عدد كريات الدم البيضاء والسرطان

عدد كريات الدم البيضاء عند مرضى السرطان: تحليل شامل وتأثيره على الصحة

تعد كريات الدم البيضاء جزءاً مهماً من الجهاز المناعي في جسم الإنسان، حيث تلعب دوراً حيوياً في الدفاع عن الجسم ضد الأمراض والعدوى. يتراوح عدد كريات الدم البيضاء في الجسم بشكل طبيعي بين 4,000 و11,000 خلية لكل ميكرولتر من الدم. ولكن عند مرضى السرطان، قد يتغير هذا العدد بشكل ملحوظ نتيجة لتأثيرات السرطان نفسه، أو بسبب العلاج الذي يتلقونه، مثل العلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي. في هذا المقال، سنناقش بالتفصيل كيف يؤثر السرطان على عدد كريات الدم البيضاء، وكيف يتغير هذا العدد خلال مراحل المرض والعلاج، وأثر هذه التغيرات على صحة المريض.

1. تعريف كريات الدم البيضاء وأهميتها

تعد كريات الدم البيضاء (أو اللوكوسايتات) أحد مكونات الدم التي تساعد في محاربة العدوى والأمراض. توجد عدة أنواع من كريات الدم البيضاء، وكل نوع منها يقوم بوظيفة محددة في الجسم. ومن أهم أنواع كريات الدم البيضاء:

• العدلات (Neutrophils): تلعب دوراً رئيسياً في محاربة البكتيريا والفطريات.

• اللمفاويات (Lymphocytes): تشمل الخلايا التائية والخلايا البائية، وهما مهمتان في الاستجابة المناعية.

• الخلايا الوحيدة (Monocytes): تتحول إلى خلايا بلعمية تساعد في محاربة العدوى.

• الحمضات (Eosinophils): تشارك في ردود الفعل التحسسية ومحاربة الطفيليات.

• القعدات (Basophils): تلعب دوراً في ردود الفعل التحسسية والالتهابية.

كل نوع من هذه الخلايا يؤدي دوراً محدداً في الحفاظ على صحة الجسم، ويعتمد الجسم في تأدية هذا الدور على وجود عدد كافٍ من هذه الخلايا في الدم.

2. تأثير السرطان على عدد كريات الدم البيضاء

السرطان هو مجموعة من الأمراض التي تتسم بنمو خلايا غير طبيعي وغير منضبط. يعتمد تأثير السرطان على عدد كريات الدم البيضاء على نوع السرطان ومكانه، بالإضافة إلى المرحلة التي وصل إليها المرض. يمكن للسرطان أن يؤثر على عدد كريات الدم البيضاء بعدة طرق:

أ. التأثير المباشر للسرطان على نخاع العظم

نخاع العظم هو المكان الذي يتم فيه إنتاج جميع خلايا الدم، بما في ذلك كريات الدم البيضاء. في بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان الغدد الليمفاوية (اللمفوما)، قد يتعرض نخاع العظم للتأثير المباشر بسبب انتشار الخلايا السرطانية، مما يقلل من قدرة الجسم على إنتاج كريات الدم البيضاء بشكل كافٍ.

ب. تأثير الأورام الصلبة

في حالات السرطانات الصلبة مثل سرطان الثدي، الرئة، أو القولون، قد لا تتأثر خلايا الدم البيضاء بشكل مباشر إلا إذا انتشرت الأورام إلى نخاع العظم أو الجهاز الليمفاوي. ومع ذلك، يمكن أن تحدث بعض التغيرات في الأعداد بسبب التأثيرات غير المباشرة، مثل الالتهابات أو الاستجابة المناعية التي تحدث استجابة للورم.

ج. التغيرات في عدد كريات الدم البيضاء نتيجة للعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي

تُعد العلاجات الكيميائية والإشعاعية من الطرق الرئيسية لعلاج السرطان، لكن لها تأثيرات جانبية متعددة على الجسم، ومن بينها تأثيرها على خلايا الدم. العلاج الكيميائي يعمل على تدمير الخلايا السريعة الانقسام، ومنها خلايا السرطان، ولكنه لا يميز بين الخلايا السرطانية والخلايا السليمة. بما أن كريات الدم البيضاء هي خلايا سريعة الانقسام، فإنها تتأثر بشدة أثناء العلاج الكيميائي.

العلاج الإشعاعي، من جانبه، يمكن أن يؤثر على نخاع العظم أيضاً، مما يؤدي إلى انخفاض في إنتاج كريات الدم البيضاء. هذه التغيرات يمكن أن تسبب انخفاضاً كبيراً في عدد كريات الدم البيضاء، مما يزيد من خطر العدوى والأمراض الأخرى التي قد تصيب المريض.

3. أنواع انخفاض عدد كريات الدم البيضاء

هناك نوعان رئيسيان من انخفاض عدد كريات الدم البيضاء يمكن أن يحدثان عند مرضى السرطان:

أ. قلة الكريات البيض (Leukopenia)

هي حالة يكون فيها عدد كريات الدم البيضاء أقل من المعدل الطبيعي. يمكن أن تحدث بسبب تأثير السرطان أو بسبب الآثار الجانبية للعلاج. إذا كان انخفاض عدد كريات الدم البيضاء شديداً، فإن الشخص يصبح أكثر عرضة للإصابة بالعدوى. قلة الكريات البيض قد تكون قصيرة الأمد أو مستمرة، حسب نوع العلاج الذي يتلقاه المريض.

ب. قلة العدلات (Neutropenia)

هي نوع خاص من انخفاض عدد كريات الدم البيضاء، حيث ينخفض عدد العدلات (النوع الأكثر وفرة من خلايا الدم البيضاء). قلة العدلات تعتبر من المضاعفات الشائعة لعلاج السرطان، وخاصة العلاج الكيميائي. هذا الانخفاض يزيد من خطر الإصابة بعدوى بكتيرية وفطرية.

4. أعراض انخفاض عدد كريات الدم البيضاء في مرضى السرطان

عندما ينخفض عدد كريات الدم البيضاء عند مرضى السرطان، قد لا تظهر أعراض واضحة في البداية. ولكن مع تدهور الحالة، قد يعاني المريض من أعراض مثل:

• ارتفاع درجة الحرارة (الحُمّى) دون سبب واضح.

• التعرق الليلي.

• آلام في الجسم.

• سعال أو التهاب في الحلق.

• شعور بالإرهاق العام أو الضعف.

• التهابات متكررة أو صعوبة في التعافي من التهابات صغيرة.

إذا لاحظ المريض أي من هذه الأعراض، فإنه يجب عليه استشارة الطبيب فوراً لتجنب حدوث مضاعفات خطيرة.

5. إدارة انخفاض عدد كريات الدم البيضاء عند مرضى السرطان

إدارة انخفاض عدد كريات الدم البيضاء في مرضى السرطان تتطلب اهتماماً خاصاً. يمكن للطبيب أن يتخذ عدة تدابير لعلاج هذه المشكلة والوقاية من مضاعفاتها:

أ. استخدام عوامل تحفيز الكريات البيض

يتم استخدام أدوية تعرف باسم عوامل تحفيز الكريات البيض (مثل G-CSF أو GM-CSF) لتحفيز نخاع العظم على إنتاج المزيد من كريات الدم البيضاء. هذه الأدوية قد تساعد على تقليل خطر الإصابة بالعدوى.

ب. تعديل جرعات العلاج الكيميائي

في بعض الحالات، قد يتم تقليل جرعات العلاج الكيميائي أو تأجيل الجلسات لتقليل تأثيره على نخاع العظم، وبالتالي على عدد كريات الدم البيضاء.

ج. الوقاية من العدوى

نظرًا لأن مرضى السرطان الذين يعانون من انخفاض عدد كريات الدم البيضاء يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، يتم اتخاذ إجراءات وقائية مثل إعطاء المضادات الحيوية أو المضادات الفيروسية واللقاحات.

6. تأثير عدد كريات الدم البيضاء على نتائج العلاج

يتأثر نجاح العلاج السرطاني بشكل كبير بعدد كريات الدم البيضاء في جسم المريض. في بعض الحالات، قد يتسبب انخفاض عدد هذه الخلايا في تأخير العلاج أو تقليل فعاليته، خاصة في حالات العلاج الكيميائي، حيث تكون العدوى أحد أكبر المخاطر التي قد تؤثر على قدرة المريض على إكمال العلاج بشكل فعال.

خاتمة

يعد عدد كريات الدم البيضاء عند مرضى السرطان مؤشراً مهماً على صحة المريض واستجابته للعلاج. من خلال فهم العلاقة بين السرطان وعدد كريات الدم البيضاء، يمكن للأطباء اتخاذ تدابير وقائية وعلاجية لتحسين النتائج الصحية وتقليل المضاعفات. يتطلب الأمر مراقبة دقيقة لحالة المريض، وتقديم الرعاية المناسبة في الوقت المناسب لضمان أفضل فرص للشفاء والتعافي.