفات الشعبية

في بعض المناطق، تُستخدم وصفات مثل ماء الشعير أو مغلي البابونج للتقليل من النفور أو لتحسين الهضم، رغم أن فاعليتها تختلف من حالة لأخرى.

جدول يوضح العلاقة بين أنواع الوحم وطرق التعامل معها

متى يجب التدخل الطبي؟

رغم أن الوحم عادةً لا يحتاج إلى تدخل طبي مباشر، إلا أن بعض الحالات تستوجب استشارة الطبيب فورًا، مثل:

• تحول الوحم إلى رغبة في تناول مواد ضارة أو غير غذائية.

• فقدان الوزن نتيجة النفور الشديد من الطعام.

• ظهور أعراض فقر الدم، مثل الدوار والضعف العام.

• حالات التقيؤ الشديد المرتبطة بالوحم والتي قد تؤدي إلى الجفاف.

تأثير الوحم على الجنين

تشير الدراسات إلى أن الوحم لا يسبب ضررًا مباشرًا للجنين، إلا أن التغذية غير السليمة أو تناول مواد غير غذائية قد يؤدي إلى نقص في بعض العناصر الضرورية لنمو الجنين، مثل الحديد والكالسيوم وحمض الفوليك. ومن هنا تأتي أهمية التدخل الغذائي والعلاجي في الوقت المناسب.

الخلاصة

الوحم تجربة فريدة ومركبة في حياة المرأة الحامل، يتداخل فيها البيولوجي والنفسي والاجتماعي، ورغم كونه ظاهرة طبيعية في معظم الأحيان، إلا أن تجاهله في بعض الحالات قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة. العلاج الناجح للوحم لا يكون عبر كبح الرغبة فحسب، بل بفهم الأسباب الجذرية لها، سواء كانت غذائية أو نفسية أو هرمونية، ثم اعتماد خطة علاجية شاملة تتضمن التغذية السليمة، الدعم النفسي، والمتابعة الطبية المنتظمة.

المراجع

1. American Pregnancy Association – Cravings During Pregnancy.

2. Mayo Clinic – Pica: Symptoms, Causes, and Treatment.