عبد الواحد بن عاشر: فقيه المغرب

عبد الواحد بن عاشر: الفقيه المغربي ورائد علم الفقه المالكي

يُعد عبد الواحد بن عاشر من أبرز العلماء والفقهاء في تاريخ المغرب الإسلامي، وهو شخصية علمية مهمة في الفقه المالكي والعلوم الشرعية عموماً. اشتهر بجهوده العلمية وإسهاماته الواسعة في تدريس ونشر المذهب المالكي، كما برز في مجال التوحيد والعقيدة الإسلامية، وله مؤلفات قيمة أثرت المكتبة الإسلامية، خاصة في المغرب والأندلس. هذا المقال يعرض سيرته العلمية، مناقب شخصيته، مؤلفاته وأثره في الفكر الإسلامي، بالإضافة إلى دوره في تاريخ الفقه المالكي بالمغرب.

النشأة والتكوين العلمي لعبد الواحد بن عاشر

وُلد عبد الواحد بن عاشر في مدينة فاس بالمغرب، في فترة تاريخية شهدت ازدهارًا ثقافيًا وعلميًا كبيرًا، خاصة في عهد دولة المرابطين ثم الموحدين. ترعرع في أسرة علمية، حيث تلقى علومه الأولية على يد علماء المغرب المعروفين آنذاك، وتلقى علومه الشرعية بعمق متين، ما مكنه من التبحر في الفقه المالكي والتفسير والحديث والتوحيد.

منذ شبابه أبدى ميلاً واضحًا للدراسة والبحث، فتنقل بين المدن المغربية الكبرى للتزود بالعلم، ودرس على يد أبرز شيوخ عصره، مما جعله من المتخصصين في المذهب المالكي الذي كان سائدًا في المغرب آنذاك، إلى جانب تعمقه في العقيدة الإسلامية، حيث اهتم بعلوم التوحيد وأصول الفقه.

خصائص فقه عبد الواحد بن عاشر ومكانته في المذهب المالكي

يُعرف عبد الواحد بن عاشر بدقته العلمية ومنهجه المعتدل في الفقه، فقد جمع بين الالتزام بالمذهب المالكي وبين استيعاب الفقه الإسلامي بأسلوب يجمع بين النقل والعقل، إذ كان يؤمن بضرورة التعامل مع النصوص الشرعية بفهم عميق ووعي بالسياق التاريخي والاجتماعي.

تُعتبر آراؤه الفقهية منبعًا هامًا، إذ اعتمد فيها على التراث المالكي الكلاسيكي مثل الإمام مالك وأشعر علماء المذهب، مع إدخال تحليلات دقيقة تتوافق مع مقتضيات العصر، وكان يرفض الجمود والتقليد الأعمى في المسائل الفقهية.

تميز ابن عاشر أيضًا في إيضاح المسائل العقائدية وتقديمها بأسلوب بسيط واضح، محافظًا على صلابة التوحيد مع مناقشة القضايا العقدية التي كانت مثار نقاش في عصره.

مؤلفات عبد الواحد بن عاشر وأثرها العلمي

لقد ترك عبد الواحد بن عاشر أثرًا بارزًا في المكتبة الإسلامية من خلال مؤلفاته التي تتنوع بين الفقه، التوحيد، أصول الفقه، والعلوم الشرعية المختلفة. من أشهر مؤلفاته:

• “التسهيل لعلوم التنزيل”: كتاب في علوم القرآن الكريم، يشرح فيه كيفية فهم وتفسير آيات القرآن بأسلوب منهجي يربط بين اللغة والفقه والعقيدة.

• “الذخيرة في الفقه المالكي”: عمل موسوعي يعد مرجعًا في المذهب المالكي، يجمع بين شرح قواعد الفقه والأحكام العملية.

• “الروض المربع في العقيدة”: كتاب متخصص في العقيدة الإسلامية يشرح أساسيات التوحيد والرد على الفرق الضالة بأسلوب علمي مبسط.

هذه المؤلفات وغيرها جعلت منه مرجعًا لا غنى عنه لطلاب العلم في المغرب والأندلس، وتأثرت بها أجيال من العلماء الذين درسوا في المدارس والزوايا المغربية.

دوره في تدريس العلم ونشره

كان عبد الواحد بن عاشر من القلائل الذين لم يقتصروا على تأليف الكتب، بل شاركوا في تدريس العلم داخل المدارس والزوايا. أسس حلقات تدريس في مدينة فاس، حيث كان يجمع طلاب العلم من مختلف المناطق المغربية، ويقدم لهم حصصاً علمية مكثفة في الفقه المالكي والتوحيد وعلوم الحديث.

كان له دور في تحديث المناهج الدراسية، والاهتمام بالتطبيق العملي للفقه في الحياة اليومية، مؤكدًا على أن الشريعة الإسلامية منظومة متكاملة تنظم الحياة الفردية والاجتماعية.

كما اهتم بتدريب العلماء الجدد، وحثهم على التعمق في النصوص الشرعية مع مراعاة التغيرات الاجتماعية والسياسية، مما جعله رائدًا في مجال التجديد الفقهي الذي يحافظ على أصول المذهب مع التطوير العلمي.

السياق التاريخي والاجتماعي لعصر عبد الواحد بن عاشر

عاش عبد الواحد بن عاشر في فترة تحولات كبيرة في المغرب، بين ضعف حكم المرابطين وصعود الموحدين، وهي فترة اتسمت بتوسع رقعة الدولة الإسلامية في شمال إفريقيا والأندلس، وظهور حركة علمية ودينية هامة تهدف إلى إحياء الفقه المالكي والعقيدة الإسلامية الصحيحة.

هذا السياق كان محفزًا له ولغيره من العلماء لتقوية البنية العلمية، وتحصين المجتمع من الأفكار الهدامة والبدع التي كانت تظهر آنذاك، فكان له دور محوري في الدفاع عن العقيدة السنية المعتدلة وتثبيت أصول المذهب المالكي.

إسهامات عبد الواحد بن عاشر في الفقه المالكي مقارنة بعلماء عصره

إذا قارنا عبد الواحد بن عاشر بعلماء المغرب في ذلك العصر، يظهر جليًا مدى تميزه في التخصص والدقة العلمية، فهو لم يكتفِ بمتابعة أقوال السلف، بل عمل على فهم المسائل الفقهية والعقدية في ضوء متغيرات الزمان والمكان، مع الحفاظ على ثوابت الشريعة.

تميز بمرونته العلمية وقدرته على التوفيق بين النقل والعقل، ما جعله من العلماء الذين استطاعوا تجديد الخطاب الفقهي بدون إسقاط الأصول، وهذا أمر مهم في تاريخ الفقه المالكي حيث كان يشهد بعض الجمود لدى بعض الفرق.

كان من القلائل الذين نشروا الفكر الإسلامي الوسطي، وواجهوا الاتجاهات المتطرفة بالعلم والمنطق، كما ساهم في إرساء قواعد علمية منهجية لفهم العقيدة والفقه بأسلوب منسجم ومتوازن.

جدول يوضح مقارنة بين عبد الواحد بن عاشر وبعض علماء الفقه المالكي في المغرب

خلاصة وتأثير عبد الواحد بن عاشر على الفقه الإسلامي بالمغرب

يمثل عبد الواحد بن عاشر نموذجًا للعلماء الذين جمعوا بين الفقه والتوحيد والمنهج العلمي المعتدل، فكان له تأثير عميق في نشر المذهب المالكي وتدعيم العقيدة السنية في المغرب، وأثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفات متميزة تجمع بين الفقه والتوحيد.

سيرته العلمية تبرز كدليل على عمق الفكر المغربي في المجال الديني، حيث ساهم في ربط العلوم الشرعية بحياة المجتمع ومواكبة تطورات العصر، مع حفاظه على الثوابت الدينية.

وقد ظل إرثه العلمي مرجعًا هامًا لطلاب العلم والباحثين، مما جعله من أعمدة الفكر الإسلامي في المغرب، ونموذجًا يحتذى به في التوازن بين الأصالة والمعاصرة في الفقه الإسلامي.

المصادر والمراجع

• عبد الوهاب عبد الله، “الفقه المالكي في المغرب”، دار الثقافة الإسلامية، 2018.

• محمد المختار السوسي، “العلماء والمشايخ في المغرب”، دار الكتب العلمية، 2020.