عدد المسلمين في أمريكا الشمالية

عدد المسلمين في أمريكا الشمالية، الإحصائيات، التوزيع الجغرافي، التأثير الثقافي والديني

تشهد أمريكا الشمالية تزايدًا مستمرًا في أعداد المسلمين، مما يعكس تنوعًا ديموغرافيًا متصاعدًا يرافقه تأثير واضح على الصعيدين الثقافي والديني داخل المجتمعات الكندية والأمريكية والمكسيكية. ويُعد فهم حجم هذه الجالية، تركيبها السكاني، أنماط الهجرة والانخراط المجتمعي والديني من الجوانب الأساسية لتحليل تحولات البنية السكانية في القارة، خاصة في ظل التحديات المعاصرة التي تتعلق بالاندماج والتنوع.

أولاً: نظرة عامة على المسلمين في أمريكا الشمالية

تتكون أمريكا الشمالية من ثلاث دول رئيسية: الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، والمكسيك. إلا أن الغالبية الساحقة من المسلمين في هذه القارة يتركزون في الولايات المتحدة وكندا، بينما يشكل وجودهم في المكسيك نسبة ضئيلة نسبيًا. ويُعزى تزايد عدد المسلمين في أمريكا الشمالية إلى عدة عوامل، من أبرزها الهجرة، ومعدلات الولادة المرتفعة نسبيًا داخل المجتمعات المسلمة، فضلاً عن التحولات الدينية من خلال اعتناق الإسلام.

ثانيًا: عدد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية

بحسب تقرير صادر عن مركز “بيو للأبحاث” (Pew Research Center) في عام 2021، بلغ عدد المسلمين في الولايات المتحدة نحو 3.85 مليون مسلم، وهو ما يشكّل قرابة 1.1% من إجمالي السكان الأمريكيين، والذي يناهز 330 مليون نسمة. ويُتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2050 ليبلغ نحو 8.1 مليون مسلم، ما يمثل حوالي 2.1% من السكان، وفقًا لتوقعات معدلات الهجرة والخصوبة.

يمتاز المجتمع المسلم في أمريكا بالتنوع العرقي والثقافي، ويشمل فئات متعددة منها:

• المسلمون من أصول جنوب آسيوية (باكستان، الهند، بنغلاديش)

• المسلمون من أصول عربية (لبنان، سوريا، مصر، فلسطين، العراق، اليمن، المغرب، إلخ)

• المسلمون من أصول أفريقية أمريكية، وهم يشكلون نسبة مهمة من المسلمين المحليين

• المسلمون من أصول أفريقية مهاجرة (نيجيريا، الصومال، السودان)

• مسلمين من أصول أوروبية وآسيوية وأمريكية لاتينية

ومن المهم الإشارة إلى أن نحو 23% من المسلمين الأمريكيين هم من المتحولين إلى الإسلام، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بباقي الأديان.

ثالثًا: عدد المسلمين في كندا

في كندا، يشهد عدد المسلمين نموًا متسارعًا أيضًا. ووفقًا للإحصاء السكاني الكندي لعام 2021، بلغ عدد المسلمين في كندا حوالي 1.8 مليون نسمة، أي ما يعادل 4.9% من سكان البلاد، الذين يُقدّر عددهم بنحو 38 مليون نسمة. ويتوقع أن تزداد هذه النسبة بشكل ملحوظ في العقود القادمة، نتيجة لاستمرار تدفق المهاجرين المسلمين إلى كندا من دول مثل باكستان، إيران، الصومال، سوريا، والمغرب، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الولادات داخل المجتمعات المسلمة.

يركز الوجود الإسلامي في كندا في المقاطعات الكبرى، خاصة:

• أونتاريو: تضم النسبة الأكبر من المسلمين الكنديين، وخاصة في منطقة تورونتو الكبرى

• كيبك: تحتضن مجتمعات مسلمة بارزة، خصوصًا في مدينة مونتريال

• ألبرتا وبريتيش كولومبيا: تعرفان أيضًا تواجدًا إسلاميًا ملحوظًا

وتمتاز كندا بسياسات هجرة أكثر انفتاحًا وتسامحًا دينيًا، ما يساهم في تسهيل اندماج المسلمين داخل المجتمع الكندي.

رابعًا: عدد المسلمين في المكسيك

على الرغم من أن الإسلام لا يُعد من الأديان البارزة في المكسيك، فإن هناك وجودًا إسلاميًا محدودًا لكنه في نمو بطيء. وتقدر بعض المصادر أن عدد المسلمين في المكسيك يتراوح بين 10,000 و15,000 مسلم، معظمهم من المتحولين إلى الإسلام أو من الجاليات المهاجرة. وتتركز المساجد والمراكز الإسلامية في المدن الكبرى مثل مكسيكو سيتي وتيخوانا وتشاباس، حيث يبرز دور الجالية الإسلامية في تنظيم النشاطات الدينية والثقافية.

خامسًا: الانتشار الجغرافي للمسلمين في أمريكا الشمالية

يتوزع المسلمون في أمريكا الشمالية في مناطق حضرية كبرى، ويختارون في الغالب المدن ذات البنى التحتية المتقدمة والفرص الاقتصادية والتعليمية العالية، مما يساهم في تعزيز حضورهم المدني والديني والثقافي. ويبرز هذا التوزيع على الشكل التالي:

سادسًا: الهوية الإسلامية والمشاركة المجتمعية

يشارك المسلمون في أمريكا الشمالية بفاعلية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والتعليمية، ويُسجل حضور متزايد لهم في ميادين الطب، الهندسة، الأعمال، الإعلام، والفن. وتضم الولايات المتحدة وكندا العديد من المساجد والمراكز الإسلامية التي توفر خدمات دينية وتعليمية واجتماعية، كما تمثل صوتًا هامًا في الدفاع عن الحقوق المدنية ومكافحة الإسلاموفوبيا.

وقد نشأت شبكات مجتمعية قوية تسعى لتعزيز الهوية الإسلامية ضمن الإطار الأمريكي والكندي، من خلال الجمعيات الطلابية الإسلامية (مثل MSA في الجامعات)، المنظمات الخيرية، والمبادرات الدعوية والإعلامية.

سابعًا: المؤسسات الإسلامية والتعليمية

يوجد في أمريكا الشمالية مئات المساجد والمؤسسات التعليمية الإسلامية، بما في ذلك المدارس الخاصة التي تعتمد مناهج إسلامية مدمجة مع التعليم الأكاديمي الرسمي. كما تنتشر الجامعات والمراكز الفكرية التي تقدم برامج دراسات إسلامية باللغة الإنجليزية والفرنسية.

من أبرز المؤسسات:

• Islamic Society of North America (ISNA)

• Council on American-Islamic Relations (CAIR)

• Muslim Association of Canada (MAC)

• Zaytuna College في كاليفورنيا

• Institute of Islamic Studies في جامعة مكغيل، كندا

ثامنًا: التحديات التي تواجه المسلمين في أمريكا الشمالية

رغم التقدم والانفتاح، يواجه المسلمون في أمريكا الشمالية تحديات متزايدة، من بينها:

• الإسلاموفوبيا، التي تزايدت بشكل ملحوظ بعد أحداث 11 سبتمبر 2001

• التمييز في العمل والتعليم والإعلام

• التمثيل السياسي المحدود رغم التحسن التدريجي

• تحديات الحفاظ على الهوية الإسلامية بين الأجيال الجديدة

• ضعف الدعم المؤسسي لمكافحة الصور النمطية السلبية

وتسعى العديد من الجمعيات الإسلامية إلى التصدي لهذه التحديات من خلال التوعية، الانخراط المدني، والبرامج التثقيفية داخل المجتمعات المحلية.

تاسعًا: التحول الديني واعتناق الإسلام

تشير الإحصائيات إلى أن الإسلام يُعد من أكثر الأديان نموًا في أمريكا الشمالية من حيث عدد الأشخاص الذين يعتنقونه سنويًا. ووفقًا لمركز بيو، فإن حوالي 23% من المسلمين في أمريكا هم من المتحولين الجدد، معظمهم من أصول أمريكية أفريقية ولاتينية، وتلعب عدة عوامل دورًا في ذلك، من بينها:

• البحث عن الروحانية والانضباط الأخلاقي

• الإعجاب بالمجتمع الإسلامي والانخراط فيه

• النفور من المادية والفراغ الروحي في بعض المجتمعات الغربية

عاشرًا: التأثير الثقافي والديني للمسلمين في أمريكا الشمالية

لم يقتصر الحضور الإسلامي في أمريكا الشمالية على الجانب الديني فقط، بل امتد ليشمل التأثير في الثقافة والمجتمع، حيث باتت الثقافة الإسلامية جزءًا من النسيج المتعدد الثقافات في أمريكا وكندا. ويظهر ذلك في:

• انتشار الطعام الحلال، الذي بات متاحًا في سلاسل مطاعم عالمية

• مشاركة المسلمين في السينما، الأدب، الإعلام، والفن

• ازدياد عدد النساء المسلمات المحجبات في الحياة العامة، دون حرج أو قيد قانوني في العديد من الولايات

• إحياء شهر رمضان في المدن الكبرى من خلال الفعاليات الخيرية والثقافية، مثل موائد الإفطار الجماعية والمعارض

الخلاصة

يمثل المسلمون في أمريكا الشمالية شريحة مهمة من سكان القارة، وهي شريحة تشهد نموًا مستمرًا وتطورًا نوعيًا في مجالات عديدة. يعكس هذا النمو دينامية المجتمعات المسلمة، وقدرتها على التفاعل مع البيئة الغربية دون فقدان الهوية الدينية والثقافية. وبينما لا تزال هناك تحديات متعلقة بالاندماج، والانفتاح، والاعتراف، فإن المسلمين في أمريكا الشمالية يواصلون بناء حضور متين يقوم على التعليم، الانخراط المدني، والمشاركة الفاعلة في المشهد العام، وهو ما يجعل مستقبل الإسلام في هذه القارة واعدًا بكل المقاييس.

المصادر:

1. Pew Research Center, “U.S. Muslims Concerned About Their Place in Society, but Continue to Believe in the American Dream,” 2021

2. Statistics Canada, Census of Population 2021 – Religion in Canada