مرض النقرس: الأسباب، الأعراض، طرق العلاج والوقاية

يُعد مرض النقرس من الأمراض المزمنة الشائعة التي تصيب المفاصل نتيجة اختلال في عملية التمثيل الغذائي لحمض اليوريك (حمض البول)، مما يؤدي إلى تراكمه في الجسم وترسبه على شكل بلورات في المفاصل والأنسجة المحيطة بها. وعلى الرغم من أن هذا المرض معروف منذ قرون طويلة وكان يُلقب قديمًا بـ”داء الملوك” بسبب ارتباطه بتناول الأطعمة الغنية بالبروتين والدهون، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أنه يمكن أن يصيب أي شخص نتيجة عوامل متعددة تتعلق بنمط الحياة والجينات والتغذية.

تعريف النقرس وأهميته الطبية

النقرس هو نوع من أنواع التهاب المفاصل الناتج عن ارتفاع مستويات حمض اليوريك في الدم، مما يؤدي إلى ترسب بلورات اليورات في المفاصل، وخاصة مفصل الإصبع الكبير في القدم، مسببةً آلاماً حادة وتورماً واحمراراً في المفصل المصاب. قد يظهر المرض على شكل نوبات حادة متقطعة تتكرر على فترات، أو قد يتحول في بعض الحالات إلى مرض مزمن يؤدي إلى تلف المفاصل بشكل دائم إذا لم يُعالج بالشكل الصحيح.

تكمن أهمية النقرس من الناحية الطبية في كونه يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض أخرى مزمنة مثل أمراض القلب والشرايين، ارتفاع ضغط الدم، السمنة، ومتلازمة الأيض. لذلك، فإن الكشف المبكر عن المرض وعلاجه يمثل جزءاً أساسياً من الوقاية الشاملة ضد مضاعفاته الخطيرة.

أسباب مرض النقرس

تتعدد الأسباب المؤدية إلى مرض النقرس، ويُعتبر ارتفاع حمض اليوريك في الدم السبب المباشر والرئيسي. وينتج هذا الارتفاع عن واحد أو أكثر من العوامل التالية:

1. الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالبيورينات

البيورينات هي مركبات طبيعية توجد في العديد من الأطعمة، وعند تكسيرها في الجسم ينتج عنها حمض اليوريك. ومن بين الأطعمة الغنية بالبيورينات:

• اللحوم الحمراء

• الكبد والأعضاء الداخلية الأخرى

• المأكولات البحرية مثل السردين والأنشوجة والمحار

• البقوليات مثل العدس والحمص

• الكحول وخاصة البيرة

2. ضعف الكلى في التخلص من حمض اليوريك

في بعض الحالات، تكون الكليتان غير قادرتين على التخلص من كميات كافية من حمض اليوريك، مما يؤدي إلى تراكمه في الدم.

3. العوامل الوراثية

تلعب الجينات دورًا هامًا في تطور المرض، حيث وُجد أن بعض الأشخاص يرثون قابلية الإصابة بفرط حمض اليوريك والنقرس من آبائهم أو أمهاتهم.

4. بعض الأدوية والحالات الصحية

تساهم بعض الأدوية، مثل مدرات البول والأدوية المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، في رفع مستويات حمض اليوريك. كما أن أمراضاً مثل السكري، السمنة، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكلى ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالنقرس.

الأعراض والعلامات السريرية

تظهر أعراض النقرس عادة بشكل مفاجئ خلال الليل وتتميز بما يلي:

• ألم مفاجئ وشديد في مفصل واحد (غالبًا الإصبع الكبير للقدم)

• تورم واحمرار وسخونة في المفصل

• تقيد في حركة المفصل المصاب

• في بعض الحالات، تظهر عقيدات صلبة تُسمى التوفا (Tophi) تحت الجلد نتيجة ترسب البلورات

المراحل السريرية للنقرس

يمكن تصنيف مرض النقرس إلى أربع مراحل رئيسية:

تشخيص مرض النقرس

يُعتمد في تشخيص مرض النقرس على عدة وسائل:

1. التاريخ الطبي والفحص السريري

يساعد تقييم الأعراض ومكان الألم، بالإضافة إلى التاريخ العائلي والنظام الغذائي، على توجيه الطبيب نحو التشخيص الصحيح.

2. تحاليل الدم

لقياس مستوى حمض اليوريك في الدم، مع الانتباه إلى أن ارتفاع هذا الحمض لا يعني بالضرورة الإصابة بالنقرس، كما أن بعض المصابين تكون مستوياتهم طبيعية أثناء النوبة.

3. تحليل سائل المفصل

يُعتبر تحليل سائل المفصل هو الوسيلة الذهبية للتشخيص، حيث تُؤخذ عينة من السائل الزليلي ويتم فحصها تحت المجهر لاكتشاف وجود بلورات اليورات.

4. التصوير بالأشعة

في حالات النقرس المزمن، قد تُظهر الأشعة السينية تلفاً في المفاصل. كما أن التصوير بالموجات فوق الصوتية أو الرنين المغناطيسي يمكن أن يساهم في الكشف المبكر.

علاج مرض النقرس

ينقسم العلاج إلى نوعين رئيسيين: علاج النوبات الحادة، وعلاج طويل الأمد للتحكم في مستوى حمض اليوريك.

أولاً: علاج النوبة الحادة

يهدف إلى تخفيف الألم والالتهاب بأسرع وقت ممكن، ويشمل:

• مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين والنابروكسين.

• الكولشيسين: دواء يُستخدم لتقليل الالتهاب إذا أُخذ في وقت مبكر من النوبة.

• الكورتيكوستيرويدات: تُستخدم في الحالات التي لا تستجيب للأدوية الأخرى أو عند وجود موانع لاستخدام مضادات الالتهاب.

ثانياً: العلاج طويل الأمد

يهدف إلى تقليل مستوى حمض اليوريك في الدم ومنع تكرار النوبات:

• مثبطات إنتاج حمض اليوريك مثل الألوبورينول (Allopurinol) وفيبوكسوستات (Febuxostat)

• أدوية تزيد من إخراج حمض اليوريك مثل البروبينسيد (Probenecid)

• تعديل نمط الحياة والنظام الغذائي

النظام الغذائي المناسب لمرضى النقرس

يُعد تعديل النظام الغذائي خطوة أساسية في الوقاية من النوبات وتقليل تراكم حمض اليوريك. ومن التوصيات الغذائية المهمة:

• تقليل أو تجنب الأطعمة الغنية بالبيورينات (اللحوم الحمراء، الكبد، الأسماك الدهنية)

• الامتناع عن الكحول، خاصة البيرة

• شرب كميات كافية من الماء (2-3 لترات يوميًا)

• تناول منتجات الألبان قليلة الدسم

• زيادة استهلاك الخضروات والفواكه الطازجة

• خفض الوزن إذا كان المريض يعاني من السمنة

العلاجات الطبيعية والمكملات الغذائية

توجد بعض العلاجات الطبيعية التي قد تساهم في تخفيف أعراض النقرس، لكنها لا تغني عن العلاجات الدوائية. من بين هذه العلاجات:

• الكرز الأسود: أظهرت دراسات أن الكرز قد يقلل من تكرار نوبات النقرس.

• فيتامين C: يساعد في خفض مستويات حمض اليوريك.

• القهوة: بعض الأبحاث تشير إلى أن شرب القهوة بانتظام يرتبط بانخفاض خطر النقرس.

• مستخلص بذور الكرفس: يُعتقد أنه يساعد في تقليل الالتهاب وتخفيف الألم.

الوقاية من النقرس

الوقاية من النقرس تعتمد على مجموعة من التغيرات السلوكية والغذائية:

• اتباع نظام غذائي منخفض البيورينات

• الحفاظ على وزن صحي

• الإقلاع عن الكحول والتدخين

• ممارسة التمارين الرياضية بانتظام

• علاج الأمراض المزمنة المصاحبة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري

مضاعفات مرض النقرس

إذا لم يتم علاج النقرس بالشكل الصحيح، فقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• تلف دائم في المفاصل نتيجة الالتهاب المزمن

• تكون التوفا وهي عقيدات مليئة ببلورات اليورات قد تتسبب في تشوه المفاصل

• حصى الكلى بسبب ترسب حمض اليوريك في الكلى

• الفشل الكلوي في بعض الحالات المتقدمة

• الارتباط بأمراض القلب حيث تشير الدراسات إلى وجود علاقة بين النقرس وخطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين

التعايش مع النقرس

يستطيع المريض التعايش مع النقرس إذا اتبع خطة علاجية شاملة تتضمن الأدوية والنظام الغذائي والوقاية من النوبات. يُفضل أن يحتفظ المريض بسجل لنوباته وتفاصيلها لمساعدة الطبيب في اتخاذ قرارات علاجية مناسبة. كما أن الالتزام بالمراجعة الدورية لمستوى حمض اليوريك في الدم يُعتبر ضرورة لتجنب المضاعفات.

أحدث الأبحاث حول النقرس

تتقدم الأبحاث الطبية حول النقرس باستمرار، وقد ظهرت توجهات جديدة تشمل:

• تطوير أدوية بيولوجية تستهدف مسارات الالتهاب بدقة أعلى

• دراسة العلاقة بين النقرس والميكروبيوم المعوي

• البحث في التأثير الوراثي على فعالية الأدوية المختلفة

• تقنيات التشخيص المبكر باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات السريرية

خلاصة

يُعد النقرس مرضًا يمكن التحكم فيه بشكل فعال عند التشخيص المبكر والالتزام بالعلاج وتعديل نمط الحياة. التوعية بأعراضه ومسبباته، والتدخل السريع أثناء النوبات، وتطبيق الإرشادات الوقائية تشكل دعائم أساسية لتقليل معاناة المرضى وتحسين جودة حياتهم.

المصادر

1. Richette P, Bardin T. “Gout.” The Lancet. 2010;375(9711):318-328.

2. Dalbeth N, Merriman TR, Stamp LK. “Gout.” The Lancet. 2016;388(10055):2039-2052.