عدد المسلمين في تركيا: دراسة شاملة عن التركيبة الدينية والتوزيع السكاني
تعتبر تركيا واحدة من البلدان التي تجمع بين التاريخ العريق والثقافة المتنوعة، حيث تمتد جذور الإسلام فيها إلى أكثر من ألف عام منذ الفتح الإسلامي للأناضول. تعد تركيا اليوم من الدول ذات الغالبية المسلمة، ولكن التركيبة الدينية في هذا البلد تعكس أيضاً ثراءً ثقافياً واجتماعياً فريداً، يمتزج فيه الدين مع الحياة السياسية والاجتماعية بطريقة معقدة وديناميكية. في هذا المقال المفصل سنستعرض عدد المسلمين في تركيا، بالإضافة إلى التحليل الدقيق للتوزيع الجغرافي والديني والفروقات المذهبية، كما سنتناول التغيرات الديموغرافية المرتبطة بهذا الأمر خلال العقود الأخيرة.
التركيبة الدينية في تركيا: نظرة تاريخية
بدأت موجة الإسلام في تركيا منذ القرن السابع الميلادي مع الفتح العربي للأناضول، لكن الازدهار الحقيقي للدين الإسلامي في المنطقة بدأ مع ظهور الدولة السلجوقية في القرن الحادي عشر، ومن ثم الإمبراطورية العثمانية التي استمرت حوالي 600 عام، مما جعل تركيا قلب العالم الإسلامي في فترات طويلة من التاريخ. أسهمت الدولة العثمانية في ترسيخ الإسلام كسمة رئيسة في هوية البلاد، مع تعزيز المذاهب الإسلامية السنية خصوصًا، وتأسيس مؤسسات دينية متعددة.
مع إعلان الجمهورية التركية الحديثة عام 1923 بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، شهدت البلاد تحولًا كبيرًا في نظام الحكم والحياة الدينية، حيث فصل الدين عن الدولة مع الحفاظ على الأغلبية المسلمة في المجتمع. ومنذ ذلك الحين ظلت تركيا تحتفظ بأغلبية إسلامية مع تطورات سياسية واجتماعية أثرت على شكل ممارسة الدين.
عدد المسلمين في تركيا
يُعتبر الإسلام الدين الرسمي والأكثر انتشارًا في تركيا، حيث يُشكل المسلمون حوالي 99% من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 85 مليون نسمة (حسب تقديرات عام 2025). هذا يعني أن عدد المسلمين في تركيا يقدر بحوالي 84.15 مليون مسلم. وعلى الرغم من وجود أقليات دينية مثل المسيحيين واليهود، فإن نسبة هذه الأقليات لا تتجاوز 1% من إجمالي السكان.
ينتمي غالبية المسلمين في تركيا إلى المذهب السني، ويشكلون ما يقرب من 70-75% من السكان، بينما يشكل الأتراك الشيعة، من الطائفة العلوية (العلويين)، نسبة كبيرة تقدر بحوالي 15-20%. وهناك أيضًا وجود طفيف لطوائف أخرى مثل الصوفية وبعض الأقليات الشيعية الصغيرة.
الجدول التالي يوضح توزيع المسلمين في تركيا حسب المذاهب:
| المذهب الإسلامي | النسبة المئوية من السكان المسلمين | التقدير العددي (مليون) |
|---|---|---|
| السنة | 70-75% | 58.9 – 63.1 |
| العلوية (الشيعة) | 15-20% | 12.6 – 16.8 |
| الصوفية والأقليات الأخرى | 5-10% | 4.2 – 8.4 |
العوامل المؤثرة في النمو السكاني للمسلمين
شهدت تركيا نموًا سكانياً ملحوظاً خلال العقود الماضية، وهو ما ساهم في زيادة عدد المسلمين بشكل كبير. يعتمد هذا النمو على عدة عوامل اجتماعية واقتصادية، منها:
-
معدلات الولادة: كانت معدلات الولادة في تركيا مرتفعة خلال القرن العشرين، مما أدى إلى زيادة عدد السكان المسلمين. على الرغم من تراجع معدلات الولادة في السنوات الأخيرة نتيجة التحضر والتعليم، إلا أن النمو السكاني لا يزال مستمرًا بمعدل معتدل.
-
الهجرة: استقبلت تركيا أعدادًا كبيرة من اللاجئين والمهاجرين من دول مجاورة ذات أغلبية مسلمة، مثل سوريا والعراق، مما أدى إلى زيادة عدد المسلمين في البلاد.
-
التحضر والتغير الاجتماعي: أدى التوسع الحضري والتغير في نمط الحياة إلى تحولات في توزيع السكان وتغيير بعض العادات والتقاليد الدينية، لكنه لم يؤثر بشكل جوهري على نسبة المسلمين في المجتمع.
التوزيع الجغرافي للمسلمين في تركيا
تنتشر الأغلبية المسلمة في جميع أنحاء تركيا، لكن هناك تفاوتات واضحة في تركيز المذاهب والمجموعات الدينية عبر المناطق المختلفة.
-
المناطق الحضرية الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير تتميز بتنوع ديني أكبر ووجود تأثيرات علمانية ملحوظة، مع احتفاظ الأغلبية بديانة الإسلام.
-
المدن الشرقية والجنوبية الشرقية مثل ديار بكر، وغازي عنتاب، ومرسين، يتركز فيها نسبة عالية من المسلمين السنة مع وجود مهم للطائفة العلوية.
-
المدن الساحلية والوسطى تتميز بوجود تنوع بين السنة والعلويين، إضافة إلى تواجد طفيف للأقليات الدينية الأخرى.
تُعزى هذه التوزيعات إلى عوامل تاريخية واجتماعية وثقافية شكلت النسيج الديني التركي.
الدين والسياسة في تركيا وتأثيره على المسلمين
يُشكل الإسلام جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية في تركيا، غير أن العلاقة بين الدين والدولة شهدت مراحل متعددة من التفاعل والتوتر. تأسست الجمهورية التركية على مبادئ العلمانية التي فرضت تحكمًا صارمًا في الشؤون الدينية، مما أثر على طبيعة الممارسة الدينية والتعبير عنها.
في السنوات الأخيرة، شهدت تركيا تنامي دور التيارات الإسلامية السياسية، وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي يؤكد على قيم الإسلام بشكل أكبر في الساحة السياسية والاجتماعية. ساعد هذا التطور في إعادة تعريف مكانة الإسلام في الحياة العامة، وتعزيز الهوية الدينية للمسلمين في تركيا.
تأثير العولمة والتغيرات الثقافية على المسلمين في تركيا
مع انفتاح تركيا على العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، بدأت تتغير صورة الدين وممارسته في المجتمع. يُلاحظ تصاعد الاهتمام بالتعبيرات الدينية المتنوعة، والعودة إلى تقاليد إسلامية أكثر صرامة في بعض الفئات، في حين تتبنى فئات أخرى نمط حياة أكثر تحررًا وعلمانية.
كما أن التعليم الديني والإعلام لعبا دورًا مهمًا في تشكيل الوعي الديني لدى الأجيال الجديدة، مما ينعكس على ممارسات المسلمين اليومية والمناسبات الدينية.
الخلاصة
يمثل المسلمون في تركيا الغالبية العظمى من السكان، ويُقدّر عددهم بما يقارب 84 مليون مسلم، معظمهم من السنة مع وجود علوية ملحوظ وبعض الطوائف الأخرى. تشكل تركيا نموذجًا فريدًا لتداخل الدين بالسياسة والثقافة، مع تأثيرات تاريخية واجتماعية متعددة. التوزيع الجغرافي والاختلافات المذهبية تضفي غنىً على النسيج الديني التركي، وتبرز الدين كعنصر محوري في تشكيل الهوية الوطنية والمجتمعية.
يبقى النمو السكاني للمسلمين مرتبطًا بالعوامل الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، في ظل تأثيرات العولمة والتغير الثقافي التي تعيد تشكيل المشهد الديني في تركيا، مما يجعل فهم عدد المسلمين فيها وديناميكياتهم أمرًا ضروريًا لفهم واقع هذا البلد المتغير.
المصادر والمراجع:
-
World Population Review. (2025). Turkey Population 2025.
-
Pew Research Center. (2017). The Future of World Religions: Population Growth Projections.
