عظمة الله في الكون والحياة

عظمة الله سبحانه وتعالى في الكون والحياة

إن الحديث عن عظمة الله سبحانه وتعالى ليس بالأمر الهين، فكيف يمكن للإنسان أن يحيط بعظمة خالق الكون والمجرات وكل ما في السموات والأرض؟ كيف له أن يفهم حقيقة الجمال والإبداع في خلق الله، والقدرة التي لا تحد في تدبيره للمخلوقات؟ إن عظمة الله لا تُقاس، ولا يمكن للكلمات مهما كانت أن تلمس جزءًا بسيطًا منها. لكن، رغم عجزنا البشري عن الإحاطة بكل جوانب عظمته، فإننا نستطيع أن نتأمل في آيات الله في الكون والحياة، وأن نغرف من بحر معاني عظمته اللامحدودة.

مفهوم عظمة الله في الإسلام

عظمة الله سبحانه وتعالى تعني قدرته التي لا يعجز عنها شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعادلها أي قوة في الكون. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الزمر: 67). وهذا يعني أن الناس مهما بلغت معرفتهم، فإنهم لن يستطيعوا أن يقدروا قدرة الله كما هي في حقيقتها، لأن الله فائقٌ عن إدراك العقول، متعالي عن تصورات البشر.

عظمة الله تأتي من كونه خالقًا ومُدبرًا، ليس فقط للكون بما يحتويه من كواكب ونجوم وأجرام سماوية، بل أيضًا لجميع الكائنات الحية، بدءًا من أصغر الكائنات الدقيقة إلى أعظمها في الحجم والعقل. إنه الذي منح الحياة لكل كائن حي، وهو الذي يمد كل شيء بمدد لا ينفد.

عظمة الله في خلق الكون

خلق الله سبحانه وتعالى الكون في أبهى صورته وأعظم تجلياته، وقد أثبت العلم الحديث عظمة هذا الخلق. الكون، بما يحتويه من مليارات المجرات والكواكب، لا يزال أكبر مما يمكننا أن نتصور أو نرى. في القرآن الكريم، يذكر الله سبحانه وتعالى عن عظمة خلقه وتدبيره للأمور: “الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ” (الأعراف: 54).

عندما نتأمل في الأجرام السماوية، نجد أن كل نجم وكل كوكب في السماء له وظيفة محددة، وتدور في مسارات معينة بدقة متناهية لا يمكن أن تحدث بالصدفة. النظام الكوني بأسره مدهش ومبهر، وهو يشهد على عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه، الذي جعل هذه الأجرام تعمل في تناغم مذهل دون أن يحدث أي تعارض أو خلل.

الأنظمة السماوية، مثل المد والجزر، وتعاقب الليل والنهار، وتحركات الكواكب، والشمس التي تمد الأرض بالحياة من خلال الضوء والطاقة، كلها أمور تبرز عظمة الله تعالى في خلقه وترتيبه.

عظمة الله في خلق الإنسان

من أعظم دلائل عظمة الله سبحانه وتعالى هو خلق الإنسان نفسه. فقد خلقه في أحسن تقويم، وكرمه وأعطاه نعمة العقل الذي يُمكّنه من التفكير والتدبر. كما جعل الله لكل عضو في جسم الإنسان وظيفة خاصة، يتم من خلالها تيسير حياة الإنسان، فتجد في كل خلية في جسمه بل وفي كل ذرة حكمة وغاية لا تدرك إلا بتأمل عميق.

من الناحية البيولوجية، يمكننا ملاحظة عظمة الله في خلق الجهاز العصبي الذي ينسق بين جميع أجزاء الجسم، وأيضًا في النظام الدقيق الذي يعمل به جهاز التنفس، أو نظام الهضم، أو جهاز المناعة. فكل جزء في جسم الإنسان يعمل بتنسيق تام، مما يجعل الإنسان قادرًا على أداء مهامه اليومية دون أن يشعر بالتعقيدات الدقيقة التي تحدث في جسده.

الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان القدرة على الإبداع والعلم، فأرسل له الرسل والكتب السماوية لتكون هداية له في الحياة. وفي القرآن الكريم، يقول الله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الإسراء: 70)، هذه الكرامة هي تكريم من الله لعباده بأن منحهم العقل والتفكير، ومنحهم النعمة الكبرى بالتوحيد والهداية.

عظمة الله في علمه اللامحدود

من أبرز مظاهر عظمة الله هو علمه الذي لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء. الله سبحانه وتعالى يعلم ما في السماوات وما في الأرض، يعلم ما في القلوب وما تنطوي عليه النفوس، ويعلم ما سيكون وما قد كان. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (آل عمران: 18).

عندما نتأمل في الكون من حولنا، نجد أن الله قد أحاط بكل شيء علمًا. ليس هناك شيء يحدث في هذا الكون إلا وهو في علم الله وتقديره، حتى في الحركات الدقيقة التي قد تبدو لنا عشوائية أو غير مرتبطة، نجد أن الله قد قدر لها مواعيد وأسبابًا لا تُخطئ.

عظمته في علمه لا تقتصر على الماضي والحاضر، بل تمتد أيضًا إلى المستقبل. فما من شيء سيحدث في الكون إلا وقد علمه الله وكتبه في لوحه المحفوظ. هذه العظمة تجلب للإنسان المؤمن الطمأنينة والسكينة، لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى يدبر أمره، وأن كل شيء في الحياة هو بتقدير من الله.

عظمة الله في رحمته وغفرانه

من أسمائه الحسنى التي تعكس عظمته، اسم “الرحمن” و**”الرحيم”**، وهما يشيران إلى رحمته التي لا تُحَد، والتي تشمل كل شيء في الحياة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (الأعراف: 156). هذه الرحمة التي تجلت في خلق الإنسان، وفي إرسال الرسل والأنبياء، وفي القرآن الكريم، وفي هدايته للناس، وفي تيسير السبل لهم.

الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب ويعفو عن الخطايا، بل ويعطي الفرصة للإنسان كي يعود إليه، مهما كان كثرة ذنوبه. هذه الرحمة هي من أعظم مظاهر عظمة الله، لأنها توفر للمؤمن الأمل في المغفرة والرحمة حتى بعد ارتكاب الأخطاء والذنوب. فالله لا ييأس من عباده، بل يظل يفتح لهم أبواب التوبة حتى آخر لحظة في حياتهم.

عظمة الله في تدبيره لكل شيء

تدبير الله للكون هو مثال على عظمته اللامحدودة. فكل شيء في هذا الكون يعمل وفق خطة محكمة لا تتخلف. الحياة والموت، الليل والنهار، المطر والرياح، كل شيء يحدث بتقدير الله. يقول الله تعالى في كتابه: “إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ” (إبراهيم: 27).

من خلال هذه التدابير العظيمة، يُظهر الله للإنسان أن كل شيء في الحياة مرهون بإرادته وتقديره. الإنسان لا يستطيع أن يغير من قدره إلا من خلال اتباع منهج الله وطاعته، وعندما يتحقق هذا الأمر، يظهر تدبير الله للإنسان في أسمى صورته.