عدد المسلمين في بريطانيا: دراسة شاملة وتحليل معمق
يُعتبر المسلمون في بريطانيا من أكبر الأقليات الدينية بعد المسيحيين، وتمثل هذه الجماعة واحدة من أسرع المجتمعات نمواً في المملكة المتحدة. يعود وجود المسلمين في بريطانيا إلى قرون، لكنه شهد توسعاً كبيراً خلال النصف الثاني من القرن العشرين بسبب الهجرة من دول آسيا وإفريقيا. في هذا المقال سيتم استعراض الأعداد الدقيقة والتغيرات الديموغرافية، بالإضافة إلى التأثير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمسلمين في بريطانيا، مع تحليل عوامل النمو والتحديات التي تواجه هذه الجماعة.
1. التعداد السكاني للمسلمين في بريطانيا
وفقاً لتعداد السكان الأخير في المملكة المتحدة لعام 2021، بلغ عدد المسلمين في بريطانيا حوالي 3.9 مليون نسمة، ما يمثل ما يقارب 6% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم نحو 67 مليون نسمة. هذا الرقم يعكس زيادة ملحوظة مقارنة بتعداد 2011 الذي سجل نحو 2.7 مليون مسلم، حيث شهدت نسبة المسلمين ارتفاعاً بنحو 44% خلال عشر سنوات فقط.
يرجع هذا النمو الكبير إلى عدة عوامل أساسية منها:
-
معدلات الولادة المرتفعة: الأسر المسلمة تميل إلى أن تكون أكبر من المتوسط الوطني في عدد الأطفال.
-
الهجرة المستمرة: توافد المهاجرين من دول ذات أغلبية مسلمة مثل باكستان، بنغلاديش، الهند، والصومال.
-
التحول الديني: هناك حالات من اعتناق الإسلام بين السكان البريطانيين الأصليين، وإن كانت نسبتهم صغيرة.
2. التوزيع الجغرافي للمسلمين في بريطانيا
تتركز غالبية الجاليات المسلمة في المدن الكبرى والمناطق الحضرية، حيث توفر فرص العمل والتعليم والخدمات الاجتماعية. ومن أهم المناطق التي يعيش فيها المسلمون بكثافة:
-
لندن: العاصمة تستضيف أكبر تجمع للمسلمين في بريطانيا، حيث يقدر عددهم بأكثر من مليون نسمة، أي حوالي 14% من سكان لندن.
-
مانشستر: تُعد من المدن الرئيسية التي يوجد بها مجتمع مسلم كبير، خاصة في الأحياء مثل أولد هام، وفي مناطق أخرى من شمال إنجلترا.
-
برمنغهام: ثاني أكبر تجمع سكاني للمسلمين بعد لندن، حيث يشكل المسلمون ما يقارب 21% من سكان المدينة.
-
ليفربول وليدز وبريستول: هذه المدن أيضاً تحوي تجمعات كبيرة ومتنوعة من المسلمين.
-
مدن أخرى مثل غلاسكو وكارديف تحتوي أيضاً على أقليات مسلمة لكنها أقل كثافة.
3. التركيبة العرقية والثقافية
يتنوع المسلمون في بريطانيا من حيث الأصول العرقية والثقافية، وتضم الجاليات البريطانية المسلمة مجموعات رئيسية منها:
-
الباكستانيون: أكبر مجموعة عرقية مسلمة في بريطانيا، يمثلون نحو 50% من مجموع المسلمين.
-
البنغلاديشيون: ثاني أكبر مجموعة، خاصة في شرق لندن.
-
الهنود: يشكلون نسبة كبيرة، ويتميزون بخصوصية دينية تتنوع بين الإسلام السني والشيعي.
-
الآفارقة (الصوماليون، السودانيون، والجنوب سودانيون): نسبة متزايدة من المسلمين في المدن البريطانية.
-
الأوروبيون: منهم من اعتنق الإسلام، إضافة إلى أصول من تركيا وبلدان البلقان.
4. التوزيع الطائفي
المسلمون في بريطانيا يتوزعون بين مذاهب متعددة، لكن الغالبية تتبع المذهب السني، الذي يشكل حوالي 75-80% من المسلمين. أما المذهب الشيعي فيمثل نحو 10-15%، مع وجود أقليات أخرى كالأحمدية والزيدية.
5. التأثير الاجتماعي والاقتصادي للمسلمين
يتميز المجتمع المسلم في بريطانيا بوجود مؤسسات متعددة تخدم شؤون الدين والتعليم والخدمات الاجتماعية. يشارك المسلمون في الحياة الاقتصادية البريطانية بشكل متزايد، حيث يوجد عدد كبير من رواد الأعمال والمسؤولين في مختلف المجالات.
-
العمل والتعليم: يُظهر المسلمون نسبة مشاركة عالية في قطاعات التجارة والخدمات، ويشهد التعليم الجامعي ارتفاعاً في أعداد الطلاب المسلمين.
-
المؤسسات الإسلامية: مثل المساجد، مراكز الثقافة الإسلامية، والمدارس الإسلامية التي توفر بيئة تعليمية دينية وعلمية.
-
المساهمات الثقافية: ظهرت أوجه متنوعة من الثقافة الإسلامية في الفنون، الأدب، والفعاليات الاجتماعية مما يعزز التفاعل الثقافي في المجتمع البريطاني.
6. التحديات التي تواجه المسلمين في بريطانيا
رغم النمو الكبير والتقدم الملحوظ، لا تخلو حياة المسلمين في بريطانيا من تحديات عدة:
-
التمييز والعنصرية: يواجه المسلمون في بعض الأحيان مظاهر التمييز والعنصرية، سواء في سوق العمل أو في الحياة الاجتماعية.
-
الإسلاموفوبيا: تظهر في بعض الأوقات حوادث من العداء ضد المسلمين بسبب سياسات متعلقة بالإرهاب أو الهجرة.
-
التطرف والإرهاب: يواجه المجتمع المسلم تحدياً داخلياً في مواجهة التطرف، مما أثر على صورة المسلمين في الإعلام والرأي العام.
-
الفقر والتهميش: بعض الجاليات المسلمة تعاني من معدلات فقر مرتفعة نسبياً، خاصة في المناطق الحضرية المهمشة.
7. دور الحكومة والسياسات المتبعة
تبذل الحكومة البريطانية جهوداً للاندماج وتحسين أوضاع المسلمين من خلال سياسات عدة:
-
برامج مكافحة التمييز: قوانين تمنع التمييز على أساس الدين أو العرق.
-
دعم التعليم والتوظيف: توفير فرص أفضل للطلاب والباحثين عن عمل من المجتمع المسلم.
-
الحوار الديني والثقافي: تشجيع الحوار بين مختلف الطوائف والمجتمعات من أجل تعزيز التفاهم والتعايش.
-
مكافحة التطرف: برامج توعية ومنع التطرف بالتعاون مع المؤسسات الدينية والجماعات المحلية.
8. مستقبل المسلمين في بريطانيا
المسلمون في بريطانيا يشكلون جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي البريطاني، ومع استمرار النمو السكاني والتعليم والاندماج الاقتصادي، من المتوقع أن تلعب هذه الجماعة دوراً أكبر في مستقبل البلاد على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية.
جدول مقارنة بين عدد المسلمين في بريطانيا عبر السنوات
| السنة | عدد المسلمين (مليون) | نسبة المسلمين من السكان (%) |
|---|---|---|
| 2001 | 1.6 | 2.8 |
| 2011 | 2.7 | 4.8 |
| 2021 | 3.9 | 6.0 |
المصادر والمراجع
-
Office for National Statistics (ONS), Census 2021 data
-
Pew Research Center, “The Future of the Global Muslim Population,” 2017
تجسد الأرقام والدراسات الواردة في هذا المقال النمو المتسارع للمجتمع المسلم في بريطانيا، وتأثيره المتزايد في مختلف جوانب الحياة. يمثل المسلمون في بريطانيا مجتمعاً متنوعاً ومتعدد الأوجه، يواجه تحديات مختلفة لكنه في الوقت ذاته يقدم إسهامات قيمة في بناء المجتمع البريطاني الحديث.
