6 طرق لمعالجة الغيرة عند الأطفال

تُعد الغيرة شعورًا طبيعيًا يمر به الإنسان منذ مراحل الطفولة الأولى، وهي أحد أشكال الانفعالات العاطفية المعقدة التي تظهر نتيجة مقارنات أو منافسة على الاهتمام، أو الحب، أو الموارد، أو المكانة داخل الأسرة أو المجتمع الصغير الذي يعيش فيه الطفل. وعلى الرغم من أن الغيرة تُعد ظاهرة شائعة بين الأطفال، إلا أنها إذا تُركت دون معالجة صحيحة فقد تتفاقم لتتسبب في اضطرابات سلوكية، وانفعالات عدوانية، وتأثيرات سلبية على الصحة النفسية للطفل وتطوره الاجتماعي والعاطفي. من هنا تأتي أهمية فهم جذور الغيرة وأسبابها واتباع طرق علمية وتربوية فعالة لمعالجتها مبكرًا.

في هذا السياق، نُسلّط الضوء على ست طرق فعالة لمعالجة الغيرة عند الأطفال، وهي استراتيجيات قائمة على أبحاث في علم النفس التربوي وتوصيات خبراء التربية وسلوكيات الأطفال. تُمكّن هذه الطرق الوالدين والمربين من التعامل مع هذه المشكلة بوعي ورؤية متوازنة تسهم في بناء شخصية متوازنة للطفل.

أولاً: تعزيز الثقة بالنفس لدى الطفل

تُعد الثقة بالنفس حجر الزاوية في مواجهة مشاعر الغيرة. فالطفل الذي يتمتع بثقة عالية في ذاته يقل احتمال شعوره بالتهديد من الآخرين أو مقارنتهم بنفسه. ولتعزيز هذه الثقة، يجب على الوالدين:

• تقديم الدعم العاطفي الدائم والتقدير اللفظي لإنجازات الطفل مهما كانت صغيرة.

• تشجيعه على اتخاذ قرارات بسيطة وشخصية تتناسب مع عمره لتعزيز الشعور بالاستقلالية والاعتماد على النفس.

• منحه فرصًا لاكتشاف مواهبه وقدراته الخاصة بعيدًا عن المنافسة.

• الابتعاد تمامًا عن النقد السلبي الجارح أو المقارنات المباشرة بينه وبين إخوته أو أقرانه، خاصة في لحظات الإخفاق أو التحديات.

تؤدي هذه الإجراءات إلى بناء هوية مستقلة للطفل، يشعر من خلالها بأنه مميز بما فيه من خصائص، دون الحاجة لمقارنة نفسه بالآخرين أو الشعور بالغيرة منهم.

ثانيًا: غرس مفاهيم العدالة والتوازن في المعاملة بين الأبناء

العدالة في معاملة الأبناء من أكثر العوامل المؤثرة في نشوء أو زوال الغيرة بينهم. عندما يشعر الطفل بأن والديه يتعاملان بعدالة وحيادية، يقل شعوره بالحقد أو الغيرة تجاه إخوته. لتحقيق هذا التوازن، ينبغي:

• توزيع الحب والاهتمام والرعاية بين الأبناء بشكل متوازن، مع مراعاة احتياجات كل طفل حسب مرحلته العمرية وشخصيته.

• تخصيص وقت فردي لكل طفل على حدة مع أحد الوالدين لتعزيز الارتباط العاطفي الفريد معه.

• الابتعاد عن العبارات التفضيلية أو التحقيرية التي تعزز الشعور بالنقص أو الدونية.

• إشراك الأبناء في فهم قرارات الوالدين، خاصة تلك المتعلقة بتوزيع الموارد أو العناية بالأخ الأصغر، من خلال شرح المواقف وتوضيح الأسباب.

تكمن المشكلة أحيانًا في أن العدالة لا تعني المساواة المطلقة، بل تعني مراعاة الفروق الفردية والاحتياجات الخاصة لكل طفل بما يُشعر الجميع بالتقدير والانصاف.

ثالثًا: تنمية مهارات التعبير عن المشاعر والتعامل معها

الغيرة في جوهرها شعور داخلي، وغالبًا ما يعاني الأطفال من صعوبة في التعبير عنها بطرق صحية، ما يدفعهم إلى سلوكيات عدوانية أو انسحابية. لذلك، من المهم أن يتعلم الطفل التعبير عن مشاعره بدلاً من كبتها أو تفريغها بشكل غير مناسب. لتحقيق ذلك:

• يجب تعليم الطفل أسماء المشاعر المختلفة (حزن، غضب، خجل، غيرة، فرح…) من خلال القصص، والرسوم، والمواقف اليومية.

• تقديم نماذج سلوكية من الكبار في التعبير عن المشاعر بطريقة صحية، حيث يتعلم الطفل من خلال التقليد.

• استخدام أساليب مثل الرسم أو اللعب الحر كوسائل لإخراج المشاعر المكبوتة وفهمها.

• تشجيع الطفل على مناقشة مشاعره دون إصدار أحكام عليه أو التقليل من شأن شعوره.

عندما يتقن الطفل التعبير عن مشاعره بالكلمات، يصبح أكثر قدرة على تنظيم انفعالاته، ويقل لديه التوتر الناتج عن الغيرة أو الإحساس بالتهديد.

رابعًا: تشجيع روح التعاون بدلاً من المنافسة

واحدة من أبرز أسباب الغيرة بين الأطفال هي بيئة مليئة بالمنافسة غير الصحية التي تركز على الإنجاز والمقارنة. لعلاج هذا الأمر، لا بد من تحويل العلاقة بين الأطفال من التنافس إلى التعاون، من خلال:

• تشجيعهم على القيام بأنشطة جماعية تعتمد على التعاون بدلاً من الإنجاز الفردي.

• تعليمهم مشاركة الألعاب والمواد الدراسية ومساعدة بعضهم البعض في أداء المهام.

• تقديم الثناء والتقدير عندما يتعاون الأطفال بدلًا من مدحهم فقط عند تحقيقهم لنتائج فردية.

• إظهار الاحترام لكل طفل في العائلة أو الصف وتشجيعهم على احترام اختلافاتهم.

بهذه الطريقة، ينمو شعور الانتماء والتضامن بين الأطفال ويقل الشعور بالمنافسة المفرطة التي تغذي مشاعر الغيرة.

خامسًا: بناء علاقة قوية بين الطفل والوالدين

العلاقة العاطفية القوية بين الطفل ووالديه تخلق أمانًا داخليًا يحميه من الشعور بالغيرة. عندما يشعر الطفل بأن لديه مكانة ثابتة لا تتغير في قلب والديه، يقل تأثره بوجود إخوة أو أطفال آخرين يشاركونه الاهتمام. لتقوية هذه العلاقة:

• يجب تخصيص وقت نوعي يوميًا للتفاعل مع الطفل من خلال اللعب أو الحديث أو القراءة.

• الاستماع الجيد لمشكلات الطفل دون تعجّل أو إسكات، وإظهار التعاطف معه.

• إظهار المودة الجسدية مثل العناق والقبلات والملاطفة التي تخلق رابطة وجدانية عميقة.

• التأكيد المستمر بأن الحب والاهتمام لا يتغيران بتغير الظروف أو أفعال الطفل.

هذه العلاقة المتينة تشكّل درعًا نفسيًا متينًا ضد القلق والغيرة، لأنها تزرع في الطفل يقينًا بأنه محبوب ومقبول دون شروط.

سادسًا: التوجيه التربوي من خلال القصص والأمثلة

يُعد استخدام القصص من أقدم وأفضل الأساليب التربوية لغرس القيم وتصحيح السلوكيات، ومنها الغيرة. فالطفل بطبيعته ينجذب للقصص، ويتفاعل مع أبطالها، ويتعلم من نتائج أفعالهم بطريقة غير مباشرة. لذلك، يمكن استخدام القصص في:

• تقديم نماذج لشخصيات كانت تغار ثم تغير سلوكها وتعلمت القناعة والتسامح.

• رواية قصص عن الأخوة والتعاون والتضامن بين الأقران.

• توظيف القصص الدينية، كقصة يوسف وإخوته، لتوضيح نتائج الغيرة السلبية على الفرد والمجتمع.

• استخدام القصص المصورة والكتب التربوية المخصصة لعمر الطفل لتوسيع إدراكه الاجتماعي والعاطفي.

كما يمكن للوالدين أن يخلقوا قصصًا ترتبط بحياة الطفل نفسه، مع تغيير أسماء الشخصيات، ما يتيح له فهم سلوكه بشكل غير مباشر واكتساب رؤى جديدة.

جدول يوضح الفروق بين مشاعر الغيرة الصحية وغير الصحية عند الأطفال:

الخلاصة

إن معالجة الغيرة عند الأطفال تتطلب وعيًا وتدخلاً تربويًا دقيقًا ومبكرًا. فالطفل لا يمتلك الأدوات النفسية والعقلية الكافية لإدارة هذا الشعور بمفرده، ويحتاج إلى دعم وتوجيه من البالغين لفهم ذاته وعلاقته بالآخرين. عندما تُطبق الأساليب التربوية الصحيحة في التعامل مع الغيرة، لا يقتصر التأثير على إزالة السلوكيات السلبية فحسب، بل يمتد إلى بناء طفل أكثر توازنًا وثقة، وقادر على التفاعل الصحي مع مجتمعه.

المراجع:

1. Piaget, J. (1951). Play, Dreams and Imitation in Childhood. London: Routledge & Kegan Paul.

2. Erikson, E. H. (1963). Childhood and Society. W. W. Norton & Company.