عدد سكان سريلانكا
تُعد سريلانكا واحدة من الدول الجزرية المهمة في جنوب آسيا، وتتمتع بتاريخ غني وتنوع ثقافي فريد، وهي تحتل موقعًا استراتيجيًا في المحيط الهندي، جنوب شبه القارة الهندية. بفضل موقعها الجغرافي ومناخها الاستوائي ومواردها الطبيعية، كانت الجزيرة محط اهتمام القوى الاستعمارية لعدة قرون. وفي قلب هذا التنوع الجغرافي والتاريخي، يبرز العامل السكاني كعنصر أساسي لفهم ديناميكيات البلاد وتطورها. يُعَدّ عدد السكان في سريلانكا أحد المؤشرات الديموغرافية الرئيسية التي تسلط الضوء على طبيعة المجتمع، وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعل دراسة التعداد السكاني للبلاد أمرًا بالغ الأهمية.
عدد سكان سريلانكا: الإحصاءات الرسمية الحديثة
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة ومكتب الإحصاء السريلانكي، فإن عدد سكان سريلانكا في منتصف عام 2024 بلغ ما يقارب 21.9 مليون نسمة، مما يجعلها واحدة من الدول المتوسطة الحجم من حيث عدد السكان على مستوى آسيا. يمثل هذا العدد زيادة طفيفة عن الأعوام السابقة، في ظل انخفاض معدل النمو السكاني نتيجة تغيرات في معدلات المواليد والوفيات والهجرة.
وتتمثل إحدى السمات المميزة للتركيبة السكانية في سريلانكا في التوزيع غير المتكافئ للسكان عبر المناطق الجغرافية. على الرغم من صغر مساحة الدولة التي تبلغ نحو 65,610 كيلومترًا مربعًا، إلا أن هناك تفاوتًا ملحوظًا في الكثافة السكانية بين المناطق الحضرية مثل العاصمة كولومبو والمناطق الريفية أو الجبلية في وسط وجنوب البلاد.
الجدول التالي يوضح تقديرات عدد سكان سريلانكا للسنوات الأخيرة:
| السنة | عدد السكان (بالمليون) | معدل النمو السنوي (%) |
|---|---|---|
| 2010 | 20.3 | 1.1 |
| 2015 | 20.8 | 0.6 |
| 2020 | 21.4 | 0.5 |
| 2023 | 21.8 | 0.4 |
| 2024 | 21.9 | 0.3 |
الهيكل العمري للسكان
تشهد سريلانكا تغيرات تدريجية في الهيكل العمري للسكان، مما يعكس تحولات ديموغرافية تتجه نحو الشيخوخة. فعلى سبيل المثال:
-
تبلغ نسبة الأطفال (0-14 سنة) حوالي 23% من إجمالي السكان.
-
أما الفئة العمرية العاملة (15-64 سنة) فتُمثل نحو 66%، وهي النسبة الأكبر، وتشير إلى قوة عاملة نشطة نسبيًا.
-
في حين تُشكل الفئة العمرية (65 سنة فما فوق) قرابة 11% من السكان، وهو ما يدل على ارتفاع تدريجي في متوسط عمر السكان نتيجة لتحسن الرعاية الصحية.
الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي
تُعد سريلانكا من الدول التي تشهد كثافة سكانية عالية نسبيًا، إذ تُقدر الكثافة السكانية في عام 2024 بحوالي 335 نسمة لكل كيلومتر مربع. إلا أن هذه الكثافة تختلف بشكل كبير بين المناطق، حيث تشهد العاصمة كولومبو ومحيطها كثافة مرتفعة تفوق 3,000 نسمة/كم²، بينما تقل الكثافة في مناطق مثل مقاطعة موناراغالا أو باتيكالوا.
تعتمد معظم الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على هذه المراكز الحضرية المزدحمة، ما يؤدي إلى ضغوط على البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية، ويؤثر على التخطيط الحضري والتنمية المستدامة.
التنوع العرقي واللغوي
يُعتبر التنوع العرقي من أبرز السمات السكانية في سريلانكا. يتكوّن السكان من عدة مجموعات رئيسية:
-
السنهاليون: يشكلون الغالبية العظمى بنسبة تقارب 75%، ويعتنق أغلبهم الديانة البوذية.
-
التاميل: يمثلون حوالي 15% من السكان، وينقسمون إلى التاميل الشماليين والتاميل الهنود.
-
المور: وهم من أصول مسلمة، ويشكلون قرابة 9% من إجمالي السكان.
-
توجد أيضًا أقليات صغيرة أخرى مثل البرغوة والمالاي والبورغرز.
وتعكس هذه التركيبة العرقية التنوع اللغوي والديني في البلاد، حيث تُعَدّ اللغة السنهالية والتاميلية لغتين رسميتين، إلى جانب الإنجليزية التي تُستخدم في المجالات الرسمية والتعليمية.
التحولات في معدلات النمو السكاني
شهدت سريلانكا في العقود الأخيرة تباطؤًا واضحًا في معدل النمو السكاني. فبين عامي 1960 و1990، كان النمو يتجاوز 2% سنويًا، لكنه انخفض تدريجيًا ليصل إلى ما دون 0.5% في العقد الأخير. ويُعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل:
-
انخفاض معدلات الخصوبة: حيث انخفض متوسط عدد الأطفال لكل امرأة إلى حوالي 2.1، وهو ما يقارب معدل الإحلال السكاني.
-
تحسن الخدمات الصحية: ما أدى إلى انخفاض معدلات الوفيات، لا سيما وفيات الأطفال.
-
الهجرة الخارجية: تعد الهجرة لأغراض العمل، خاصة إلى دول الخليج وجنوب شرق آسيا، من العوامل المؤثرة على حجم السكان، مع وجود ما يُقدّر بأكثر من مليون سريلانكي يعملون بالخارج.
الأثر الاقتصادي والسكاني المتبادل
التعداد السكاني له تأثير مباشر على الاقتصاد السريلانكي. فزيادة عدد السكان في سن العمل تُعد موردًا هامًا لنمو الاقتصاد، إذا ما تم توفير التعليم والتدريب والفرص الملائمة لهم. إلا أن التحديات المتعلقة بالبطالة، وتوزيع الموارد، والتفاوت الإقليمي في الخدمات لا تزال قائمة.
من جهة أخرى، يُمثل شيخوخة السكان تحديًا مستقبليًا من ناحية العبء المالي والصحي، حيث يتوقع أن تزداد نسبة السكان الذين تجاوزوا سن التقاعد خلال العقدين المقبلين، ما يفرض ضغوطًا على نظم الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
التعليم والسكان
تلعب البنية السكانية دورًا كبيرًا في تشكيل سياسات التعليم. وتُعد سريلانكا من الدول التي حققت إنجازات ملحوظة في مجال التعليم، حيث تبلغ نسبة معرفة القراءة والكتابة بين البالغين نحو 92%. ويستفيد الأطفال من التعليم المجاني حتى المرحلة الثانوية، ما ساهم في رفع معدلات الالتحاق بالمدارس.
لكن مع التوسع السكاني في بعض المناطق، تواجه الحكومة تحديات متعلقة بالبنية التحتية التعليمية، خاصة في المناطق الريفية أو التي تعاني من ضعف التمويل.
التحضر والتغيرات السكانية الحضرية
تعاني سريلانكا من معدل تحضر معتدل مقارنة بالدول الآسيوية الأخرى، حيث يعيش نحو 19% فقط من السكان في المناطق الحضرية، بينما يعيش 81% في المناطق الريفية. إلا أن هذا الاتجاه يشهد تغيرًا تدريجيًا، حيث تتسارع وتيرة التحضر مع توسع المدن وزيادة فرص العمل فيها.
ومع هذا التحول، تواجه المدن السريلانكية تحديات حادة مثل:
-
نقص السكن الميسور التكلفة
-
الازدحام المروري
-
التلوث البيئي
-
ضعف مرافق الصرف الصحي في بعض الأحياء العشوائية
السياسات الحكومية وتنظيم السكان
تسعى الحكومة السريلانكية إلى مواءمة السياسات السكانية مع أهداف التنمية المستدامة. وقد اتخذت عدة تدابير خلال السنوات الماضية لتحسين إدارة النمو السكاني من خلال:
-
تطوير برامج تنظيم الأسرة
-
دعم التوعية المجتمعية حول الصحة الإنجابية
-
تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل
-
تحسين جودة الرعاية الصحية الأولية
كما تُشجع الحكومة على استخدام البيانات السكانية الحديثة في رسم السياسات التنموية، من خلال تحديث التعدادات الوطنية وإجراء دراسات ديموغرافية دورية.
استشراف مستقبل السكان في سريلانكا
يتوقع الخبراء أن تستقر أعداد السكان في سريلانكا خلال العقود القادمة، دون زيادات كبيرة. ووفقًا لتقديرات البنك الدولي ومراكز الدراسات السكانية، فإن عدد السكان قد يصل إلى 22.5 مليون بحلول عام 2040، ثم يبدأ في التراجع مع دخول البلاد مرحلة التحول الديموغرافي الكامل.
ومن المتوقع أن تواجه البلاد تحديات مثل:
-
تراجع عدد السكان في سن العمل
-
ارتفاع أعداد كبار السن
-
تغيّرات في أنماط الهجرة الداخلية
-
ضغوط على أنظمة الضمان الاجتماعي
الخلاصة
يُعد عدد السكان في سريلانكا مرآة حقيقية للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد. ومع انخفاض معدلات النمو وارتفاع متوسط الأعمار، تدخل سريلانكا مرحلة جديدة من التحديات والفرص الديموغرافية التي تتطلب استجابات مدروسة وفعالة من صانعي السياسات. كما أن فهم التركيبة السكانية وتوزيعها الجغرافي والعرقي والعُمري يُعد أمرًا أساسيًا في التخطيط لأي استراتيجيات تنموية طويلة الأمد، سواء في مجالات التعليم أو الصحة أو الاقتصاد أو البيئة.
المصادر
-
World Bank Open Data – Sri Lanka Population Estimates
-
Department of Census and Statistics, Sri Lanka (2024)
