عدد المسلمين في روسيا
تعد روسيا واحدة من أكبر دول العالم من حيث المساحة الجغرافية والتنوع السكاني والديني، إذ تمتد على قارتي آسيا وأوروبا وتضم طيفاً واسعاً من المجموعات العرقية والثقافات والديانات. وفي قلب هذا التنوع، يشكل المسلمون عنصراً أساسياً من النسيج المجتمعي الروسي، حيث يمتلكون جذوراً تاريخية عميقة تعود إلى قرون قبل قيام الدولة الروسية الحديثة. يعكس عدد المسلمين في روسيا وتعقيد أوضاعهم مزيجاً من التاريخ الإمبراطوري، والسياسات السوفيتية، والواقع الجغرافي المتداخل بين آسيا الوسطى والقوقاز.
الإسلام في روسيا: الخلفية التاريخية
دخل الإسلام إلى الأراضي الروسية الحالية في القرن السابع الميلادي، وتحديداً إلى مناطق داغستان على يد التجار العرب والدعاة المسلمين. ثم ازدهر في القرن العاشر بعد إسلام دولة البلغار في منطقة الفولغا (بلغار الفولغا)، وهي من أقدم الكيانات الإسلامية المعترف بها في تلك المنطقة. بحلول القرن السادس عشر، خضعت مناطق واسعة من المسلمين لحكم روسيا القيصرية، خاصة بعد غزو خانات تتار القازان وأستراخان.
في العهد السوفييتي، عانى المسلمون مثل غيرهم من الشعوب الدينية من القمع والإقصاء، حيث أغلقت المساجد، وحُظر التعليم الديني، وتعرض الأئمة والمشايخ للاضطهاد. ومع ذلك، بقي الإسلام حياً بين المسلمين الروس، لا سيما في مناطق مثل الشيشان، داغستان، تتارستان، وباشكورتوستان.
عدد المسلمين في روسيا: التقديرات والتوزيع الجغرافي
يتراوح عدد المسلمين في روسيا حسب التقديرات المختلفة بين 20 إلى 25 مليون نسمة، ما يشكل حوالي 14% إلى 17% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 145 مليون نسمة حسب إحصاءات عام 2024. وتعد روسيا بذلك من الدول ذات الأقلية المسلمة الأكبر عدداً في أوروبا.
توزيع المسلمين حسب المناطق:
| المنطقة | عدد المسلمين التقريبي | النسبة من السكان المحليين |
|---|---|---|
| تتارستان | حوالي 4 ملايين | أكثر من 50% |
| باشكورتوستان | حوالي 2.5 مليون | نحو 50% |
| شمال القوقاز (الشيشان، داغستان، إنغوشيتيا، كاراتشاي–شركيسيا، قبردينو-بلقاريا) | أكثر من 6 ملايين | ما بين 60% إلى 95% |
| موسكو | نحو 2 مليون مسلم | حوالي 15% من سكان المدينة |
| سانت بطرسبرغ | نحو 700 ألف مسلم | حوالي 10% |
| سيبيريا وشرق روسيا | أكثر من مليون مسلم | أقل من 10% |
الجماعات العرقية المسلمة في روسيا
يتكون المجتمع المسلم في روسيا من طيف واسع من القوميات، إذ أن الإسلام لا يُمارس فقط من قبل المهاجرين الجدد، بل يشكل ديناً رسمياً وشعبياً للعديد من الجماعات العرقية القديمة. من أبرزها:
-
التتار: يشكلون أكبر قومية مسلمة في روسيا، ويتركزون في تتارستان ومناطق أخرى مثل موسكو وأورال. لغتهم هي التترية، ويمارسون الإسلام السني (المذهب الحنفي).
-
البشكير: يتمركزون في جمهورية باشكورتوستان، ويتحدثون اللغة الباشكيرية.
-
الشيشان والإنغوش: يسكنون في شمال القوقاز ويمارسون الإسلام السني على المذهب الشافعي.
-
الأفار واللاك والداغستانيون الآخرون: من سكان داغستان، ويتميزون بتنوع لغوي وديني كبير ضمن الإطار الإسلامي.
-
الطاجيك والأوزبك والكازاخ: مسلمون مهاجرون من آسيا الوسطى، ويعيشون في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبرغ.
الوضع القانوني والديني للمسلمين في روسيا
تعترف الدولة الروسية رسمياً بالإسلام كواحد من “الديانات التقليدية” إلى جانب الأرثوذكسية الروسية واليهودية والبوذية. ويضمن الدستور الروسي حرية الدين، ولكن الواقع يُظهر أن المسلمين يواجهون تحديات متعددة فيما يتعلق بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، خاصة في المدن الكبرى.
يوجد في روسيا أكثر من 8 آلاف مسجد، بينها مساجد تاريخية ومعاصرة. من أبرزها:
-
الجامع الكبير في موسكو: يُعد من أكبر المساجد في أوروبا، وقد أعيد افتتاحه عام 2015 بعد تجديد شامل.
-
جامع قازان: من الرموز الإسلامية في تتارستان، وهو مركز ديني وتعليمي.
-
مساجد داغستان: تنتشر في القرى والمدن بكثافة وتعكس العمق التاريخي للإسلام في المنطقة.
تُشرف عدة هيئات دينية إسلامية على الشؤون الدينية للمسلمين في روسيا، من بينها:
-
مجلس المفتين في روسيا، برئاسة الشيخ راوي عين الدين، ومقره موسكو.
-
الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الأوروبية، التي تغطي مناطق عدة في وسط وغرب روسيا.
-
الإدارة الدينية لمسلمي شمال القوقاز، والتي تتابع الشؤون الدينية في الجمهوريات الجنوبية.
الحياة الاجتماعية والتعليم الديني
رغم القيود السياسية والأمنية التي تطال بعض المناطق الإسلامية، فقد شهدت السنوات الأخيرة نهضة في التعليم الديني. حيث أُنشئت معاهد إسلامية وجامعات شرعية، مثل:
-
الجامعة الإسلامية الروسية في قازان.
-
المعهد الإسلامي في موسكو.
-
مدارس إسلامية تقليدية في شمال القوقاز.
كما تنتشر مراكز تعليم القرآن واللغة العربية في المدن الكبرى، وتُقام حلقات ودورات دينية بشكل منتظم، خاصة في شهر رمضان.
على الصعيد الاجتماعي، بدأ المسلمون الروس بإبراز هويتهم بشكل أوضح، حيث تظهر الأزياء الإسلامية، والمطاعم الحلال، والمناسبات الدينية العامة مثل صلاة العيد في الميادين الكبرى.
المسلمون والمواطنة الروسية
يتمتع معظم المسلمين في روسيا بالجنسية الروسية، ما يعني أنهم مواطنون متساوون في الحقوق من الناحية الدستورية. إلا أن تحديات التمييز العرقي والديني ما تزال قائمة، خاصة ضد المهاجرين المسلمين من آسيا الوسطى. وغالباً ما يُربط الإسلام في روسيا بقضايا التطرف والعنف في الإعلام، وهو ما ينعكس سلباً على النظرة العامة تجاه المسلمين، رغم أنهم يشكلون جزءاً أساسياً من النسيج الوطني.
ومع ذلك، فإن العديد من المسلمين الروس يشاركون بفعالية في الحياة السياسية والثقافية، ويشغل بعضهم مناصب في البرلمان، والإدارات المحلية، والمؤسسات الحكومية.
الإسلام السياسي والتطرف
شهدت روسيا، خصوصاً في منطقة شمال القوقاز، توترات أمنية نتيجة النزاعات المسلحة والصراعات السياسية التي ارتبطت بالإسلام السياسي. لكن السلطات الروسية تتعامل مع هذه التهديدات ضمن استراتيجية أمنية صارمة، دون أن تميز بين التيارات الإسلامية المعتدلة والمتشددة في كثير من الأحيان، ما أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان.
مع ذلك، فإن الأغلبية الساحقة من المسلمين في روسيا يتبنون مفهوماً تقليدياً وسلمياً للإسلام، ويعارضون أي شكل من أشكال التطرف. وقد لعبت القيادات الدينية الإسلامية الرسمية دوراً بارزاً في محاربة الفكر المتطرف من خلال الوعظ والإرشاد.
التحديات المستقبلية والفرص
من التحديات الأساسية التي تواجه المسلمين في روسيا:
-
التمييز في سوق العمل والسكن، خصوصاً ضد المهاجرين المسلمين.
-
نقص عدد المساجد في المدن الكبرى مقارنة بعدد المسلمين.
-
الرقابة الأمنية الشديدة على الأنشطة الدينية في بعض المناطق.
-
نقص الأئمة المتعلمين محلياً وغياب التكوين الشرعي العميق.
وفي المقابل، فإن هناك فرصاً للتطور:
-
الاعتراف الرسمي بالإسلام يتيح فرصاً لمزيد من المؤسسات التعليمية والدينية.
-
ارتفاع عدد المسلمين في روسيا، لا سيما بين فئة الشباب، يعطيهم ثقلاً ديموغرافياً متزايداً.
-
الانفتاح النسبي على المؤسسات الإسلامية في بعض المناطق، مثل تتارستان، يمهد لنمو التجربة الإسلامية الروسية الخاصة.
خلاصة ديموغرافية وسياقية
يمثل المسلمون في روسيا شريحة متزايدة الأهمية من السكان، ليس فقط من حيث العدد، بل من حيث الديناميكية الاجتماعية والثقافية والدينية التي يحملونها. يتوزعون في مختلف أنحاء البلاد، ويتكلمون لغات متعددة، ويشكلون جسراً حضارياً بين آسيا وأوروبا. ورغم التحديات المعقدة التي يواجهونها، إلا أنهم يواصلون تعزيز وجودهم الديني والثقافي داخل المجتمع الروسي.
المصادر:
-
Pew Research Center – The Future of World Religions: Population Growth Projections, 2015.
-
الموقع الرسمي لمجلس المفتين في روسيا: www.dumrf.ru

