أسباب الرجفة أثناء المرض

لماذا نرجف أثناء المرض؟ دراسة في الأسباب والتأثيرات

تعتبر الرعشة أو الرجفة من الأعراض الشائعة التي تصاحب العديد من الأمراض، وقد يشعر بها الإنسان عند الإصابة بالإنفلونزا، الحمى، أو حتى بعض الحالات الأكثر خطورة مثل العدوى البكتيرية أو الفيروسية. وعلى الرغم من أن الرجفة قد تكون مزعجة وغير مريحة، إلا أن لها وظيفة بيولوجية هامة في استجابة الجسم للأمراض.

في هذا المقال، سنغوص في أسباب الرجفة أثناء المرض، مستعرضين الأسباب البيولوجية والفيزيولوجية وراء هذه الظاهرة، وكيفية تأثيرها على الجسم، بالإضافة إلى الأسباب المحتملة والآثار الصحية المرتبطة بها.

1. الرجفة كاستجابة مناعية:

الرجفة أثناء المرض يمكن أن تكون استجابة مباشرة للجهاز المناعي عند محاربة العدوى. عندما يُصاب الجسم بعدوى، يبدأ الجهاز المناعي في العمل بشكل مكثف للتخلص من الميكروبات الغازية. في بعض الحالات، تفرز الخلايا المناعية مواد كيميائية تُعرف بـ “السيتوكينات”، وهي جزيئات تلعب دورًا مهمًا في التنبيه والتحفيز على الالتهاب.

دور السيتوكينات في الرجفة:

عندما يهاجم الفيروس أو البكتيريا الجسم، تقوم السيتوكينات بتنبيه الدماغ، وخاصة منطقة “الهايبوتلامس”، والتي تتحكم في درجة حرارة الجسم. استجابةً لذلك، يقوم الدماغ برفع درجة حرارة الجسم كآلية دفاعية لمحاربة العدوى. في هذا السياق، الرعشة هي محاولة الجسم لزيادة درجة الحرارة بسرعة عبر توليد حرارة داخلية من خلال الانقباضات العضلية المتكررة.

2. الرجفة والحمى:

من أكثر الأسباب شيوعًا للرجفة أثناء المرض هي الحمى. الحمى هي حالة ترتفع فيها درجة حرارة الجسم بشكل غير طبيعي، وهي غالبًا استجابة للعدوى. في هذه الحالة، تكون الرجفة جزءًا من عملية “رفع درجة الحرارة” التي يقوم بها الجسم.

عندما يبدأ الدماغ في تنشيط آلية رفع درجة الحرارة، تبدأ العضلات في الانقباض بشكل سريع ومتكرر مما يؤدي إلى الشعور بالرعشة. يمكن أن تكون هذه الرجفة شديدة في بعض الأحيان، حيث يشعر الشخص بالقشعريرة أو الارتجاف الشديد.

الحمى كآلية دفاعية:

الهدف من الحمى هو زيادة درجة حرارة الجسم إلى مستوى يصعب على البكتيريا أو الفيروسات الاستمرار في النمو والتكاثر عنده. إضافة إلى ذلك، تقوم الخلايا المناعية بالعمل بشكل أكثر كفاءة عند درجات الحرارة المرتفعة، مما يساعد الجسم في محاربة المرض.

3. الرجفة بسبب البرد:

أحد الأسباب الشائعة الأخرى للرجفة أثناء المرض هو الإحساس بالبرد. عندما يصاب الشخص بمرض مثل الأنفلونزا أو نزلة البرد، قد تترافق الحمى مع شعور قوي بالبرد. في هذه الحالة، يكون الجسم قد بدأ في محاولة رفع درجة حرارته الداخلية لمحاربة العدوى، ولكن في البداية، تكون درجة الحرارة البيئية (المحيطة) باردة، مما يؤدي إلى رجفة.

آلية حدوث الرجفة:

عندما تتعرض البشرة للبرد، يحاول الجسم الحفاظ على درجة حرارته الداخلية من خلال تقليص الأوعية الدموية في الجلد (عملية تُعرف بالتضييق الوعائي) وبالتالي تقليل فقدان الحرارة. في نفس الوقت، تبدأ العضلات في التقلص بسرعة لتحفيز توليد الحرارة. هذه التقلصات السريعة هي التي تؤدي إلى الشعور بالرجفة.

4. الرجفة بسبب اضطراب التوازن الكيميائي:

عندما يصاب الجسم بالعدوى، يمكن أن يحدث اضطراب في التوازن الكيميائي في الدم. بعض المواد الكيميائية مثل الأيونات وهرمونات مثل الأدرينالين قد تتأثر أثناء المعركة ضد الميكروبات. يساهم الأدرينالين بشكل كبير في التفاعل مع الجهاز العصبي، مما يؤدي إلى تحفيز الجسم على زيادة النشاط العضلي، وهو ما يظهر على شكل الرجفة.

التأثيرات الكيميائية على الجهاز العصبي:

الأدرينالين هو أحد الهرمونات التي تفرزها الغدد الكظرية استجابةً للضغط العصبي والعدوى. يسبب الأدرينالين زيادة في تدفق الدم إلى العضلات وزيادة في النشاط العضلي، مما يؤدي إلى حدوث الرجفة. كما أن الدوبامين والسيروتونين، وهما ناقلان عصبيان رئيسيان في الدماغ، قد يتأثران أيضًا في هذه العمليات ويؤديان إلى تسريع ردود الفعل العصبية التي تساهم في حدوث الرعشة.

5. الرجفة نتيجة للأدوية:

بعض الأدوية، مثل المضادات الحيوية أو الأدوية المستخدمة في علاج السرطان، قد تتسبب في الرجفة كأثر جانبي. قد تحدث هذه الرجفة نتيجة لرد فعل الجسم على الدواء، حيث تتفاعل المواد الكيميائية التي يحتوي عليها الدواء مع الجسم بطريقة تؤدي إلى تأثيرات جانبية مثل التعرق الزائد أو الرجفة.

أدوية تسبب الرجفة:

• المضادات الحيوية: بعض الأدوية التي تُستخدم لعلاج العدوى قد تؤدي إلى آثار جانبية مثل الرجفة، خاصة إذا كان الجسم يتفاعل مع هذه الأدوية أو إذا كانت الأدوية تُعطى عبر الوريد.

• العلاج الكيميائي: بعض أنواع العلاج الكيميائي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض حرارة الجسم أو التسبب في الرجفة بسبب التأثيرات الجانبية على جهاز المناعة.

6. الرجفة في الحالات الشديدة من المرض:

في بعض الحالات الخطيرة من المرض مثل الإنتان أو التسمم الدموي، يمكن أن تصاحب الرجفة حالة من الهبوط الحاد في ضغط الدم. في هذه الحالة، يعاني الجسم من عدم التوازن في تدفق الدم، مما يؤدي إلى شعور الشخص بالبرد والرجفة الشديدة. الإنتان هو استجابة التهابية شديدة تحدث عندما تنتشر البكتيريا أو السموم في الجسم وتؤثر على جميع الأعضاء، مما يؤدي إلى اضطراب في الدورة الدموية والأوعية الدموية.

التسمم الدموي والرجفة:

يمكن أن يتسبب التسمم الدموي في إحداث تغيرات حادة في درجة حرارة الجسم، وقد تكون الرجفة هنا مؤشرًا على وجود حالة صحية خطيرة تستدعي التدخل الطبي السريع.

7. التأثيرات النفسية والعصبية:

على الرغم من أن الرجفة ترتبط في الغالب بأسباب بيولوجية وفيزيولوجية، إلا أن العوامل النفسية قد تلعب دورًا في تحفيز الرجفة خلال المرض. القلق أو التوتر الناتج عن المرض يمكن أن يزيد من استجابة الجسم للألم أو للإحساس بالبرد، مما يؤدي إلى تفعيل آليات الرجفة. قد يشعر الشخص المريض بالتوتر حيال مرضه أو أعراضه، ويؤدي ذلك إلى زيادة إفراز الأدرينالين أو الهرمونات المرتبطة بالإجهاد، مما يساهم في حدوث الرجفة.

8. الرجفة والعلاج والرعاية الصحية:

عندما تظهر الرجفة كأحد أعراض المرض، يتعين على الأطباء والمعالجين تحديد السبب الدقيق لهذه الرجفة. إذا كانت الرجفة مرتبطة بالحمى أو العدوى، فإن معالجة العدوى بالمضادات الحيوية أو الأدوية المناسبة قد تساعد في تخفيف الأعراض. في حالات أخرى، قد يتطلب الأمر توفير تدابير للتدفئة أو تعديل الأدوية.

كيفية التعامل مع الرجفة أثناء المرض:

• تدفئة الجسم: استخدام الأغطية الثقيلة أو الدافئة لتدفئة الجسم في حال كانت الرجفة ناتجة عن البرد.

• استخدام الأدوية: في حال كانت الرجفة ناتجة عن عدوى، يمكن للأطباء أن يوصوا باستخدام الأدوية لتخفيف الأعراض أو لتخفيض درجة الحرارة.

• الراحة: الراحة التامة من شأنها أن تساعد في تعزيز قدرة الجسم على مكافحة المرض والحد من الأعراض المصاحبة مثل الرجفة.

9. الخاتمة:

الرجفة أثناء المرض هي رد فعل طبيعي ومعقد من الجسم لمواجهة التغيرات التي تحدث نتيجة للعدوى أو اضطرابات الحرارة أو التفاعلات الكيميائية. فهم أسباب الرجفة في سياق المرض يساعد في توفير العلاج الأنسب ويعزز من فهم الآلية البيولوجية التي يعتمد عليها الجسم لمكافحة الأمراض. في حين أن الرجفة قد تكون مزعجة، فإنها تعتبر من الوسائل الفعالة التي يستخدمها الجسم في محاربة العدوى وتنظيم درجة حرارته الداخلية.