علاج الشقيقة في الطب النبوي
الشقيقة أو الصداع النصفي من الأمراض المزمنة التي تسبب إزعاجاً كبيراً للمصاب بها، حيث تترافق غالبًا مع آلام حادة في أحد شقي الرأس، وقد يصاحبها أعراض مثل الغثيان، والقيء، والتحسس من الضوء أو الأصوات. لقد عُرف هذا الداء منذ القدم، وتناولته كتب الطب القديمة، بما في ذلك الطب النبوي، الذي يشكل جزءًا من التراث الإسلامي الصحي ويستند إلى ما ورد عن النبي محمد ﷺ في علاج الأمراض بالوسائل الطبيعية والمباحة شرعاً.
تعريف الشقيقة من منظور الطب القديم
عرف أطباء المسلمين الأوائل مثل ابن سينا والرازي وابن القيم الشقيقة بأنها نوع من أنواع الصداع الذي يصيب أحد شقي الرأس بسبب اختلالات في المزاج الدموي أو الأخلاط، وقد يكون سببه اضطراب في المعدة أو الكبد أو حتى التعرض للضوء والضجيج. وكانوا يميزون بين الصداع العارض والشقيقة المزمنة التي تعاود المريض على فترات.
الأساس التشخيصي للشقيقة في الطب النبوي
الطب النبوي لا يفصل بين الجسد والروح، ولذلك يُنظر إلى الشقيقة بوصفها مرضًا قد تكون أسبابه عضوية أو نفسية أو روحية. وفي هذا السياق، يُعد التوازن بين الروح والجسد، والابتعاد عن المؤثرات النفسية السلبية، والتطهير الداخلي من الغضب والحقد، أحد سبل الوقاية والعلاج.
ومن أبرز مصادر الطب النبوي في هذا المجال، كتاب “الطب النبوي” لابن القيم الجوزية، حيث تحدث عن أنواع متعددة من الصداع، ومن ضمنها الشقيقة، وذكر لها علاجات مأثورة عن النبي ﷺ.
العلاجات النبوية للشقيقة
1. الحجامة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان رسول الله ﷺ يحتجم إذا اشتكى صداعاً.”
رواه البخاري
الحجامة هي أحد أشهر طرق العلاج في الطب النبوي، وتُعد من العلاجات الرئيسية للشقيقة. ويتم فيها سحب الدم الفاسد من مناطق معينة في الجسم، وغالباً ما تُجرى حجامة الشقيقة على موضع الأخدعين (جانبي الرقبة) أو القمة (وسط الرأس). تعمل الحجامة على تنشيط الدورة الدموية، وتخفيف الضغط داخل الأوعية الدماغية، وتحسين تروية الدم للمخ.
وقد بيّنت العديد من الدراسات الحديثة أثر الحجامة في تقليل تكرار نوبات الشقيقة، وتقليل شدتها، وتحسين جودة الحياة لدى المرضى.
2. السعوط
السعوط هو إدخال دواء أو مادة علاجية من الأنف إلى الدماغ مباشرة. ويُعتبر من العلاجات المستخدمة في الطب النبوي لأمراض الرأس عموماً، بما فيها الشقيقة.
ذكر ابن القيم في كتابه “الطب النبوي” أن السعوط يفيد في حالات الصداع الذي يكون منشأه من أخلاط في المعدة أو الرأس.
يُستخدم السعوط الطبيعي عبر مواد مثل زيت الحبة السوداء، أو السعوط المصنوع من نباتات مثل المَرّ أو القسط الهندي، حيث يُقطر في الأنف أو يُستنشق بجرعات مناسبة.
3. القسط الهندي
قال النبي ﷺ: “عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية…”
رواه البخاري ومسلم
القسط الهندي نبتة عطرية تُستخدم في الطب النبوي كعلاج للعديد من الأمراض. ويُعرف بقدرته على تقوية الجهاز العصبي، وتنظيم الجهاز الهضمي، وطرد الأخلاط الفاسدة. يُستخدم القسط الهندي عن طريق السعوط أو تناوله مع العسل أو الحليب، وقد ثبت أن له خصائص مضادة للالتهابات ومسكنة للآلام.
4. الحبة السوداء
قال رسول الله ﷺ: “في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام.” قالوا: وما السام؟ قال: الموت.
رواه البخاري
الحبة السوداء (حبة البركة) تحتوي على زيوت طيارة ذات خواص مضادة للالتهابات ومسكنة للآلام. يمكن استعمالها لعلاج الشقيقة عن طريق تناول زيت الحبة السوداء مع العسل صباحًا، أو استخدامه في دهان الجبهة والصدغ.
وقد أثبتت بحوث علمية أن مادة “الثيموكينون” الموجودة في الحبة السوداء تُساهم في تقليل الالتهاب في الأوعية الدموية وتساعد على تخفيف نوبات الصداع النصفي.
5. الزنجبيل
على الرغم من عدم ذكر الزنجبيل بشكل صريح في النصوص النبوية، إلا أن العلماء المسلمين أدرجوه ضمن الأعشاب المفيدة، وذُكر في القرآن الكريم:
“وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا”
الإنسان: 17
يعمل الزنجبيل كمضاد طبيعي للالتهاب وموسع للأوعية الدموية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أنه يُخفف من أعراض الشقيقة بفعالية قريبة من بعض الأدوية الكيميائية، خاصةً إذا تم تناوله عند أولى علامات النوبة.
جدول: أهم العلاجات النبوية للشقيقة
| العلاج | طريقة الاستخدام | الفوائد الطبية المكتشفة حديثًا |
|---|---|---|
| الحجامة | على الأخدعين أو وسط الرأس | تنشيط الدورة الدموية، تقليل التوتر العضلي |
| السعوط | إدخال زيت أو مسحوق علاجي من الأنف | علاج الأخلاط، تقوية الدماغ |
| القسط الهندي | سعوط أو شرب أو معجون مع العسل | مضاد التهاب، منظم للهضم، مسكن للألم |
| الحبة السوداء | زيت أو مسحوق مع عسل أو دهان خارجي | مضاد أكسدة، مخفف لنوبات الصداع |
| الزنجبيل | مغلي أو مسحوق أو كبسولات | مضاد التهاب، يُخفف الغثيان المصاحب للشقيقة |
النصائح الوقائية والعلاجية النبوية المرتبطة بالشقيقة
1. الاعتدال في الأكل والشرب
الطب النبوي يؤكد على أن الشبع المفرط أو الجوع الشديد من أسباب اختلال توازن الجسم، مما قد يُسبب نوبات صداع. وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال:
“ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه.”
2. النوم المنتظم
الشقيقة غالبًا ما ترتبط باضطرابات النوم. وقد كان النبي ﷺ يحرص على النوم باكرًا والاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل، وهي من العادات التي تساعد في تنظيم الساعة البيولوجية للجسم.
3. الوضوء والغسل
جاء في بعض الآثار أن من شعر بصداع فليغتسل أو يتوضأ، حيث إن للماء دوراً في التخفيف من التوتر العصبي وتحسين المزاج العام.
رؤية الطب الحديث في دعم العلاجات النبوية
البحوث الطبية المعاصرة بدأت تركز على العلاجات الطبيعية والمكملة لعلاج الشقيقة، ووجدت في بعض الوسائل المذكورة في الطب النبوي دعماً علميًا. على سبيل المثال:
-
الحجامة تقلل من إنتاج المواد الالتهابية المرتبطة بالصداع النصفي مثل السيروتونين والبروستاغلاندين.
-
زيت الحبة السوداء يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل “الثيموكينون” تُساعد على تقليل توتر الأوعية الدموية.
-
القسط الهندي يحتوي على مواد فعالة تساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتسكين الألم.
خاتمة
الطب النبوي يقدم منظومة متكاملة في علاج الأمراض، تقوم على الوقاية والتطهير الجسدي والنفسي والروحي، ويحتوي على عناصر طبيعية أثبتت الدراسات الحديثة فاعليتها، ومنها ما هو مفيد جدًا في تخفيف الشقيقة. ومع ذلك، فإن الاستفادة القصوى من هذه العلاجات تتطلب الفهم العميق لطبيعة المرض، واتباع نمط حياة متوازن يجمع بين الطب النبوي والتقنيات الطبية الحديثة.
المراجع:
-
ابن القيم الجوزية، الطب النبوي.
-
Al-Rahbi RM, Al-Mamari SH, Al-Hinai MA. “The Efficacy of Hijama (Cupping Therapy) in the Management of Migraine.” Complement Ther Clin Pract. 2019.
