كم جذر لضرس العقل: دراسة تشريحية ووظيفية شاملة

يُعد ضرس العقل أحد أكثر الأسنان إثارة للجدل في مجال طب الأسنان والتشريح البشري، حيث يُشكّل جزءاً أساسياً من المجموعة السنية الدائمة التي تُكمل عدد الأسنان إلى 32 سناً في البالغين. ضرس العقل هو الضرس الثالث في كل ربع من الفم، أي أنه يوجد عادة أربعة أضراس عقل، اثنان في الفك العلوي واثنان في الفك السفلي. ويظهر عادة بين سن 17 و25 عامًا، وقد يتفاوت في ظهوره أو حتى غيابه التام لدى بعض الأفراد.

من الجوانب التشريحية الهامة لضرس العقل هو عدد جذوره وتفرّعاتها، وهي مسألة تكتسب أهمية كبيرة في مجالات الجراحة الفموية وخلع الأسنان، خصوصًا عند وجود تعقيدات في الجذور تؤثر على طريقة التعامل مع السن طبيًا. في هذا المقال الموسّع، سيتم تناول التركيب الجذري لضرس العقل بالتفصيل، مع تحليل علمي لتنوع عدد الجذور بين الأفراد، والعوامل المؤثرة في ذلك، بالإضافة إلى أهمية هذا التنوع من الناحية الطبية والوظيفية.

أولًا: ضرس العقل من منظور تشريحي

الموقع البنيوي

يقع ضرس العقل في الزاوية الخلفية من كل جانب من الفك العلوي والسفلي، ويُعرف علميًا باسم “الضرس الثالث”. ويعتبر آخر الأسنان بزوغًا، وهو ما يُفسر شيوع مشكلات ظهوره بسبب قلة المساحة المتبقية في الفك بعد اكتمال نمو باقي الأسنان.

التركيب العام للضرس

يتكوّن ضرس العقل، كغيره من الأضراس، من:

• تاج (Crown): الجزء الظاهر فوق اللثة، ويتكون من المينا.

• جذر (Root): الجزء المغروس داخل العظم الفكي، ويكون مسؤولًا عن تثبيت السن في مكانه.

• لب السن (Pulp): يحتوي على الأعصاب والأوعية الدموية.

• العاج (Dentin): يقع بين المينا واللب، ويشكّل الكتلة الرئيسية للسن.

ثانيًا: عدد جذور ضرس العقل

التباين في عدد الجذور

ضرس العقل هو أكثر الأسنان تباينًا من حيث الشكل وعدد الجذور. عدد الجذور يتراوح عادة بين جذر واحد إلى أربعة جذور، ولكن قد توجد حالات نادرة تحتوي على أكثر من أربعة جذور أو حتى جذر مندمج ذو قنوات متعددة. ويُعزى هذا التنوع الكبير إلى العوامل الوراثية، والعرقية، والبيئية، بالإضافة إلى تطور الفك عبر التاريخ البشري.

التوزيع التقريبي لأنماط الجذور

ثالثًا: التصنيفات الشكلية للجذور

1. الجذور المفردة

بعض أضراس العقل قد تحتوي على جذر واحد فقط، وهو غالبًا ما يكون عريضًا ومندمج القنوات. هذا النوع يُعد من أسهل الأنواع في الخلع، نظرًا لعدم وجود تفرعات معقدة.

2. الجذور المزدوجة

يتضمن هذا النوع جذورًا اثنتين، وغالبًا ما تكون واحدة في الجهة الدهليزية (الخارجية) وأخرى في الجهة اللسانية أو الحنكية. يظهر هذا النمط بشكل أكثر انتظامًا في ضروس العقل السفلية.

3. الجذور الثلاثية

وهو الشكل النموذجي لضرس العقل العلوي، إذ يحتوي عادة على جذرين دهليزين (أمامي وخلفي) وجذر واحد حنكي. التباين في الزوايا بين هذه الجذور قد يصعّب عملية الخلع أو المعالجة اللبية.

4. الجذور الرباعية

يُعد هذا النوع نادرًا ويُشاهد في حالات محددة، وتظهر الجذور بشكل منفصل ومعقد، وغالبًا ما تتطلب جراحة دقيقة عند التعامل معها.

رابعًا: القنوات الجذرية في ضرس العقل

عدد الجذور لا يعكس بالضرورة عدد القنوات الجذرية. فهناك حالات تحتوي على جذر واحد ولكن بعدد قنوات يتراوح بين قناة إلى ثلاث قنوات متفرعة داخل الجذر. لذلك، قبل المعالجة اللبية أو الجراحية، يُنصح دائمًا باستخدام تقنيات التصوير الشعاعي المتقدمة مثل التصوير الطبقي المحوري المحوسب (CBCT) لتحديد التركيب الداخلي للسن بدقة.

خامسًا: أهمية معرفة عدد الجذور في السياق الطبي

1. في عمليات خلع ضرس العقل

أكثر ما يهم الأطباء عند التحضير لخلع ضرس العقل هو معرفة عدد الجذور، وزاوية تفرعها، وقربها من العصب السنخي السفلي (في الفك السفلي) أو الجيب الفكي العلوي (في الفك العلوي). الجذور المتعددة والمتفرعة بزوايا غير منتظمة قد تزيد من خطر حدوث كسر في الجذر أو الإصابة بأعصاب الفك أو النزيف.

2. في علاج العصب (المعالجة اللبية)

على الرغم من ندرة علاج العصب في ضرس العقل بسبب صعوبة الوصول إليه ومحدودية فائدته الوظيفية، فإن معرفة عدد القنوات الجذرية أمر حاسم إذا ما تم اللجوء إلى المعالجة اللبية بدلاً من الخلع. القنوات المتعددة والمتعرجة تُصعب من تنظيف القناة بالكامل وتزيد من احتمال فشل العلاج.

3. في زراعة الأسنان

في حال خلع ضرس العقل واستبداله بزراعة، فإن فهم طبيعة الجذور المحيطة والمساحة العظمية المتاحة يحدد أهلية الموقع للزراعة من عدمها.

سادسًا: العوامل المؤثرة في عدد جذور ضرس العقل

1. العوامل الوراثية

الدراسات الجينية الحديثة أظهرت أن التباين في عدد جذور ضرس العقل يتأثر بالعوامل الوراثية المرتبطة بأصل الفرد. فمثلًا، الأفراد من أصل آسيوي يميلون إلى وجود جذور أقل اندماجًا، بينما الأوروبيون يظهر لديهم تنوع كبير في عدد الجذور.

2. العوامل التطورية

مع تطور الإنسان واستخدامه لأدوات تسهل عملية المضغ والطهي، أصبحت الحاجة لضرس العقل أقل أهمية، وهو ما يُفسر تضاؤل حجمه أو غيابه في بعض الحالات. كما أن الفك البشري أصبح أصغر حجمًا، ما أثر على طريقة نمو ضرس العقل وتطور جذوره.

3. العوامل البيئية والغذائية

التغذية التي تؤثر على نمو العظام والأسنان قد تلعب دورًا غير مباشر في تطور الجذور، خصوصًا في مرحلة ما قبل البلوغ.

سابعًا: حالات طبية خاصة تتعلق بجذور ضرس العقل

1. جذور مندمجة

قد تنمو الجذور ملتحمة مع بعضها البعض مكونة كتلة واحدة، مما يجعل خلع السن أسهل في بعض الحالات، ولكن هذا النوع قد يخفي قنوات متعددة داخل الجذر الواحد.

2. جذور منحنية أو ملتوية

تُعرف هذه الحالة باسم “الانحناء الجذري”، وقد تُسبب صعوبة كبيرة في القلع، خصوصًا إن كانت الجذور متداخلة مع عظم الفك أو الأعصاب المجاورة.

3. جذور قريبة من العصب السنخي السفلي

في الفك السفلي، قد تكون الجذور قريبة جدًا من العصب السنخي، وهو ما يتطلب دقة عالية في التصوير والتخطيط لتفادي إصابة العصب أثناء الجراحة.

ثامنًا: طرق تشخيص عدد الجذور

تشخيص عدد الجذور يتم عادة من خلال التصوير الإشعاعي، وتحديدًا:

• الأشعة السينية البانورامية (OPG): تعطي صورة شاملة للفك وتحدد موقع وعدد الجذور.

• الأشعة المخروطية ثلاثية الأبعاد (CBCT): تعطي تفاصيل دقيقة عن شكل الجذور، اتجاهها، وعدد القنوات.

تاسعًا: جدول يوضح تنوع عدد الجذور حسب الفئة السنية والجنسية

عاشرًا: التوصيات الطبية المتعلقة بجذور ضرس العقل

• يجب دائمًا فحص عدد الجذور قبل أي إجراء جراحي لضرس العقل.

• يُنصح باستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد في الحالات التي تظهر فيها الجذور بشكل غير تقليدي.

• في حال وجود جذور منحنية أو قريبة من الأعصاب، يجب إحالة المريض إلى جراح فم ذو خبرة لتجنب المضاعفات.

المصادر

1. Peterson’s Principles of Oral and Maxillofacial Surgery, 3rd Edition.

2. American Association of Endodontists – Clinical Guidelines on Root Canal Morphology.