في العام 1828، تجلّت قوى الطبيعة بجلاء في منطقة جنوب الصين وشمالها، وفي الفلبين وتايوان، حيث ضربت سلسلة من الأحداث الزلزالية المدمرة، تاركة خلفها أثرًا لا يُنسى في ذاكرة الأرض وسكانها. في اليوم التاسع من شهر نوفمبر من ذلك العام البائس، تأرجحت الأرض واهتزّت بقوة قرب جزيرة لوزون الغنية بالجمال والتاريخ في الفلبين، في ساعة مبكرة من فترة الصباح عند الساعة العاشرة والنصف بالتوقيت المحلي.
كانت الهزّة الأرضية بلونها القاتم وبأبعادها المخيفة بمثابة رقصة خطيرة للطبيعة، حيث طالت لمدة دامت دقيقتين أو ثلاث دقائق، متأرجحة بانتظام شديد كموج البحر في يوم عاصف. تناثرت الرعب والفزع في نفوس السكان، وتزاحمت الصور المروعة للدمار والخراب في أذهانهم.
ولكن لم تكتفِ الطبيعة بذلك، فبعد أن انتهت الهزّة الأرضية المروّعة، اندفعت المياه بغضبٍ شديد في نهر باسيج الذي يمر بالعاصمة مانيلا، كأنها تعبّر عن غضب الأرض المتأجج. ارتفعت مياه النهر إلى مستويات لم يسبق لها مثيل إلا في موسم الأمطار الغزيرة، فغمرت الأراضي الزراعية والمناطق الساحلية بغزارة. وفي اليوم التالي، عادت المياه إلى مجاريها العادية، لكن ليس قبل أن تخلّف وراءها آثار الدمار والخراب الذي تسبّبت فيه.
ربما كانت هذه الظاهرة هي نتيجة لزلزال عنيف، لكن بعض المؤرخين والباحثين عبر العصور لا يزالون يثيرّون الشكوك بشأن طبيعتها الحقيقية. فقد أبدى البعض منهم شكوكهم في أن هذه الظاهرة كانت تسونامي حقيقي، رغم قسوتها وشدتها. فقد اعتبر بعض الباحثين، مثل إيدا وزملاؤه، أن هذه الظاهرة كانت محل شكّ كبير، وأنها قد لا تكون في الواقع تسونامي بالمعنى التقليدي للكلمة.
ما حدث في تلك اللحظات القاتمة كان بمثابة تذكير قوي بقوى الطبيعة الهائلة وعجائبها التي لا تُدرك بالكامل. وفي هذا الوقت العصيب، يظل علينا أن نتذكر أننا جزء صغير من هذا الكوكب العجيب، وأننا بحاجة ماسة إلى التسامح والتعاضد مع بعضنا البعض في مواجهة تحديات الطبيعة القاسية.