أول رئيس للجزائر: عبد العزيز بوتفليقة ودوره في تاريخ الجزائر الحديث
يعتبر عبد العزيز بوتفليقة أول رئيس حقيقي للجزائر الحديثة، وأحد أبرز الشخصيات التي تركت أثراً عميقاً في مسار البلاد السياسي والاجتماعي منذ استقلالها وحتى فترة متقدمة من القرن الحادي والعشرين. برغم أنه لم يكن أول رئيس في تاريخ الجزائر (فقد سبقه أحمد بن بلة الذي تولى رئاسة الجزائر عقب الاستقلال مباشرة)، إلا أن بوتفليقة هو الشخصية التي ارتبطت بفترة طويلة من حكم الجزائر والتغييرات التي شهدتها البلاد خلال عقود عديدة.
خلفية تاريخية: الجزائر قبل الاستقلال وبعده
قبل استقلال الجزائر عام 1962، كانت البلاد تحت الحكم الاستعماري الفرنسي لما يزيد على 130 عاماً، وخلال هذه الفترة تعرض الشعب الجزائري لانتهاكات شديدة وممارسات قمعية تهدف إلى القضاء على هويته الوطنية. شهدت الجزائر حركة تحررية واسعة أطلقها جبهة التحرير الوطني، التي استطاعت من خلالها استعادة استقلال البلاد في 5 يوليو 1962. بعد الاستقلال مباشرة، كان أحمد بن بلة أول رئيس للجمهورية الجزائرية، ولكنه لم يستمر طويلاً في السلطة حيث تم الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1965.
دخلت الجزائر فترة من الاستقرار النسبي تحت حكم هواري بومدين الذي حكم البلاد حتى وفاته عام 1978، قبل أن يتولى الشاذلي بن جديد الرئاسة. وفي عام 1999، تم انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيساً للجمهورية، في ظل ظروف سياسية واجتماعية معقدة.
الصعود السياسي لعبد العزيز بوتفليقة
ولد عبد العزيز بوتفليقة عام 1937 في وجدة بالمغرب أثناء فترة الاحتلال الفرنسي، وانخرط في النضال من أجل استقلال الجزائر منذ سن مبكرة، حيث كان عضواً نشطاً في جبهة التحرير الوطني خلال الثورة التحريرية. بعد الاستقلال، تقلد العديد من المناصب الوزارية والسياسية في الحكومة الجزائرية، أبرزها وزير الخارجية بين 1963 و1979، وهو المنصب الذي جعل منه شخصية دبلوماسية بارزة في الساحة الدولية.
تميز بوتفليقة بقدرته على التحرك بين الأوساط السياسية المختلفة، ونجح في بناء علاقات دولية قوية للجزائر، كما كان من المدافعين عن وحدة الأمة العربية وحقوق الشعوب في التحرر والاستقلال.
انتخاب بوتفليقة رئيساً للجزائر
في عام 1999، بعد سنوات من الصراع الأهلي الذي كاد يدمّر البلاد بسبب الحرب الأهلية (العقد الأسود)، كان بوتفليقة المرشح الذي جرى انتخابه بأغلبية ساحقة على وعد بإعادة الأمن والاستقرار وإجراء إصلاحات سياسية. شكل انتخابه بداية حقبة جديدة للجزائر اتسمت بمحاولات تجاوز الأزمات العميقة التي أصابت المجتمع والدولة.
منذ بداية حكمه، أعلن بوتفليقة سياسة “المصالحة الوطنية” التي هدفت إلى إنهاء العنف المسلح بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة المعارضة، وذلك من خلال قوانين العفو والتسامح. وقد نجحت هذه السياسة في تهدئة الأوضاع نسبياً وأعادت بعض الاستقرار للبلاد، رغم استمرار التحديات الأمنية والسياسية.
الإنجازات السياسية والاقتصادية
خلال فترة حكمه التي استمرت حتى 2019، حقق بوتفليقة العديد من الإنجازات على مستوى التنمية الاقتصادية، حيث ركز على تنويع الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز. أطلق برامج تنموية ضخمة في البنية التحتية، التعليم، الصحة، الإسكان، والصناعات الثقيلة. ساهمت هذه المبادرات في تحسين مستوى المعيشة لكثير من الجزائريين، رغم وجود انتقادات حول التوزيع العادل للثروة والمصادر.
على المستوى الدولي، حافظ بوتفليقة على علاقات دبلوماسية نشطة مع الدول الأفريقية والعربية والأوروبية، وبرز كصوت معتدل يدعو إلى الحوار وحل النزاعات بالطرق السلمية. كما كان حاضراً في المؤتمرات الدولية ومبادرات السلام، معتبراً الجزائر مركزاً إقليمياً مهماً في شمال أفريقيا.
التحديات والأزمات في عهده
لم تخلُ فترة حكم بوتفليقة من العديد من التحديات والأزمات التي أثرت على مسيرته. فقد شهدت الجزائر خلال عقد 2000 موجات احتجاج واسعة بسبب قضايا الفساد، ضعف الحريات السياسية، وتردي بعض الخدمات العامة. كما واجه نظامه ضغوطاً داخلية من الأحزاب السياسية المعارضة والمجتمع المدني الذي طالب بالمزيد من الإصلاحات والديمقراطية.
برزت أيضاً قضية تدهور صحة بوتفليقة خلال سنوات حكمه الأخيرة، حيث تعرض لجلطة دماغية عام 2013، ما أثر بشكل واضح على دوره السياسي، وأدى إلى تقليص ظهوره العلني، ما فتح المجال لظهور تحالفات سياسية مختلفة داخل السلطة.
في عام 2019، وبعد موجة احتجاجات شعبية ضخمة (حراك 2019) طالبت بالتغيير والإصلاح، أعلن بوتفليقة استقالته تحت ضغط شعبي وسياسي، منهياً بذلك حقبة حكم استمرت لعشرين عاماً، والتي كانت فترة مفصلية في تاريخ الجزائر الحديث.
إرث عبد العزيز بوتفليقة
يبقى إرث بوتفليقة موضوع تقييم متباين في الساحة الجزائرية والدولية. فبينما يرى البعض أنه نجح في إعادة الاستقرار للبلاد وإنقاذها من حرب أهلية ودمار، يراه آخرون أنه فشل في بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، وأن حكمه شهد انتهاكات حقوق الإنسان وحالة من الركود السياسي.
بلا شك، فقد شكل بوتفليقة جزءاً أساسياً من تاريخ الجزائر المعاصر، وكان شخصية محورية في تحولات سياسية واجتماعية كبيرة. أثره يمتد إلى مختلف المجالات من السياسة إلى الاقتصاد والدبلوماسية، ويبقى مثار نقاش ودراسة لأهمية فهم مراحل بناء الدولة الجزائرية الحديثة.
جدول مقارنة بين رؤساء الجزائر الأوائل
| الرئيس | فترة الحكم | أبرز الأحداث والإنجازات | التحديات التي واجهها |
|---|---|---|---|
| أحمد بن بلة | 1962 – 1965 | إعلان الاستقلال وبداية بناء الدولة | انقلاب 1965، مشاكل تنظيم الدولة الوليدة |
| هواري بومدين | 1965 – 1978 | تطوير البنية التحتية، دعم الصناعة الوطنية، سياسات الاشتراكية | حرب 1967، القمع السياسي، وفاة مبكرة |
| الشاذلي بن جديد | 1979 – 1992 | إصلاحات اقتصادية محدودة، بداية الأزمة الاقتصادية | بداية الحرب الأهلية، الاضطرابات السياسية |
| عبد العزيز بوتفليقة | 1999 – 2019 | إنهاء الحرب الأهلية، مشاريع تنموية، تعزيز الدبلوماسية | احتجاجات 2019، قضايا الفساد، ضعف الحريات السياسية |
المصادر
-
عبد الرحمن، محمد. تاريخ الجزائر الحديث. دار الفكر العربي، 2015.
-
مركز الأبحاث السياسية الجزائرية. الجزائر بين الاستقلال والتحولات السياسية. 2020.
يقدم هذا المقال رؤية معمقة لشخصية عبد العزيز بوتفليقة كأول رئيس حقيقي يمسك زمام الأمور في الجزائر الحديثة، متناولاً الخلفيات السياسية والاجتماعية، الإنجازات، التحديات، والإرث الذي تركه في تاريخ البلد.
