عدد المسلمين في بلغاريا 2024

عدد المسلمين في بلغاريا

تُعد بلغاريا إحدى الدول الأوروبية التي تتميز بتركيبة ديموغرافية ودينية معقدة ومتشابكة تعود جذورها إلى قرون طويلة من التفاعل بين شعوب وثقافات مختلفة. تقع بلغاريا في جنوب شرق أوروبا، وتشترك في حدودها مع رومانيا وتركيا واليونان وصربيا ومقدونيا الشمالية، ما جعلها ملتقى لحضارات متعددة أثرت على بنيتها السكانية والثقافية والدينية. وفي هذا السياق، يُعد المسلمون جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي البلغاري، حيث يشكلون أقلية دينية كبيرة ذات حضور تاريخي وثقافي مهم.

الجذور التاريخية للإسلام في بلغاريا

ظهور الإسلام في بلغاريا مرتبط مباشرة بالتوسع العثماني في منطقة البلقان خلال القرن الرابع عشر الميلادي. بعد ضم بلغاريا إلى الدولة العثمانية عام 1396، بدأ انتشار الإسلام تدريجياً بين السكان المحليين، سواء عن طريق التهجير والاستيطان من قبل العثمانيين أو من خلال التحول الديني لبعض السكان لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية. على مدى نحو خمسة قرون من الحكم العثماني، ترسخت الهوية الإسلامية في بعض المناطق البلغارية، خصوصاً في جنوب البلاد ومنطقة جبال رودوبي.

مع نهاية الحكم العثماني عام 1878، وقيام الدولة البلغارية الحديثة، بدأت تظهر تحديات سياسية ودينية جديدة أثرت على أوضاع المسلمين، وبدأت موجات متتالية من الهجرة الجماعية إلى تركيا والدول المجاورة، خاصة في أوقات التوترات السياسية أو عند تبني سياسات اندماج قسري من قبل الدولة البلغارية.

التوزيع الجغرافي للمسلمين في بلغاريا

ينتشر المسلمون في بلغاريا بشكل غير متساوٍ، حيث يتركزون بشكل رئيسي في مناطق الجنوب والجنوب الشرقي من البلاد، وخصوصاً في:

• منطقة كاردزالي (Kardzhali): ذات الأغلبية التركية المسلمة.

• منطقة رازغراد (Razgrad) وشومن (Shumen): وهي مناطق يقطنها عدد كبير من المسلمين من أصول تركية.

• جبال رودوبي: خصوصاً في محافظة سموليان، حيث توجد تجمعات كبيرة من المسلمين البلغار المعروفين بـ “البوماك” (Pomaks).

• منطقة دوبريتش وسيليسترا شمال شرق بلغاريا.

كما توجد تجمعات إسلامية في العاصمة صوفيا وبعض المدن الكبرى، لكنها أقل عدداً مقارنة بالمناطق الريفية الجنوبية.

التركيبة العرقية للمسلمين في بلغاريا

تنقسم الأقلية المسلمة في بلغاريا إلى عدة مجموعات عرقية، أبرزها:

عدد المسلمين في بلغاريا

وفقاً لآخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن التعداد السكاني البلغاري لعام 2021، بلغ عدد المسلمين في بلغاريا حوالي 577,000 نسمة، ما يشكل حوالي 10% من إجمالي سكان البلاد الذين يقدر عددهم بنحو 6.5 مليون نسمة.

لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام قد لا تعكس تماماً الحجم الفعلي للمجتمع المسلم، نظراً لأن التعدادات السكانية تعتمد على التصريح الطوعي بالانتماء الديني، وهناك نسبة غير معروفة من الأفراد الذين يفضلون عدم الإفصاح عن ديانتهم أو يعتبرون أنفسهم غير متدينين رغم خلفيتهم الإسلامية.

اللغة والثقافة والدين

المجتمع المسلم في بلغاريا ثنائي الثقافة في الغالب. الأتراك المسلمون يستخدمون اللغة التركية كلغتهم الأم، بينما يتحدث البوماك البلغارية، لكنهم يحتفظون بممارسات إسلامية واضحة مثل الصلاة والصيام والختان والزواج وفق الشريعة الإسلامية. الروما المسلمون يتحدثون بلغات مختلفة لكنهم يتمسكون ببعض الرموز الإسلامية ويشاركون في الأعياد الإسلامية كرمضان وعيد الأضحى.

يمارس المسلمون في بلغاريا مذهب أهل السنة والجماعة، وغالبية المسلمين من أتباع المذهب الحنفي. توجد أيضاً أقلية من المسلمين الشيعة (البكتاشية) وهم نادرون نسبياً. إضافة إلى ذلك، تلعب دار الإفتاء البلغارية دوراً مركزياً في تنظيم الحياة الدينية للمسلمين، وهي الهيئة الرسمية المعترف بها من الدولة والتي تقوم بتعيين الأئمة وتنظيم الأنشطة الدينية والإشراف على المساجد.

المؤسسات الدينية والتعليم الإسلامي

يوجد في بلغاريا نحو 1300 مسجد موزعة في المدن والقرى التي يسكنها المسلمون، وأبرز هذه المساجد:

• جامع بانيا باشي في صوفيا: وهو من أقدم المساجد في العاصمة، بُني في القرن السادس عشر.

• مساجد كاردزالي وشومن: وهي مراكز دينية وتعليمية نشطة.

• المدرسة العليا الإسلامية في مدينة شومن: وهي المؤسسة التعليمية الإسلامية الوحيدة في بلغاريا المعترف بها رسمياً، حيث يتم إعداد الأئمة والمعلمين الدينيين.

إلى جانب المدارس الرسمية، توجد مدارس لتعليم القرآن الكريم، وغالباً ما تُقام حلقات التحفيظ والدروس الدينية في المساجد، خاصة في شهر رمضان.

الوضع القانوني والسياسي للمسلمين

يحظى المسلمون في بلغاريا باعتراف رسمي كأقلية دينية، وتكفل لهم الدستور البلغاري الحق في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. وتُعد دار الإفتاء الإسلامية الجهة الرسمية الممثلة للمسلمين، وهي تتلقى دعماً مالياً من الدولة جزئياً، كما تنظم شؤون الطائفة بالتعاون مع مؤسسات دولية إسلامية.

رغم الاعتراف القانوني، إلا أن المسلمين يواجهون تحديات تتعلق بالاندماج والتمثيل السياسي وتوفير الخدمات الدينية والتعليمية الكافية، خصوصاً في ظل تراجع التمويل الحكومي والتحديات الاقتصادية في بعض المناطق الريفية.

كما أن الأحزاب القومية اليمينية في بلغاريا كثيراً ما تستخدم خطاباً معادياً للمسلمين، وتربطهم بتركيا بشكل مباشر، في محاولة لإثارة المخاوف من “النفوذ التركي”. ومع ذلك، فإن الحزب السياسي الرئيسي الممثل للأقلية التركية، حركة الحقوق والحريات (DPS)، يلعب دوراً سياسياً مهماً وغالباً ما يكون مشاركاً في التحالفات الحكومية.

التأثيرات الاجتماعية والثقافية للمسلمين في بلغاريا

يُسهم المسلمون في الحياة الاقتصادية والثقافية لبلغاريا، حيث يعملون في الزراعة، الصناعة، التجارة، والخدمات. كما أن المناطق ذات الغالبية المسلمة تُعد من أغنى المناطق بالثقافة الفولكلورية والاحتفالات الشعبية التي تمزج بين التقاليد الإسلامية والبلغارية.

في الأعوام الأخيرة، لوحظ اهتمام متزايد في توثيق التراث الإسلامي في بلغاريا من خلال البحوث الأكاديمية والمبادرات الثقافية، والتي تهدف إلى تعزيز التفاهم بين الأديان وتقوية السلم المجتمعي في البلاد.

مقارنة إحصائية بين الأقليات الدينية في بلغاريا (2021)

التحديات والآفاق المستقبلية

رغم الاعتراف الرسمي بالإسلام كديانة ثانية في البلاد بعد المسيحية الأرثوذكسية، يواجه المسلمون في بلغاريا مجموعة من التحديات تتعلق بالهوية والتعليم والاندماج السياسي والاجتماعي، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:

• نقص التمويل للمؤسسات الدينية والتعليمية.

• التمييز غير المباشر في سوق العمل أو المؤسسات الرسمية.

• التغطية الإعلامية السلبية المرتبطة بالصورة النمطية للمسلمين.

• ضعف تمثيل النساء المسلمات في الحياة العامة.

لكن في المقابل، فإن تزايد الوعي بحقوق الأقليات في إطار الاتحاد الأوروبي، ومشاركة المسلمين في الحياة السياسية، ووجود علاقات دبلوماسية نشطة مع تركيا والدول الإسلامية، تُعد مؤشرات إيجابية نحو مستقبل أكثر شمولية واندماجاً.

المصادر

1. National Statistical Institute of Bulgaria. Census 2021 – Religious Affiliation.

2. Pew Research Center. “The Future of World Religions: Population Growth Projections, 2015-2050.”