طواف الإفاضة في الحج: شرح مفصل ودور هام في أداء الركن العظيم

طواف الإفاضة هو أحد أركان الحج الأساسية، ويعد من أهم الشعائر التي لا يمكن للحاج أن يتم حجه بدون أدائه. وهو ركنٌ من أركان الحج التي شرعها الله سبحانه وتعالى في مكة المكرمة، حيث يتم الطواف حول الكعبة المشرفة سبعة أشواطٍ متتالية، ابتداءً من الحجر الأسود وانتهاءً به، مع مراعاة أداء بعض السنن والآداب الشرعية التي تحدد كيفية أداء الطواف الصحيح. يكتسب طواف الإفاضة أهمية كبيرة، لأنه بمثابة النقطة الفاصلة التي تميز بين أحكام الإحرام والبدء في التحلل الجزئي للحاج من إحرامه.

في هذا المقال سوف نتناول موضوع طواف الإفاضة بتفصيل شامل، بدءًا من تعريفه، وظروف أدائه، وأهميته، ومكانته في مناسك الحج، بالإضافة إلى خطواته وآدابه، مع شرح دقيق للفرق بينه وبين الطواف الآخر في الحج، مثل طواف القدوم وطواف الوداع، وتأثيره في حياة الحاج الروحية والجسدية.

تعريف طواف الإفاضة

طواف الإفاضة هو الطواف الذي يقوم به الحاج حول الكعبة بعد أن ينهي وقوفه بعرفة ويبدأ رمي جمرة العقبة يوم النحر، وهو ركن أساسي من أركان الحج، وبدونه لا يُعتبر الحج كاملاً. يُطلق عليه طواف الإفاضة لأنه يمثل الإفاضة من مكة، بمعنى الانطلاق والتحلل من إحرام الحج، فهو بمثابة خطوة انتقالية بين حالة الإحرام المشددة إلى التحلل الجزئي، ويكون هذا الطواف بعد يوم عرفة وليلة مزدلفة ورمي جمرة العقبة، مما يجعله رمزًا لاستكمال شعائر الحج.

من الناحية الشرعية، جاء في الحديث الشريف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة، فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج” وهو ما يربط مباشرة طواف الإفاضة بما بعد يوم عرفة من أعمال الحج.

مكانة طواف الإفاضة في مناسك الحج

طواف الإفاضة ليس مجرد طقس شكلي بل يحمل دلالات روحية عظيمة، فهو يعبر عن الخروج من حالة التزامات الإحرام إلى حالة أكثر حرية، إذ يسمح للحاج بعد أدائه بالحلق أو التقصير وارتداء ملابس أخرى غير إحرامه. يمثل الطواف إعلانًا للمغفرة والرحمة من الله، وتجديدًا للنية الصادقة بين العبد وربه.

يعد طواف الإفاضة ثاني أركان الحج الرئيسية بعد الوقوف بعرفة، ولا يتم الحاج إلا بأدائه، ويؤدى في مكة المكرمة حول الكعبة المشرفة في المسجد الحرام، وهو مقياس حقيقي لإتمام مناسك الحج وتمامه.

متى يؤدى طواف الإفاضة؟

يؤدى طواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر، أي في اليوم العاشر من ذي الحجة. ويُستحب للحاج أن يتوجه إلى مكة المكرمة ليؤدي هذا الطواف عقب انتهاء رمي الجمرة. يحق للحاج أن يؤدي طواف الإفاضة في أي وقت من يوم النحر وحتى نهاية أيام التشريق (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة)، ولكن الأفضلية تكون في أقرب وقت ممكن بعد رمي الجمرة الكبرى.

يرتبط طواف الإفاضة ارتباطًا وثيقًا بالأعمال الأخرى التي تلي يوم عرفة، مثل رمي الجمرات والتقصير أو الحلق، وهذا يعكس أهمية توقيت أدائه كجزء من تنظيم المناسك.

خطوات طواف الإفاضة وأركانه

يجب أن يتم طواف الإفاضة بطريقة صحيحة متبعة السنة النبوية وأركان الطواف، ويمكن تلخيص خطواته كما يلي:

1. النية

النية هي أساس كل عمل صالح، ويبدأ الحاج طوافه بنية أداء طواف الإفاضة، ويستحسن التلفظ بها سرًا أو جهرًا بقلب خاشع.

2. الإحرام بالطواف

يُبدأ الطواف من الحجر الأسود، فإذا لم يستطع اللمس أو التقبيل بسبب الزحام يكفي الإشارة له بالتوجيه والقول “بسم الله، والله أكبر” عند كل شوط.

3. المشي حول الكعبة سبعة أشواط

يدور الحاج حول الكعبة سبعة أشواط كاملين في اتجاه عكس عقارب الساعة، ويبدأ الشوط من الحجر الأسود وينتهي به. ينبغي أن تكون المشي معتدلة، مع تعجيل المشي في الأشواط الثلاثة الأولى إذا كان رجلاً، وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

4. قراءة الأدعية والأذكار

يجوز للحاج أثناء الطواف قراءة الأدعية، القرآن، الأذكار أو الدعاء بما يشاء من الخير، وهذا من أفضال الطواف وأسراره الروحية.

5. السعي بين الصفا والمروة (إن لم يؤدى من قبل)

في حال لم يؤد السعي مع العمرة أو في الأيام السابقة، فإنه يجب أن يؤدى السعي بعد طواف الإفاضة. أما من أدى السعي مسبقًا فلا يلزمه إعادته.

6. الحلق أو التقصير

يستطيع الحاج بعد إتمام طواف الإفاضة الحلق أو التقصير في شعره، مما يعني التحلل من إحرام الحج جزئيًا، وهذا من علامات انتهاء المناسك الرئيسية.

الفروقات بين طواف الإفاضة وأنواع الطواف الأخرى في الحج

في الحج، هناك عدة أنواع من الطواف، ويجب معرفة الفرق بينها لتوضيح أهمية طواف الإفاضة:

• طواف القدوم: هو الطواف الذي يقوم به الحاج عند وصوله مكة قبل بدء مناسك الحج. لا يُعد ركنًا من أركان الحج لكنه سنة مؤكدة.

• طواف الإفاضة: ركن من أركان الحج، وهو الطواف الذي يؤدي بعد يوم عرفة ورمي جمرة العقبة الكبرى، ويعتبر دليلاً على إتمام الحج.

• طواف الوداع: يُؤدى عند مغادرة مكة بعد انتهاء الحج، وهو واجب على من يرغب في مغادرة المدينة، ولا يمكن تركه إلا في حالات محددة.

يمثل طواف الإفاضة جوهر الحج الفعلي ويُعتبر نقطة الانطلاق للتحلل، كما أنه من أركان الحج التي لا يجوز تركها.

الآداب الشرعية لطواف الإفاضة

هناك مجموعة من الآداب التي ينبغي على الحاج مراعاتها أثناء طواف الإفاضة، لتعظيم الأجر، وتحقيق الخشوع، ومنها:

• الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر.

• ارتداء الإحرام (إلا بعد إتمام الطواف).

• التسمية والنية قبل بدء الطواف.

• الابتعاد عن السرعة المفرطة أو البطء الشديد، والمشي باعتدال خاصة في الأشواط الأولى.

• قراءة الأدعية المأثورة مثل: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، ودعاء الاستعاذة من الشيطان.

• تقبيل الحجر الأسود أو الإشارة إليه.

• التوجه إلى الكعبة بكل خشوع وتوجه القلب والنية.

• الصلاة خلف مقام إبراهيم بعد إتمام الطواف.

تأثير طواف الإفاضة على الحاج الروحي والنفسي

يمثل طواف الإفاضة مرحلة جوهرية في رحلة الحج الروحية، حيث يرمز إلى الارتقاء الروحي للمؤمن وقربه من الله. فالحاج بعد أن شهد مشهد الوقوف بعرفة وذرف الدموع واستشعر عظمة الله، يأتي لطواف الإفاضة ليتنفس الصعداء ويرتبط بمركز الأرض المقدس، فيتجدد إيمانه ويتأكد من مغفرة ذنوبه وطهارة قلبه.

هذا الطواف يشكل نقطة التحول التي ينتقل فيها الحاج من التزامات الإحرام الصارمة إلى حالة من الانفتاح والتحرر من القيود، مما يشعره براحة نفسية كبيرة وطمأنينة عميقة تجعله أكثر قدرة على استكمال باقي المناسك بروح عالية وإيمان راسخ.

الجداول الزمنية لأداء طواف الإفاضة

الخلاصة

يُعد طواف الإفاضة جوهر مناسك الحج وأحد أركانه الضرورية التي تميز حج القبول، فهو رمز الطهارة والتجديد والارتباط بالله تعالى في أقدس بقعة على وجه الأرض. من خلال الطواف السباعي حول الكعبة، يختبر الحاج أعمق معاني التواضع والخشوع والتذلل بين يدي الخالق، ويتحرر من حالة الإحرام ليبدأ التحلل الجزئي، مما يرسخ في نفسه شعور الطمأنينة والفرح بلقاء ربه.

يتطلب أداء طواف الإفاضة معرفة دقيقة بأركانه وآدابه، والالتزام بتوقيت أدائه حتى يكتمل الحج بشكل شرعي وسليم. لذلك، يمثل هذا الطواف علامة فارقة بين شعائر الحج المختلفة ويجسد أعظم اللحظات الروحية التي يعيشها الحاج خلال رحلته إلى بيت الله الحرام.