مقدمة
مرض النهم الليلي (Night Eating Syndrome – NES) هو اضطراب غذائي يتميز بنوبات متكررة من الأكل خلال الليل، ويعاني المصابون به من تناول كميات كبيرة من الطعام بعد وجبة العشاء، أو الاستيقاظ من النوم لتناول الطعام بشكل متكرر. غالبًا ما يرتبط هذا الاضطراب بالشعور بالتوتر، القلق، أو الحزن، وهو يختلف عن الأكل المفرط أثناء النهار الذي يرتبط باضطرابات الأكل التقليدية مثل الشره العصبي.
أسباب مرض النهم الليلي
تتنوع الأسباب المحتملة للنهم الليلي، ويمكن أن تشمل مجموعة من العوامل النفسية، البيولوجية، والبيئية.
1. عوامل نفسية
- التوتر والقلق: يعتبر النهم الليلي طريقة للتعامل مع المشاعر السلبية مثل التوتر والقلق. يجد البعض في الطعام وسيلة للتخفيف من الضغوط العاطفية التي يعانون منها خلال النهار.
- الاكتئاب: يشير بعض الباحثين إلى أن النهم الليلي قد يكون وسيلة للهروب من المشاعر السلبية المرتبطة بالاكتئاب، حيث يمكن أن يرتبط هذا الاضطراب بمستويات منخفضة من السيروتونين، وهو ناقل عصبي يلعب دورًا في تنظيم المزاج.
- النوم المتقطع: يعاني المصابون بالنهم الليلي غالبًا من اضطرابات في النوم مثل الأرق، مما يدفعهم للاستيقاظ وتناول الطعام كجزء من نمط حياتهم الليلي.
2. عوامل بيولوجية
- اختلال الهرمونات: هناك أدلة على أن بعض الهرمونات التي تنظم الجوع والشبع، مثل اللبتين و الغريلين، تكون غير متوازنة لدى المصابين بمرض النهم الليلي. قد يؤدي هذا الخلل إلى زيادة الشعور بالجوع خلال الليل.
- اختلال الساعة البيولوجية: يمكن أن يكون لدى المصابين بالنهم الليلي اضطراب في الساعة البيولوجية، مما يؤدي إلى عدم التزامن بين توقيت الجوع الطبيعي والنوم.
3. عوامل بيئية واجتماعية
- عادات غذائية غير صحية: يمكن أن تلعب العادات الغذائية غير المنتظمة أو تناول وجبات فقيرة بالعناصر الغذائية خلال النهار دورًا في تحفيز النهم الليلي. على سبيل المثال، تخطي وجبات الطعام أو تناول كميات صغيرة خلال النهار قد يدفع الشخص إلى الإفراط في تناول الطعام ليلًا.
- العوامل الاجتماعية: ضغوط الحياة اليومية، سواء كانت مرتبطة بالعمل أو الحياة الأسرية، قد تدفع البعض إلى اللجوء إلى الطعام ليلًا كوسيلة للتعامل مع هذه الضغوط.
أعراض النهم الليلي
من أهم الأعراض المرتبطة بمرض النهم الليلي:
- تناول كميات كبيرة من الطعام ليلًا: يشعر المصابون بالنهم الليلي برغبة قوية في تناول الطعام بعد وجبة العشاء أو الاستيقاظ في منتصف الليل لتناول وجبات خفيفة.
- الوعي الكامل: على عكس اضطراب الأكل النومي (Nocturnal Sleep-Related Eating Disorder – NSRED)، يكون المصابون بالنهم الليلي في حالة وعي تامة عندما يتناولون الطعام ليلًا.
- انخفاض الشهية خلال النهار: غالبًا ما يكون لدى الأشخاص المصابين بالنهم الليلي قلة في الشهية خلال ساعات النهار، مما يؤدي إلى تركيز تناول الطعام في الليل.
- الشعور بالذنب أو الإحباط: يعاني المرضى من مشاعر سلبية بعد تناول الطعام ليلًا، بما في ذلك الشعور بالذنب والإحباط.
تشخيص النهم الليلي
يعتمد تشخيص النهم الليلي على تحديد وجود الأعراض المذكورة أعلاه لفترة طويلة من الزمن، ويتم ذلك عادةً من خلال مقابلات سريرية مع الطبيب أو المعالج النفسي. كما يمكن استخدام مقاييس النهم الليلي التي تقيم درجة الأعراض، بما في ذلك تواتر الأكل الليلي، مستوى الوعي أثناء الأكل، وتأثير ذلك على الحياة اليومية.
علاج النهم الليلي
1. العلاج النفسي
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يعتبر العلاج السلوكي المعرفي من أكثر الأساليب فعالية في علاج النهم الليلي. يعمل هذا العلاج على تحديد أنماط التفكير السلبية والمعتقدات الخاطئة المتعلقة بالطعام والوزن، ومساعدة الشخص في استبدالها بأنماط تفكير أكثر إيجابية.
- العلاج النفسي الديناميكي: يركز هذا النوع من العلاج على استكشاف العوامل النفسية العميقة مثل التوتر أو الصراعات العاطفية التي قد تكون دافعة لاضطراب الأكل الليلي.
2. العلاج الدوائي
- مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs): تساعد هذه الأدوية على تحسين مستويات السيروتونين في الدماغ، مما يساعد في تقليل أعراض النهم الليلي. بعض الدراسات أشارت إلى أن السيرترالين و الفلوكسيتين قد يكونان فعالين في العلاج.
- الميلاتونين: قد يكون تنظيم النوم جزءًا مهمًا من العلاج. وقد أثبتت بعض الدراسات أن تناول مكملات الميلاتونين يمكن أن يساعد في تحسين نمط النوم وتقليل نوبات الأكل الليلي.
3. التغييرات في نمط الحياة
- تنظيم الوجبات: تناول وجبات متوازنة وغنية بالعناصر الغذائية خلال النهار يمكن أن يقلل من نوبات النهم الليلي. من المفيد أيضًا تناول وجبات صغيرة ومتكررة طوال اليوم لتجنب الشعور بالجوع ليلاً.
- تحسين عادات النوم: الالتزام بروتين نوم منتظم وممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل يمكن أن يقلل من احتمالية الاستيقاظ لتناول الطعام.
- ممارسة الرياضة: النشاط البدني يمكن أن يساعد في تحسين النوم وتنظيم الشهية بشكل عام، مما يقلل من الدافع للأكل ليلًا.
آثار النهم الليلي
إذا لم يُعالج النهم الليلي، فإنه قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، منها:
- زيادة الوزن: يؤدي تناول كميات كبيرة من الطعام ليلاً إلى تراكم السعرات الحرارية وزيادة الوزن، وهو ما قد يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض مثل السكري و أمراض القلب.
- اضطرابات النوم: يؤثر الأكل الليلي على نوعية النوم، وقد يؤدي إلى الأرق أو التعب المزمن.
- التأثيرات النفسية: النهم الليلي يزيد من مشاعر القلق و الاكتئاب، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية للمصاب.
خاتمة
مرض النهم الليلي هو اضطراب غذائي معقد يتطلب تدخلًا متعدد الجوانب يشمل العلاج النفسي، الدوائي، والتغييرات في نمط الحياة. بالاستعانة بالأطباء والمختصين في مجال الصحة النفسية، يمكن للشخص المصاب بالنهم الليلي تحسين حالته واستعادة نمط حياة أكثر توازنًا وصحة.