كم بحر في العالم: نظرة شاملة على بحار الأرض

تُعد البحار من أهم المظاهر الجغرافية التي تُشكّل سطح الكرة الأرضية، فهي تغطي جزءًا واسعًا من كوكبنا، وتمثل مكونًا رئيسيًا من النظام البيئي العالمي، وتلعب دورًا حيويًا في التوازن المناخي والحياة البيولوجية. وتمتد البحار على مساحات شاسعة بين القارات، وتفصل بين الدول، وتُشكّل ممرات مائية استراتيجية للتجارة العالمية، فضلًا عن كونها مصدرًا غنيًا بالموارد الطبيعية.

ينقسم سطح الأرض المائي بين المحيطات والبحار، ومع أن المحيطات أكبر حجمًا، إلا أن البحار تُشكّل مساحات مائية ذات طابع خاص؛ حيث ترتبط في العادة بالمحيطات، ولكنها غالبًا ما تكون محاطة جزئيًا باليابسة، وقد تكون مغلقة أو شبه مغلقة. هذه المقالة تقدم دراسة شاملة عن عدد البحار في العالم، تصنيفاتها، خصائصها الجغرافية والجيولوجية، أهميتها الاقتصادية والبيئية، بالإضافة إلى جدول شامل لأبرز البحار في العالم.

عدد البحار في العالم

يصعب تحديد رقم دقيق لعدد البحار في العالم بسبب الاختلافات في التصنيف الجغرافي بين الهيئات العلمية والمؤسسات الجغرافية، ولكن وفقًا للتقسيمات المعتمدة من قبل المنظمة الهيدروغرافية الدولية (IHO) والأطالس الجغرافية الكبرى، يُقدّر عدد البحار في العالم بأكثر من 60 بحرًا معترفًا به رسميًا. هذا العدد لا يشمل الخلجان والمضائق الصغيرة أو المسطحات المائية المغلقة بشكل كامل، التي تُصنّف أحيانًا كبحيرات ملحية، مثل البحر الميت.

الفرق بين المحيط والبحر

لفهم تصنيف البحار بشكل دقيق، من المهم التمييز بين البحر والمحيط. فالمحيطات هي المسطحات المائية الأضخم على وجه الأرض، تغطي حوالي 71% من سطح الكوكب، وهي خمسة رئيسية: المحيط الهادئ، المحيط الأطلسي، المحيط الهندي، المحيط الجنوبي، والمحيط المتجمد الشمالي. أما البحار فهي أصغر حجمًا وأقل عمقًا من المحيطات، وغالبًا ما تكون محاطة جزئيًا أو كليًا باليابسة.

يُستخدم مصطلح “بحر” أحيانًا لأغراض تاريخية أو ثقافية، حتى وإن كان الممر المائي كبيرًا أو مفتوحًا مثل بحر الصين الجنوبي. في المقابل، قد لا يُطلق على بعض المسطحات الكبيرة نسبيًا اسم “بحر” إذا لم تكن ترتبط ثقافيًا أو تاريخيًا بهذا التوصيف.

تصنيفات البحار

يُصنّف العلماء البحار حسب عدة معايير، أبرزها موقعها الجغرافي، وارتباطها بالمحيطات، ودرجة انغلاقها. وتشمل التصنيفات التالية:

1. البحار الهامشية

وهي البحار التي تقع على أطراف المحيطات وغالبًا ما تكون شبه مغلقة، مثل:

• بحر الشمال (مرتبط بالمحيط الأطلسي)

• بحر اليابان (مرتبط بالمحيط الهادئ)

• بحر الصين الشرقي

2. البحار الداخلية أو المغلقة

وهي البحار التي لا تتصل مباشرة بالمحيط وتكون مغلقة بالكامل أو شبه مغلقة، مثل:

• البحر الأسود

• بحر قزوين (رغم تصنيفه في بعض المراجع كبحيرة)

3. البحار المفتوحة

تلك البحار التي تُشكّل امتدادًا مباشرًا للمحيطات وتكون مفتوحة نسبيًا، مثل:

• بحر العرب

• بحر الفلبين

4. البحار القارية

وهي البحار التي تقع فوق الرف القاري وتتميز بعمق أقل وحرارة أعلى، مثل:

• البحر الأحمر

• البحر الأبيض المتوسط

أبرز بحار العالم

تضم الأرض عددًا من البحار الكبيرة والمشهورة ذات التأثير الجغرافي والاقتصادي والبيئي الكبير، وفيما يلي جدول يوضح أبرز هذه البحار، مع بعض خصائصها الرئيسية:

الأهمية البيئية والاقتصادية للبحار

التنوع البيولوجي

تُعد البحار موطنًا لملايين الكائنات البحرية من الأسماك والرخويات والقشريات والشعاب المرجانية، وتشكل أنظمة بيئية معقدة تحافظ على التوازن الطبيعي للكوكب. تُعتبر مناطق مثل البحر الأحمر وخليج كاليفورنيا وبحر المرجان من أغنى المناطق بالتنوع الحيوي.

مناخ الأرض

تلعب البحار دورًا مهمًا في تنظيم مناخ الأرض من خلال امتصاص الحرارة وتخزينها ونقلها عبر التيارات البحرية. كما تساهم في دورة المياه من خلال التبخر الذي ينتج السحب والمطر.

الموارد الطبيعية

تحتوي البحار على كميات هائلة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك:

• النفط والغاز الطبيعي (مثل بحر الشمال والخليج العربي)

• المعادن النادرة مثل المنغنيز والكوبالت

• الأملاح والمعادن الذائبة في المياه البحرية

• الأسماك والمأكولات البحرية

النقل والتجارة

تُعد البحار ممرات حيوية لحركة التجارة العالمية، حيث تمر بها حوالي 90% من التجارة الدولية عبر السفن. وتُعد ممرات مثل قناة السويس، مضيق هرمز، ومضيق ملقا من أكثر الممرات ازدحامًا في العالم.

التهديدات التي تواجه البحار

رغم أهميتها الكبيرة، تواجه البحار العالمية تحديات خطيرة تهدد بيئتها وتوازنها:

التلوث البحري

يشكل التلوث بالنفط، والنفايات البلاستيكية، والمعادن الثقيلة خطرًا متزايدًا على الحياة البحرية، إذ تتعرض آلاف الأنواع لخطر الانقراض، وتنتقل الملوثات إلى السلسلة الغذائية.

الصيد الجائر

يؤدي الصيد المفرط وغير المستدام إلى تراجع المخزون السمكي واختلال التوازن البيئي، خصوصًا في بحار مثل بحر اليابان وبحر الشمال.

التغير المناخي

تسهم البحار في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ولكن الزيادة المستمرة في الانبعاثات ترفع من حموضة مياه البحار وتؤثر على الشعاب المرجانية والكائنات البحرية الحساسة.

النزاعات السياسية

تشهد بعض البحار توترات ونزاعات بين الدول بسبب الحدود البحرية وحقوق استغلال الموارد، كما هو الحال في بحر الصين الجنوبي والبحر الأبيض المتوسط.

البحار في الثقافة والتاريخ

لطالما كانت البحار مصدرًا للأساطير، والمغامرات، والملاحم التاريخية. فقد ارتبط البحر في الحضارات القديمة بالآلهة والرموز الأسطورية. في اليونان القديمة، كان “بوسيدون” إله البحر، بينما خاضت الفايكنغ رحلات استكشافية شاسعة عبر بحر الشمال.

كما لعبت البحار دورًا رئيسيًا في اكتشاف العالم الجديد خلال العصور الحديثة، حيث ساعدت الرحلات البحرية الأوروبية في اكتشاف الأمريكيتين، والهند، وجزر الشرق الأقصى. وقد كانت هذه الاكتشافات بداية لعصر جديد من التبادل الثقافي والاقتصادي العالمي.

الخاتمة

يمثل عدد البحار في العالم مرآةً لتنوع كوكب الأرض وجغرافيته الديناميكية، إذ تتوزع هذه المسطحات بين القارات وتغذي الحياة وتشكّل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسان وبيئته. إن الفهم العميق لطبيعة البحار وأنظمتها البيئية والمخاطر التي تهددها ضروري لوضع استراتيجيات فعالة للحفاظ على هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.

المراجع:

• International Hydrographic Organization (IHO), Limits of Oceans and Seas, Special Publication No. 23.

• National Geographic Society, Ocean and Sea Encyclopedia.