عدد ضروس العقل ومشاكلها

عدد ضروس العقل وأهميتها ومشاكلها الصحية

يُعدّ ضرس العقل أحد أهم وأشهر الأضراس التي يملكها الإنسان، ليس فقط من حيث موقعه في الفم، بل لما يثيره من جدل واسع في ميادين الطب والأسنان، نظرًا لما يسببه من مضاعفات وآلام ومشكلات لدى نسبة كبيرة من الناس. رغم كونه جزءًا طبيعيًا من تركيبة الفم، فإن تطوره وتوقيته وظهوره يختلف عن باقي الأسنان، مما يجعله محطّ اهتمام خاص في الدراسات السنية. يتناول هذا المقال بالتفصيل عدد ضروس العقل في فم الإنسان، مكوناتها، وظائفها المحتملة، التحديات الطبية المرتبطة بها، والعلاجات المقترحة للتعامل مع مشاكلها.

أولاً: ما هو ضرس العقل؟

ضرس العقل (Third Molar) هو الضرس الثالث والأخير في كل رُبع من الفم، ويقع في الزاوية الخلفية من الفكين العلوي والسفلي. يُسمى “ضرس العقل” لأنه يظهر عادة في فترة متأخرة من عمر الإنسان، غالبًا بين سن 17 و25 عامًا، وهي المرحلة التي يفترض فيها أن يكون الشخص قد بلغ درجة من النضج العقلي.

ينتمي ضرس العقل إلى مجموعة الأسنان الدائمة، ويظهر بعد جميع الأسنان الأخرى. ويُعدّ بقايا تطورية من العصور القديمة عندما كان الإنسان يحتاج إلى مزيد من الطواحن لمضغ الأطعمة النيئة والقاسية، كالجذور واللحوم غير المطبوخة. مع تطور العادات الغذائية والأدوات المستخدمة في تقطيع الطعام وطهوه، لم يعد ضرس العقل ضرورياً بالقدر الذي كان عليه في السابق.

ثانياً: كم عدد ضروس العقل؟

العدد الطبيعي لضروس العقل لدى الإنسان هو أربعة ضروس، ضرس في كل زاوية من الفم:

لكن هذا العدد يمكن أن يختلف من شخص لآخر نتيجة لعوامل وراثية أو تطورية أو بيئية، حيث أن بعض الأشخاص قد يمتلكون:

• ثلاثة ضروس عقل فقط: قد لا ينمو أحد الضروس لأسباب وراثية أو لنقص في المساحة داخل الفك.

• ضرسين فقط: وهي حالة شائعة في بعض الأعراق.

• ضرس عقل واحد: وهي حالة نادرة.

• عدم وجود أي ضرس عقل: وتُعرف هذه الحالة بـ “فقدان ضرس العقل الخَلقي”، أي أن الشخص يولد بدون أن تكون لديه البذور الجنينة لهذا الضرس.

ثالثاً: توقيت بروز ضروس العقل

عادة ما تبدأ ضروس العقل بالظهور في الفئة العمرية ما بين 17 إلى 25 سنة. لكن قد يختلف هذا التوقيت، إذ أن بعض الأشخاص قد يظهر لديهم الضرس في سن متأخرة جدًا، وحتى بعد الثلاثين، بينما آخرون قد لا يظهر لديهم إطلاقًا. ويمكن تقسيم مراحل بروز ضرس العقل إلى ما يلي:

1. المرحلة الجنينة: حيث تبدأ البراعم الجنينية للضرس بالتكون داخل الفك خلال الطفولة المبكرة.

2. مرحلة النمو البطيء: تبدأ جذور الضرس في التشكل أثناء المراهقة.

3. مرحلة الظهور: يحدث فيها اختراق الضرس للثة وظهوره في الفم.

4. مرحلة الانطمار: إذا لم يجد الضرس مساحة كافية للخروج، يظل منطمراً كليًا أو جزئيًا داخل العظم.

رابعاً: ضرس العقل بين التطور والضمور

من وجهة نظر تطورية، يمثل ضرس العقل أحد الأمثلة البارزة على ما يُعرف بـ “الأعضاء الأثرية”، وهي الأعضاء التي لم تعد تلعب دورًا أساسيًا في الجسم. ففي الماضي، كان لدى الإنسان القديم فكّ أكبر بسبب حاجته إلى مضغ أطعمة خشنة غير مطهية، وكان ضرس العقل يساهم في هذا النشاط الحيوي. لكن مع التحول إلى نظام غذائي مطهو وأقل خشونة، بدأ حجم الفك البشري في التقلص تدريجيًا عبر الأجيال، مما جعل المساحة المتوفرة لضرس العقل ضئيلة، وأدى إلى انطمار هذه الضروس في كثير من الحالات.

خامساً: المضاعفات الصحية المرتبطة بضرس العقل

رغم أن ضرس العقل قد يظهر في بعض الحالات بشكل طبيعي دون أية مشاكل، فإن ظهوره يكون في أغلب الأحيان مصحوبًا بمضاعفات طبية، نظراً لغياب المساحة الكافية في الفك. وأبرز هذه المشكلات تشمل:

1. الانطمار الكلي أو الجزئي

يحدث عندما لا يتمكن الضرس من الخروج كليًا من العظم أو اللثة، مما يسبب ضغطًا على الأسنان المجاورة أو يؤدي إلى التهابات.

2. العدوى والتهابات اللثة

عندما يظهر الضرس جزئيًا فقط، قد تتراكم البكتيريا والطعام في المنطقة المغطاة باللثة، مسببة التهابات تُعرف باسم “التهاب اللثة حول ضرس العقل” (Pericoronitis).

3. تسوس الأسنان المجاورة

قد يؤدي ضرس العقل المنطمر إلى تجمع بقايا الطعام والميكروبات حول الضرس الثاني، مما يزيد خطر التسوس في الضروس المجاورة.

4. الكيسات والأورام

في بعض الحالات النادرة، قد يتكون كيس حول ضرس العقل المنطمر، وهذا الكيس يمكن أن يتوسع ويؤثر على العظم المحيط، وحتى يؤدي إلى تحلل العظم أو تطور أورام حميدة.

5. ألم الفك والصداع

قد يتسبب الضغط الناتج عن ضرس العقل في آلام حادة أو مزمنة في الفك، وأحيانًا يمتد الألم إلى الأذن أو الرقبة أو الرأس.

سادساً: تشخيص مشاكل ضرس العقل

يعتمد التشخيص على الفحص السريري بالإضافة إلى التصوير الشعاعي. وتُستخدم صور الأشعة البانورامية (Panoramic X-ray) لتحديد موقع الضرس، ومدى انطماسه، وعلاقته بالأعصاب المجاورة والعظم. من خلال هذه الصور، يستطيع الطبيب تحديد ما إذا كانت هناك حاجة لإزالة الضرس أو الاكتفاء بالمراقبة الدورية.

سابعاً: علاج ومتابعة ضروس العقل

العلاج يتنوع حسب حالة الضرس والمضاعفات المصاحبة له. ويمكن أن يشمل:

1. الإزالة الجراحية

وهي الإجراء الأكثر شيوعًا في حالة الضروس المنطمرة أو تلك التي تسبب مشاكل مستمرة. وتُجرى تحت تخدير موضعي أو كلي، حسب تعقيد الحالة.

2. المتابعة والمراقبة

في بعض الحالات، يفضل الطبيب ترك الضرس في مكانه إذا لم يكن هناك أي أعراض أو مخاطر، خاصة إذا كان منطمراً كليًا داخل العظم ولا يسبب مشاكل.

3. العلاج الدوائي

يشمل وصف مضادات حيوية ومسكنات للسيطرة على الالتهابات والألم في حالات التهاب اللثة أو العدوى.

ثامناً: الوقاية والرعاية الصحية لضروس العقل

من الضروري الاهتمام بصحة الفم والأسنان لتقليل خطر المضاعفات المرتبطة بضرس العقل. وتشمل طرق الوقاية:

• تنظيف الأسنان مرتين يوميًا بالفرشاة والمعجون.

• استخدام الخيط الطبي لإزالة بقايا الطعام بين الأسنان.

• الغرغرة بالمطهرات الفموية المضادة للبكتيريا.

• زيارة طبيب الأسنان بشكل دوري لمراقبة حالة الضروس وظهورها.

تاسعاً: الجدول الزمني لتطور ضروس العقل

يوضح الجدول التالي المراحل النموذجية لنمو ضروس العقل:

عاشراً: الفروق الفردية في عدد ضروس العقل

أشارت دراسات سكانية وجينية إلى أن عدد ضروس العقل قد يختلف باختلاف الأعراق والمناطق الجغرافية. فعلى سبيل المثال:

• سكان شرق آسيا أكثر عرضة لغياب ضرس أو أكثر من ضروس العقل.

• الأوروبيون والأفارقة غالبًا ما يمتلكون الأربعة كاملة.

• بعض الأشخاص قد تظهر لديهم ضروس عقل زائدة تُعرف باسم “الضروس الفائضة”، وهي نادرة جدًا.

الخلاصة

عدد ضروس العقل في الفم عادةً ما يكون أربعة، موزعة بالتساوي على الفكين. لكن هذا العدد قد يتفاوت تبعًا لعوامل جينية وبيئية. وعلى الرغم من كون هذه الضروس جزءًا طبيعيًا من تركيب الأسنان، إلا أنها ترتبط في كثير من الأحيان بمشاكل صحية معقدة تتطلب تدخلاً طبياً. لذلك فإن المتابعة الدورية لدى طبيب الأسنان، والتصوير الإشعاعي في سن المراهقة، والاهتمام بنظافة الفم، تمثل عناصر جوهرية في إدارة ظهور هذه الضروس وتفادي مضاعفاتها.

المراجع العلمية:

1. Peterson, L.J. (2013). Contemporary Oral and Maxillofacial Surgery, 6th edition. Elsevier.

2. American Association of Oral and Maxillofacial Surgeons (AAOMS). https://www.aaoms.org