اضطراب تعدد الشخصيات: الأعراض والعلاج

اضطراب تعدد الشخصيات: تعريفه، أعراضه، أسبابه، وطرق علاجه

اضطراب تعدد الشخصيات، المعروف أيضًا باسم اضطراب الهوية التفارقي (Dissociative Identity Disorder – DID)، هو حالة نفسية معقدة تميزها وجود شخصيات متعددة داخل الفرد، حيث يمكن لكل شخصية أن تمتلك سمات وذكريات ومشاعر وسلوكيات مختلفة، أحيانًا بشكل متناقض مع بعضها البعض. يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من تغييرات مفاجئة في السلوك والذاكرة والشعور بالهوية، وقد يمرون بفترات من فقدان الوعي أو الذاكرة حول أفعالهم أو قراراتهم السابقة. يعتبر هذا الاضطراب أحد أكثر الاضطرابات النفسية إثارة للجدل، حيث كان يُساء فهمه لعدة عقود. ومع مرور الزمن، أصبح أكثر وضوحًا في الدراسات النفسية، مما مهد الطريق لفهم أسبابه وطرق علاجه بشكل أفضل.

تعريف اضطراب تعدد الشخصيات

يعرف اضطراب تعدد الشخصيات بأنه حالة نفسية يتبنى فيها الشخص أكثر من هوية أو شخصية متميزة. قد تتبدل هذه الشخصيات فيما بينها بشكل مفاجئ أو غير متوقع، مما يؤدي إلى تغييرات في سلوك الفرد وتفاعلاته مع الآخرين. يُعتقد أن هذه الشخصيات المختلفة يمكن أن تظهر استجابةً لضغوط نفسية شديدة أو صدمات، خاصة في مرحلة الطفولة. في حالات معينة، قد يعيش الشخص جزءًا كبيرًا من حياته اليومية تحت تأثير شخصية واحدة فقط، بينما تبقى الشخصيات الأخرى كامنة، لتظهر في فترات معينة تحت ظروف معينة.

أعراض اضطراب تعدد الشخصيات

تتفاوت أعراض اضطراب تعدد الشخصيات بشكل كبير من شخص لآخر. ومع ذلك، هناك مجموعة من الأعراض الشائعة التي يمكن أن تشير إلى الإصابة بهذا الاضطراب. أبرز هذه الأعراض تشمل:

1. الانتقال المفاجئ بين الشخصيات: يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من تغيرات حادة وسريعة في شخصياتهم. قد تتغير السلوكيات، المواقف، والاهتمامات من شخصية إلى أخرى.

2. فقدان الذاكرة: يعاني الأفراد من فقدان الذاكرة المتكرر أو ما يسمى “الفجوات في الذاكرة”، حيث لا يستطيع الشخص تذكر أحداثًا معينة أو فترات زمنية.

3. الشعور بالانفصال عن الذات: قد يشعر الفرد أحيانًا وكأنه يشاهد نفسه من الخارج أو يعيش في عالم غير حقيقي. يُعرف هذا الشعور بالتفكك، وهو من الأعراض التي غالبًا ما تصاحب اضطراب تعدد الشخصيات.

4. الصراعات الداخلية: قد يعاني الشخص من شعور بالارتباك أو التناقض الداخلي نتيجة لتداخل الشخصيات المختلفة. قد لا يعرف الشخص أي من هذه الشخصيات هو “الطبيعي” أو الأكثر أصالة.

5. التغيرات في السلوك والتصرفات: قد تتسم بعض الشخصيات بتصرفات وسلوكيات غريبة أو غير مألوفة بالنسبة للفرد، مثل التحدث بلهجات مختلفة أو التصرف بأسلوب مغاير لطباعه الطبيعية.

6. استخدام أسماء مختلفة أو هوية جديدة: في بعض الأحيان، قد يختار الشخص المصاب بهذا الاضطراب استخدام أسماء مختلفة أو الهوية بدلاً من هويته الأصلية، حسب الشخصية التي تتحكم في المواقف.

أسباب اضطراب تعدد الشخصيات

على الرغم من أن السبب الدقيق لاضطراب تعدد الشخصيات لم يتم تحديده بشكل كامل، إلا أن هناك عددًا من العوامل التي يعتقد أنها تساهم في تطور هذا الاضطراب. من أبرز هذه العوامل:

1. التعرض لصدمات نفسية في مرحلة الطفولة: يُعتبر التعرض لاعتداءات جسدية أو نفسية أو جنسية في مرحلة الطفولة من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى ظهور اضطراب تعدد الشخصيات. الأطفال الذين يعانون من هذه التجارب الصادمة قد يستخدمون “التفكك” كآلية دفاعية للهروب من الواقع المؤلم.

2. الضغوط النفسية المزمنة: يمكن أن يؤدي التعرض للضغوط النفسية لفترات طويلة إلى ظهور هذا الاضطراب. قد يعاني الشخص من صراع داخلي بين الشخصيات كآلية للتعامل مع الضغوط المفرطة.

3. الوراثة: قد تلعب العوامل الوراثية دورًا في ظهور هذا الاضطراب، حيث أن بعض الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية قد يكونون أكثر عرضة للإصابة.

4. البيئة العائلية والطفولة: بيئة النمو، بما في ذلك العوامل العائلية والاجتماعية، قد تؤثر بشكل كبير على تطور هذا الاضطراب. العائلات التي تشهد مستويات عالية من العنف أو الإهمال أو عدم الاستقرار قد تزيد من احتمالية حدوثه.

5. إهمال الرعاية النفسية في الطفولة: إن الأطفال الذين لا يحصلون على الدعم النفسي المناسب خلال مرحلة النمو قد يلجأون إلى تطوير آليات دفاعية مثل التفكك لتخفيف الأعباء النفسية التي يتعرضون لها.

تشخيص اضطراب تعدد الشخصيات

يعد تشخيص اضطراب تعدد الشخصيات أمرًا معقدًا للغاية ويحتاج إلى توافر مجموعة من العوامل والمعلومات السريرية. عادةً ما يبدأ التشخيص من خلال مقابلة سريرية مع الطبيب النفسي، حيث يتم تقييم الأعراض من خلال ملاحظات دقيقة وتاريخ طبي مفصل. قد يتطلب التشخيص إجراء اختبارات نفسية متقدمة، بالإضافة إلى استبعاد الاضطرابات الأخرى التي قد تشبه اضطراب تعدد الشخصيات، مثل الفصام أو اضطرابات الذاكرة.

طرق علاج اضطراب تعدد الشخصيات

تعد معالجة اضطراب تعدد الشخصيات عملية طويلة ومعقدة تتطلب نهجًا متعدد الجوانب يشمل العلاج النفسي، الدعم الاجتماعي، أحيانًا العلاج الدوائي. إليك أهم طرق العلاج المتبعة:

1. العلاج النفسي (العلاج بالكلام): يُعد العلاج النفسي هو العلاج الأكثر فعالية لهذا الاضطراب. يمكن أن يشمل العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، حيث يهدف إلى مساعدة المريض على فهم أسباب انتقاله بين الشخصيات والتعامل مع الذكريات والصدمات المؤلمة. كما يمكن استخدام العلاج التحليلي لتحديد الصدمات العميقة التي قد تكون السبب في نشوء هذه الشخصيات المتعددة.

2. العلاج بالتكامل: يسعى هذا النوع من العلاج إلى دمج الشخصيات المختلفة داخل الفرد، مما يساعده على أن يصبح أكثر اتساقًا مع نفسه، وتقليل الفجوات في الذاكرة، وتطوير هوية موحدة. يعتبر هذا العلاج من أكثر الأساليب تقدمًا في التعامل مع اضطراب تعدد الشخصيات.

3. الأدوية: بينما لا يوجد علاج دوائي مباشر لهذا الاضطراب، قد يتم استخدام الأدوية لعلاج بعض الأعراض المصاحبة مثل الاكتئاب والقلق. الأدوية المضادة للاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق قد تكون مفيدة في تخفيف الأعراض المصاحبة مثل الهلع، الغضب، والقلق، التي غالبًا ما تظهر لدى الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب.

4. الدعم الاجتماعي: يشمل العلاج المجتمعي والأسري لدعم المريض وتعزيز تواصله مع العائلة والأصدقاء. يمكن أن يساعد الدعم الاجتماعي على بناء شبكة من الأمان العاطفي وتقديم الإرشاد المستمر للمريض خلال فترة العلاج.

5. العلاج بالتعرض: في بعض الحالات، قد يتم اللجوء إلى العلاج بالتعرض لمساعدة الشخص على مواجهة الصدمات التي تسبب التحولات بين الشخصيات. يساعد هذا النوع من العلاج على إحداث تفاعل إيجابي مع الذكريات والصدمات المؤلمة.

تحديات علاج اضطراب تعدد الشخصيات

على الرغم من وجود العديد من أساليب العلاج، إلا أن علاج اضطراب تعدد الشخصيات يظل تحديًا كبيرًا. من أبرز التحديات التي قد يواجهها الأطباء والمرضى:

1. الإنكار والرفض: قد يرفض المرضى في البداية الاعتراف بوجود الاضطراب أو قد يعانون من صعوبة في قبول التشخيص.

2. المقاومة للعلاج: بعض الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب قد يظهرون مقاومة للعلاج نتيجة للمشاعر المتضاربة تجاه الشخصيات المختلفة التي يعانون منها.

3. التقلبات في العلاج: العلاج النفسي قد يأخذ وقتًا طويلاً لتقديم نتائج فعالة، وقد يمر المرضى بفترات من الانتكاسات حيث تظهر الشخصيات بشكل غير متوقع.

الخلاصة

يعد اضطراب تعدد الشخصيات اضطرابًا نفسيًا معقدًا يعكس المعاناة الداخلية للفرد نتيجة للتعرض لصدمات نفسية شديدة. يظهر هذا الاضطراب في تباين وتعدد الشخصيات داخل الشخص الواحد، وقد يسبب فقدانًا مؤقتًا للذاكرة والسلوكيات المتضاربة. رغم أن العلاج قد يستغرق وقتًا طويلاً ويواجه تحديات كبيرة، إلا أن الطرق العلاجية المتاحة مثل العلاج النفسي والأدوية والدعم الاجتماعي يمكن أن تساعد بشكل كبير في تحسين حياة الأفراد المصابين بهذا الاضطراب، وتمكنهم من التعايش بشكل أفضل مع التحديات اليومية التي يواجهونها.