أول من حصل على جائزة نوبل: رحلة العلم والتاريخ
تعد جائزة نوبل واحدة من أرقى الجوائز العالمية التي تُمنح سنويًا للأفراد أو المؤسسات التي قدمت إسهامات استثنائية في مجالات متنوعة مثل الفيزياء، الكيمياء، الطب، الأدب، والسلام، وكذلك الاقتصاد. وقد أسس هذه الجائزة الصناعي السويدي ألفريد نوبل، الذي ترك إرثًا عظيمًا بفضل اختراعه للمتفجرات واستخدامها في المجالات الصناعية والعسكرية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، من هو أول شخص حصل على جائزة نوبل؟ وكيف شكل هذا الحدث بداية لعهد جديد في تكريم التفوق البشري؟
نظرة عامة عن جائزة نوبل
تأسست جائزة نوبل في عام 1895، عندما وقع ألفريد نوبل وصيته التي حدد فيها كيفية توزيع ثروته بعد وفاته، وقد نصت وصيته على تخصيص أموالها لتأسيس جوائز سنوية تُمنح للأشخاص الذين قدموا مساهمات بارزة في مجالات الفيزياء، الكيمياء، الطب، الأدب، والسلام. وكان نوبل قد قرر أن تُخصص ثروته للمكافأة على إنجازات علمية وإنسانية ستسهم في تحسين رفاهية البشرية، وكان ذلك بعد أن قرأ تقريرًا صحفيًا خاطئًا نُشر بعد وفاته، والذي وصفه بـ”تاجر الموت” بسبب اختراعه للمتفجرات.
ولكن قبل أن نتعرف على أول شخص حصل على جائزة نوبل، من المهم أن نتساءل عن الظروف التاريخية التي أحاطت بهذه الجائزة في بداياتها، وكيف ساهمت في نقل البشر إلى آفاق جديدة من المعرفة والابتكار.
أول من حصل على جائزة نوبل في الفيزياء
كانت جائزة نوبل الأولى في الفيزياء من نصيب كل من وليام كونراد رنتغن (Wilhelm Conrad Roentgen)، العالم الألماني الذي اكتشف الأشعة السينية في عام 1895. وهو الاكتشاف الذي أحدث ثورة في مجالات الطب والفيزياء، وساهم بشكل مباشر في تطوير التشخيص الطبي، بما في ذلك فحص الأنسجة والعظام. كان هذا الاكتشاف من أعمق وأهم الإنجازات العلمية في ذلك الوقت، بحيث مكّن العلماء من الاطلاع على الأجزاء الداخلية للجسم البشري دون الحاجة إلى الجراحة أو الفحص البشري التقليدي. حصل رنتغن على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1901 تقديرًا لاكتشافه الهام.
كان اختياره رنتغن كأول فائز بجائزة نوبل يعكس التقدير الكبير للابتكارات العلمية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة البشر وتساهم في تقدم الإنسانية. وكان هذا هو الإعلان الأول لجائزة نوبل التي شملت لاحقًا مختلف المجالات.
الأدب والموسيقى والفكر الإنساني
كما أن جائزة نوبل في الأدب كانت قد مُنحت لأول مرة في نفس العام 1901، وكان الفائز بها هو الشاعر الفرنسي سولي برودوم (Sully Prudhomme). وقد منحته الأكاديمية السويدية الجائزة تقديرًا لشعره الذي تميز بالعمق الفلسفي والنزعة الإنسانية. وبذلك أصبحت جائزة نوبل في الأدب واحدة من الجوائز التي تكرم الإبداع الفكري والإنساني، ولم تقتصر على المجال العلمي فقط.
لقد كانت فكرة منح الجائزة للمبدعين في الأدب تأكيدًا على أن نوبل كان يرى أن الأدب والفكر الإبداعي يعدان جزءًا من التقدم الثقافي للبشرية، بنفس أهمية الإنجازات العلمية.
السلام: بداية الأمل والتغيير
أما بالنسبة لجائزة نوبل للسلام، فقد كانت أول من حصل عليها هنري دونان (Henry Dunant)، وهو المؤسس السويسري للصليب الأحمر. حصل دونان على الجائزة في عام 1901 تقديرًا لجهوده في تأسيس منظمة الصليب الأحمر التي لعبت دورًا رئيسيًا في تقديم الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحروب والكوارث. لم يكن من قبيل الصدفة أن يحصل دونان على جائزة نوبل الأولى في السلام، لأن مفهوم السلام والإغاثة الإنسانية كان جزءًا أساسيًا من رؤيته.
أول من حصل على جائزة نوبل في الكيمياء
أما جائزة نوبل في الكيمياء، فكانت من نصيب ماري كوري (Marie Curie)، وهي الكيميائية الشهيرة التي أُعطيت الجائزة في عام 1903، بالاشتراك مع زوجها بيير كوري والعالم هنري بيكريل، وذلك لاكتشافهم الإشعاع الطبيعي. كانت ماري كوري، وهي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، رمزًا من رموز العلم والبحث الدؤوب. وقد كرست حياتها للبحث العلمي وحققت العديد من الإنجازات التي غيرت مجالات الكيمياء والفيزياء للأبد. لكن ماري كوري لم تكتفِ بالجائزة الأولى، بل حصلت لاحقًا على جائزة نوبل ثانية في الكيمياء في عام 1911، مما يجعلها واحدة من أعظم العلماء في التاريخ.
الطب: نقطة تحول في العلاج
وفي مجال الطب، كانت جائزة نوبل لأول مرة من نصيب إيميل فون بيهرينغ (Emil von Behring) في عام 1901، وذلك لاكتشافه طرقًا جديدة في علاج التسمم الدموي الناتج عن مرض الدفتيريا. هذا الاكتشاف كان حجر الزاوية في تطوير العلاج المناعي، الذي كان له دور كبير في إنقاذ حياة الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وقد ساهمت هذه الإنجازات في فتح آفاق جديدة للطب الحديث في مجال الوقاية والعلاج، وأدى هذا الاكتشاف إلى تطوير العديد من العلاجات الأخرى ضد الأمراض المختلفة.
إرث جائزة نوبل وتطورها عبر الزمن
منذ أول دورة لها في عام 1901 وحتى يومنا هذا، استمرت جائزة نوبل في إلهام العديد من العلماء والمفكرين في جميع أنحاء العالم. وقد تطورت مع مرور الوقت لتشمل أيضًا جائزة نوبل في الاقتصاد التي تم إضافتها في عام 1968، والتي أصبحت منذ ذلك الحين واحدة من أبرز الجوائز التي تُمنح في مجال الاقتصاد.
لقد كان منح الجائزة في البداية للعلماء والمبدعين في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام بمثابة إعلان قوي عن أهمية الجهد البشري في تحسين حياة البشر والمجتمع. وعُرفت هذه الجائزة بأنها تشجع على البحث والتطوير، وتحث العلماء والمبدعين على بذل المزيد من الجهود في تقدم البشرية.
إن اختيار أول من حصل على جائزة نوبل في كل مجال يعكس البدايات الهامة التي مرت بها العلوم والفنون، كما يعكس التقدير الكبير للإنجازات التي غيرت مجرى التاريخ. وكانت تلك بداية فقط لعهد من التقدير العالمي للأفراد الذين أحدثوا فرقًا حقيقيًا في مجالاتهم. وقد ساعدت الجائزة في تحفيز العديد من الأفراد والمؤسسات للاستمرار في البحث والعمل بلا كلل من أجل تقدم الإنسانية.
خاتمة
جائزة نوبل ليست مجرد تكريم للأفراد المبدعين، بل هي رمز للإنجازات الإنسانية التي تلعب دورًا أساسيًا في تقدم الحضارة. أول من حصل على هذه الجائزة كان بمثابة بداية لعهد جديد من الاحتفاء بالعقول التي شكلت تاريخ البشرية. وكل فائز بها يُعتبر رمزًا للتفاني في خدمة العلم، الإنسان، والسلام، مما يجعل جائزة نوبل أكثر من مجرد جائزة، بل هي شهادة على قدرة الإنسان على تغيير العالم من خلال المعرفة والعمل الجاد.
