فيلم Twisters: بين جنون الطبيعة ومطاردة العاصفة – ملحمة بصرية عن الكوارث الطبيعية والبشر المعاصرين

يشكّل فيلم Twisters (2024) امتدادًا حديثًا للنوع السينمائي الذي يتناول الكوارث الطبيعية، لكنه لا يكتفي بإعادة استنساخ التجارب السابقة بل يضيف إليها عمقًا معاصرًا يتماشى مع العصر الرقمي ومفاهيم البطولة الحديثة. يجمع الفيلم بين التشويق البصري، الدراما الإنسانية، ومخاطر التكنولوجيا في قلب الطبيعة الغاضبة، ضمن حبكة تدور حول اصطدام فرق مطاردة العواصف وسط ظواهر جوية غير مسبوقة.

الخلفية الإنتاجية والعمل السينمائي

أُنتج فيلم Twisters بميزانية ضخمة بلغت 155 مليون دولار، في تعاون بين شركات عملاقة مثل Universal Pictures، Warner Bros. Pictures، وAmblin Entertainment. وقد تم إطلاقه في دور السينما بتاريخ 10 يوليو 2024، محققًا إيرادات تجاوزت 274 مليون دولار عالميًا، ما يعكس اهتمام الجماهير المتواصل بهذا النوع من القصص الكارثية المليئة بالأدرينالين والتشويق.

يمتد الفيلم على مدى 123 دقيقة، من إخراج لي إسحاق تشونغ، ويضم طاقمًا تمثيليًا واسعًا أبرزهم ديزي إدغار-جونز وغلين باول وأنتوني راموس، حيث يقدّم كل منهم أداءً يجمع بين الاندفاع الإنساني والرعب الهادئ الناتج عن مواجهة قوة الطبيعة.

الحبكة: مواجهة الطبيعة ومخاطر التكنولوجيا

تدور أحداث الفيلم في قلب ولاية أوكلاهوما، التي تشتهر بكونها مسرحًا نشطًا للعواصف الدوّامية. مع تصاعد موسم العواصف وبلوغ الظواهر الجوية حدًّا غير مسبوق، تعود كيت كارتر، مطاردة العواصف السابقة، إلى الميدان لمواجهة هذه الكوارث بعد أن اعتزلت الحياة الخطرة. وعلى الطرف الآخر، يظهر تايلر أوينز، نجم وسائل التواصل الاجتماعي المتهور، الذي يستخدم مطاردة العواصف كوسيلة لتحقيق شهرة رقمية.

يلتقي الاثنان – كيت المتأملة وتايلر الطموح – ضمن ظروف خارجة عن المألوف، وتبدأ المنافسة بين فرقهم على من يستطيع جمع البيانات الأكثر قيمة من العواصف أو تحقيق أكبر عدد من المتابعين. لكن المفاجأة تأتي عندما تتحد أنظمة الطقس، مطلقة سلسلة من العواصف غير المسبوقة التي تهدد ليس فقط المدن والبنية التحتية، بل حياتهم جميعًا. لم تعد المسألة مجرد مطاردة، بل صراع من أجل البقاء.

تحليل درامي ونفسي للشخصيات

يقدّم الفيلم شخصياته بطريقة تميل إلى التعقيد النفسي بعيدًا عن النماذج النمطية. كيت كارتر، التي تؤديها ديزي إدغار-جونز، ليست فقط عالمة أو بطلة؛ بل امرأة تبحث عن الخلاص من ذنب ماضٍ مؤلم، يحمل في طيّاته فقدانًا سببته العواصف. يقف اختيارها للعودة إلى الميدان كفعل شجاع ناتج عن الصراع الداخلي بين السلامة الشخصية والواجب العلمي.

أما تايلر أوينز، الذي يؤديه غلين باول، فهو ليس فقط مؤثرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، بل يمثل جيلًا مهووسًا بالظهور والتفاعل حتى في أخطر اللحظات. رغم تهوره الظاهري، فإن الشخصية تتطور بشكل تدريجي مع تصاعد الأحداث، ويتحول من باحث عن اللايكات إلى إنسان يقدّر قيمة الحياة والتضحية.

العاصفة كشخصية سردية

العواصف في Twisters لا تمثل فقط الخلفية الزمنية أو الفيزيائية للأحداث، بل تتحول إلى شخصية بحد ذاتها، تمتلك ديناميكية، إرادة، ومزاجًا متقلبًا. في كثير من المشاهد، تتحول الأعاصير إلى كيانات حية، تلاحق وتدمّر وتُرعب، ويتم تصويرها عبر تقنيات تصوير حديثة ومؤثرات بصرية متقدمة.

تُظهر المؤثرات البصرية في الفيلم مستوى متقدمًا من الواقعية، حيث تم استخدام تقنيات التصوير الجوي والطائرات المسيّرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي لمحاكاة حركة الأعاصير وتفاعلها مع البيئة. هذه التفاصيل تعزز من واقعية الفيلم وتمنحه بعدًا سينمائيًا مميزًا، بحيث لا يكون مجرد عرض بصري، بل تجربة غامرة بكل المعايير.

البعد البيئي والتقني

يمضي الفيلم أبعد من مجرد إثارة ودراما، ويطرح تساؤلات عميقة حول تغير المناخ، وتطور الظواهر الجوية المتطرفة، واستخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في محاولة لفهم هذه الظواهر. كما يتطرق إلى مخاطر الرقمنة المفرطة، من خلال شخصية تايلر، حيث يطرح مسألة الاستغلال الرقمي للمآسي الطبيعية من أجل جذب الجماهير.

وبينما يقدّم الفيلم صورًا مدهشة للعواصف، فإنه لا يغفل عن الإشارة إلى هشاشة الإنسان أمام غضب الطبيعة، ويعرض ذلك من خلال مشاهد انهيار منازل، اضطراب في البنى التحتية، وانقطاع التواصل التكنولوجي في لحظات حرجة.

البنية السردية والتوتر التصاعدي

يعتمد الفيلم على تصاعد متدرج في التوتر الدرامي، حيث تبدأ الأحداث بهدوء نسبي، ومن ثم تأخذ في التسارع مع كل عاصفة جديدة. يتم الانتقال من عاصفة مفردة إلى نظام أعاصير متداخلة، ما يزيد من مستوى التهديد والخطر. وهذا التدرج السردي يمنح المشاهد شعورًا بالتورط الشخصي في مجريات الأحداث، وكأن العاصفة تقترب منه هو شخصيًا.

يمتاز الإخراج بتوازن بين المشاهد الحميمية والبصرية الكبرى، فلا تغيب المشاعر الإنسانية في خضم الدمار، كما لا تُفقد الحسية البصرية في زحمة الحوارات. إنّ الجمع بين هذين البعدين يخلق تجربة سينمائية متكاملة.

الجدول الزمني للأحداث الكارثية في الفيلم

أداء الممثلين وتأثيرهم على العمل

تميّز أداء ديزي إدغار-جونز ببُعد درامي قوي جعل شخصية كيت أكثر إنسانية، بينما قدّم غلين باول أداءً متوازنًا بين الطيش والنضج التدريجي. كما ساهم الممثلون المساعدون مثل أنتوني راموس وماورا تيرني في تعزيز الحوارات ومنح السياق عمقًا إنسانيًا، خاصة عند تصوير العلاقات داخل الفريق وتوترات المنافسة.

كذلك ساهمت شخصية نيك دوداني وكيرنان شيبكا بإدخال عنصر الكوميديا السوداء إلى بعض اللحظات المتوترة، مما أضفى توازنًا على الجانب النفسي للمشاهد.

المقارنة مع أفلام الكوارث الأخرى

يأتي فيلم Twisters كامتداد طبيعي لفيلم Twister الشهير عام 1996، لكنه يتفوق عليه من حيث التقنية والطرح المعاصر. كما يختلف عن أفلام أخرى مثل The Day After Tomorrow أو Geostorm بتركيزه على الجانب الميداني الواقعي بدلًا من الخيال العلمي البحت.

يتجنب الفيلم المبالغة في الرسالة البيئية المباشرة، وبدلاً من ذلك يدمجها ضمن السرد الطبيعي للأحداث. كما يقدّم رؤية نقدية لثقافة التأثير الرقمي والاستهلاك الإعلامي للكوارث، في توازن محكم بين المعنى والمشهدية.

التأثير الثقافي والاجتماعي

من الناحية الثقافية، يعكس الفيلم انشغال الإنسان الحديث بالخطر والطبيعة، لكن من زاوية جديدة ترتبط بمواقع التواصل الاجتماعي. يحاكي العمل الجمهور الرقمي الذي يسعى إلى الإثارة اللحظية، لكنه يفضح في نفس الوقت هشاشة هذا التفاعل عند مواجهة الموت الحقيقي.

يركز الفيلم كذلك على مفهوم الفريق والعمل الجماعي في مواجهة الكوارث، وهي فكرة مهمة في ظل النزعات الفردية المتزايدة في المجتمعات الحديثة. كما يُبرز أهمية العلم والملاحظات الميدانية في مواجهة الكوارث المناخية، ما يسلّط الضوء على دور العلماء والمختصين في الحقول التطبيقية مثل الأرصاد الجوية.

الخاتمة والتقييم النهائي

فيلم Twisters ليس مجرد رحلة في قلب العاصفة، بل هو انعكاس لعصر تتقاطع فيه التكنولوجيا مع المخاطر الطبيعية، والبطولة التقليدية مع نرجسية السوشيال ميديا. يُقدم تجربة سينمائية ذات أبعاد بصرية وفكرية متعددة، مما يجعله من أبرز أفلام الكوارث في العقد الأخير، ويثبت مرة أخرى أن الطبيعة، مهما بدا أنها مفهومة أو قابلة للتنبؤ، ما تزال تحتفظ بسرّها الأكبر: القدرة على المفاجأة.

المراجع:

1. Box Office Mojo – Twisters (2024).

2. Variety Magazine – Twisters Review: A Disaster Epic for the Digital Age.