تعريف سورة الملك
سورة الملك هي السورة السابعة والستون في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي سورة مكية، أي نزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة. تتألف السورة من 30 آية، وهي واحدة من السور التي تحمل في طياتها معاني عظيمة وقيماً عظيمة تؤكد على عظمة الله سبحانه وتعالى وتبجيله، كما تتطرق إلى عدد من القضايا الإيمانية والوجودية التي تساهم في تعزيز الإيمان بالله وعمق تعلق المسلم به.
تعد سورة الملك من السور التي يوصى بقراءتها بشكل دوري، سواء في الصلوات اليومية أو كورد تقرؤه القلوب الباحثة عن الطمأنينة والسلام الداخلي. فهي من السور التي تجعل المؤمن يقف طويلاً أمام عظمة الخلق، إذ تُظهر قدرة الله التي لا حدود لها، وتحث على التفكر في هذا الكون الواسع وتدبر ما يحتويه من أسرار وآيات تدل على عظمة الخالق.
أولاً: محتوى السورة وأهدافها
تبدأ سورة الملك بالآية الشهيرة: “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الملك: 1)، وهذه الآية تفتتح السورة بتأكيد عظمة الله تعالى وملكه المطلق الذي ليس له شريك في ملكه ولا في تدبيره. وفي هذه السورة، يتطرق القرآن الكريم إلى فكرة الملكية والقدرة المطلقة لله عز وجل على الكون، حيث أن الله هو الذي يملك كل شيء، ومن ثم فهو وحده صاحب الحق في تدبير أمور السماوات والأرض وما بينهما.
وتركز السورة على تعريف الإنسان بنعم الله التي لا تحصى، بداية من خلق السماوات والأرض، ومرورًا بالحياة والموت، وصولاً إلى التذكير بوجود اليوم الآخر وعاقبة الذين يعرضون عن الإيمان ويستكبرون عن الاعتراف بتوحيد الله.
واحدة من السمات البارزة لهذه السورة هي الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق كل شيء وفقاً لحكمة بديعة، وأنه يملك القدرة على إحياء الموتى، والتحكم في مصائرهم يوم القيامة. وتؤكد السورة على أن الحياة والموت ليسا إلا جزءًا من اختبار الإنسان في هذه الدنيا.
ثانياً: أهمية السورة وفضل قراءتها
من المعروف في الحديث النبوي الشريف أن سورة الملك لها فضل عظيم. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنَّ سورةً مِنَ القرآنِ ثلاثينَ آيةً خاصَمَتْ عن صاحبِها حتَّى يُغفَرَ له، وهي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ” (رواه الترمذي). من هذا الحديث نستدل على أن سورة الملك تملك قدرة على التوسط لصاحبها، وكأنها تتحدى القلوب الضالة لتعود إلى الله وتستغفره، وهو ما يجعل من قراءتها بشكل منتظم أمراً ذا فائدة عظيمة في حياة المسلم.
وقد اعتادت بعض الأحاديث على وصفها بأنها من السور التي تحمي المسلم من عذاب القبر، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأها ليلاً في فراشه قبل النوم، لذلك فإن قراءتها قبل النوم تُعتبر من السنن النبوية المستحبة.
ثالثاً: الدروس المستفادة من سورة الملك
-
إقرار التوحيد والإيمان بالملكية المطلقة لله:
السورة تبدأ بتسبيح لله وتقر بأن ملكه لا حدود له. يُعلم المسلم من خلالها أن الله هو الحاكم المتصرف في كل شيء، وأنه سبحانه يملك كل شيء في السماء والأرض وما بينهما. وقد يتأمل المسلم في هذه الآية لكي يعزز إيمانه بأن الله هو المدبر الوحيد لهذا الكون، فلا ملك سواه. -
التأمل في الكون والحياة:
السورة تذكر بأن الكون بأسره هو ملك لله، وأنه سبحانه خلق هذا الكون بعناية، وما من شيء فيه إلا وهو يسير وفق حكمة بالغة. من خلال هذه الإشارة، يدعو القرآن الكريم الإنسان إلى التفكر في هذا الكون الواسع، وفي مخلوقاته من نجوم وكواكب وسموات وأرض. -
التذكير بالآخرة:
لا تقتصر السورة على تأكيد قدرة الله في خلق الأرض والسماوات، بل تشمل كذلك تذكيرًا بالآخرة حيث تُشدد على حقيقة الحساب والعقاب. وتتناول السورة مصير المجرمين الذين ينكرون توحيد الله والآخرة، فيقول تعالى: “وَقَالُوا۟ إِذَا فَنِيتْنَا فِى ٱلْأَرْضِ أَفَإِنَّا لَفِى خَلْقٍۢ جَدِيدٍۢ” (الملك: 20)، ليكون هذا التذكير دعوة للإنسان للتوبة والاستغفار. -
الاعتبار بعاقبة الكافرين:
من خلال تصوير عذاب الكافرين في الآخرة، يتعلم المؤمن من سورة الملك أهمية أن يتحلى بالإيمان والعمل الصالح، ويُحذر من عاقبة المكذبين الذين يتنكرون لعظمة الله ويكفرون به. -
التدبر في حقيقة الحياة والموت:
السورة تتحدث عن الموت والحياة وتوضح أنهما جزء من اختبار الإنسان، وأن الله هو الذي يحيي ويميت وفقًا لحكمته. هذه الحقيقة تؤكد أن الموت ليس نهاية، بل هو بداية لحياة أخرى حيث يتم الجزاء. -
تعزيز الإيمان بالله:
السورة تُعد واحدة من أروع السور التي تعزز في قلب المؤمن الإيمان بالله من خلال رؤية عظمة قدرته في خلق الكون، ومن خلال الحديث عن الأمور التي تتعلق بالغيب، مثل الحياة والموت والآخرة، مما يزيد الإيمان بالله تعالى ويجعله أكثر يقينًا واطمئنانًا.
رابعاً: الخصائص البيانية والبلاغية لسورة الملك
تتمتع سورة الملك بأسلوب بلاغي رفيع يبرز بشكل جلي في تصوير مشاهد الكون وكيفية تكوينه، إضافة إلى استخدام أساليب من التنوع في الألفاظ والتراكيب. وقد تم استخدام أسلوب الاستفهام في بعض الآيات، مثل قوله تعالى: “أَمْ مَن يَكُوۤنُ جُنُودَكُمْۖ إِنْ لَمْ يُغْنِكُمْ” (الملك: 23)، وهو أسلوب يهدف إلى تعزيز الفكرة الإيمانية في ذهن القارئ بأن الله هو الذي يملك كل شيء، وبالتالي هو الوحيد القادر على كل شيء.
كما أن السورة تضمنت الإطناب، وهو أمر يعكس حرص القرآن الكريم على توضيح عظمة الله في تفاصيل دقيقة، مما يجعل السورة أكثر تأثيرًا في نفس المؤمن ويحثه على التأمل والتفكير.
خامساً: مواقف السورة في حياة المسلم
إن من فوائد سورة الملك أنها تذكر المسلم بأن الحياة التي يعيشها في هذه الدنيا هي حياة مؤقتة، وأن الله هو الذي خلقه وأمده بالحياة، وأنه سيحاسبه على أعماله في يوم القيامة. وهذه الرسالة تعزز لدى المسلم الشعور بالمسؤولية تجاه تصرفاته وأفعاله.
ومن ناحية أخرى، فإن السورة تجعل المسلم في حالة من السكون والطمأنينة، حيث تذكره بأن الله هو المتصرف في الكون كله وأنه ليس في حاجة إلى أي أحد آخر. وقد أوصى علماء الإسلام بقراءتها بشكل يومي، لتكون في قلب المسلم تذكيرًا دائمًا بعظمة الله وملكوت السماوات والأرض.
الخاتمة
تعتبر سورة الملك من السور التي تحمل في طياتها العديد من المعاني العميقة التي تدعو إلى التأمل والتفكير في قدرة الله تعالى وعظمته. كما أنها تذكر المسلم بمسؤولياته في هذه الحياة وتحثه على التفكر في خلق الله وأفعاله، مما يعزز الإيمان بالله ويزيد من التقوى.
