كيف تكون من أولياء الله؟
إن مفهوم ولاية الله، كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، يعد من المفاهيم العميقة التي تستدعي الفهم الصحيح والتدبر في معانيها. الولاية في الإسلام هي درجة من درجات القرب من الله، واصطفاء من الله لعباده الصالحين الذين يتصفون بصفات خاصة تجعلهم أهلاً لأن يكونوا في معيته، ويتنعمون برعاية الله وحمايته ورحمته. والولاية لا تقتصر على مقام خاص أو حالة يمكن الوصول إليها بمجرد ادعاء أو فعل واحد، بل هي حصيلة مجموعة من الأعمال القلبية والجوارحية التي يتقرب بها المسلم إلى الله.
مفهوم الولاية في الإسلام
الولاية في اللغة تعني: “التولي” أو “القيام”، واصطلاحاً تُعرف الولاية بأنها حالة من القرب والتقوى لله سبحانه وتعالى، وهي بذلك تعني أن الشخص الذي نال الولاية أصبح مفضلاً ومقرباً من الله، وذلك بسبب إيمانه القوي وطاعته المستمرة لله ورسوله. ولا شك أن الولاية هي عطية إلهية من الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن للإنسان أن يصل إليها إلا بتوفيق من الله ورحمته.
وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تشير إلى الولاية، ومن أبرزها قوله تعالى: “أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)” (يونس). فهؤلاء هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، حيث أن الإيمان والتقوى هما من أهم صفات هؤلاء الأولياء. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث الصحيحة كيفية الوصول إلى هذه المنزلة الرفيعة، مشيرًا إلى أن ولاية الله تتطلب اجتهادًا كبيرًا في العبادة، وطهارة النفس، والابتعاد عن المعاصي.
شروط الولاية
الولاية ليست هبة خاصة أو مجرد رتبة يصل إليها المؤمن دون جهد، بل هي نتيجة لمجموعة من الشروط والمعايير التي يجب على المسلم أن يسعى لتحقيقها. من أبرز هذه الشروط:
-
الإيمان بالله ورسوله
أول وأهم شرط للولاية هو الإيمان الكامل بالله عز وجل، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، بما يعني ذلك من تصديق بالقلب، وقول باللسان، واعتقاد صحيح في جميع أركان الإيمان. هذا الإيمان هو الأساس الذي يبنى عليه جميع الأعمال الصالحة. -
التقوى والعمل الصالح
التقوى هي الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن، وهي التزام بطاعته، وابتعاد عن معاصيه. وهذا يظهر في قوله تعالى: “إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ” (السجدة: 15). فالتقوى والعمل الصالح يشمل جميع الأعمال التي ترضي الله تعالى، سواء كانت عبادات أو معاملة مع الناس. -
الابتعاد عن المعاصي والذنوب
من أهم شروط الولاية الابتعاد عن المحرمات والذنوب التي تبعد العبد عن الله. المعاصي تقطع الصلة بين العبد وربه، بينما الأعمال الصالحة تقربه إلى الله. الله سبحانه وتعالى وعد أن من يبتعد عن المعاصي ويجتنب الكبائر فإنه من أهل الولاية، كما قال في حديث قدسي: “من عاد لي وليًا فقد آذنته بالحرب”. -
الذكر الدائم لله
أحد أبرز مفاتيح الوصول إلى الولاية هو المداومة على ذكر الله تعالى في كل وقت وحين، سواء باللسان أو بالقلب. كما قال تعالى في سورة الأحزاب: “يُسَبِّحُونَهُ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ”. هذا الذكر يعزز الصلة بالله ويغذي روح المؤمن، ليظل قلبه مشغولاً بحب الله والرضا عنه. -
الصدق والإخلاص في النية
يجب أن تكون الأعمال كلها لوجه الله تعالى، خالية من الرياء أو التفاخر. هذا الإخلاص هو من العوامل المهمة التي تجعل الإنسان يصل إلى منزلة الولاية. والصدق مع الله يتطلب أن يكون الشخص دائمًا على حالة من الاستعداد لتقديم أفضل ما لديه في سبيل الله.
درجات الأولياء
الولاية ليست مرتبة ثابتة، بل هي درجات متفاوتة يمكن أن يصل إليها المؤمن. ويختلف الأولياء في درجاتهم، فمنهم من بلغ درجة عالية من الولاية، حتى وصل إلى مقام القرب الشديد من الله، ومنهم من نال هذه المنزلة من خلال أعماله الصالحة المتواصلة.
هناك العديد من الأحاديث التي تبين أن الولي هو من يكون قريبًا من الله تعالى، وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ فَرْضِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ”. وهذا الحديث يشير إلى أن الشخص الذي يحظى برعاية الله وتوفيقه هو الذي يتقرب إليه بفرائضه أولًا، ثم يضيف إليها النوافل.
صفات أولياء الله
تتعدد صفات أولياء الله الذين نالوا هذه المنزلة، ومن أبرز هذه الصفات:
-
الطمأنينة والسكون
أولياء الله يشعرون دائمًا بالطمأنينة والراحة النفسية، لأنهم في رعاية الله وحفظه. هذه الطمأنينة تنبع من إيمانهم العميق بأن الله معهم، وأنه لا يعجزه شيء. -
الرحمة والتسامح
من صفات أولياء الله الرحمة الكبيرة تجاه الناس، فلا يجدون في أنفسهم حقدًا أو كراهية تجاه أحد، بل يعاملون الجميع برفق ورحمة. -
الإخلاص والصدق في التعامل مع الناس
لا يختلف الأولياء في تعاملهم مع الله عن تعاملهم مع الناس، فهم دائمًا صادقون مخلصون في أعمالهم مع الجميع. -
المجاهدة في الطاعات
يتصف أولياء الله بالاجتهاد والمثابرة في عبادة الله، فهم لا يملون من الطاعات أو يكتفون بالقليل منها، بل يسعون دائمًا لزيادة الأعمال الصالحة. -
التواضع
رغم ما ينالونه من مقام عظيم، إلا أن أولياء الله دائمًا في حالة من التواضع. فهم لا يتفاخرون بما أنعم الله عليهم، بل يعترفون بفضل الله ورحمته عليهم.
الولاية عند العلماء والمشايخ
إن العلماء والمشايخ الذين خدموا العلم وعاشوا حياتهم في عبادة الله، كانوا مثالاً حياً على أولياء الله. فهم لم يسعوا إلى الظهور أو الشهرة، بل كانت أعمالهم في خدمة الدين والناس، ومن خلال علمهم كان لهم تأثير كبير في نشر القيم الإسلامية.
في النهاية، الولاية هي عطية إلهية لمن يستحقها من عباده الصالحين الذين يحققون هذه الشروط والصفات. ورغم أن الولاية ليست متاحة للجميع، إلا أن الطريق إليها يبدأ من الطاعة الدائمة لله، والتقوى، والابتعاد عن المعاصي، مع التزام بالصدق والإخلاص في النية.
