كيفية صنع زبدة الشيا: من الجذور إلى الجمال الطبيعي

تُعد زبدة الشيا واحدة من الكنوز الطبيعية الثمينة التي انتشرت على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، خصوصًا في صناعة العناية بالبشرة والشعر، لما تتمتع به من خصائص مغذية ومرطبة ومضادة للالتهاب، بالإضافة إلى كونها منتجاً طبيعياً خالياً من المواد الكيميائية. زبدة الشيا ليست فقط مادة تجميلية؛ بل هي إرث ثقافي أفريقي يعود إلى قرون من الاستعمالات العلاجية والتجميلية والغذائية. إن عملية استخراج زبدة الشيا ليست مجرد عملية صناعية، بل تمثل تجربة غنية بالتقاليد والمعرفة العريقة.

في هذا المقال، سيتم التطرق بالتفصيل إلى كيفية صنع زبدة الشيا بدءًا من جمع الثمار وحتى الحصول على المنتج النهائي، مع التركيز على جميع الخطوات التقليدية والحديثة، ومراعاة المعايير الصحية والبيئية والجمالية في آن واحد.

أولاً: التعريف بشجرة الشيا ومواسم الحصاد

تنمو شجرة الشيا Vitellaria paradoxa بشكل أساسي في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصًا في بلدان مثل بوركينا فاسو ومالي ونيجيريا وغانا. وهي شجرة برية يمكن أن يصل ارتفاعها إلى أكثر من 15 مترًا، وتبدأ في إنتاج ثمارها فقط بعد 15 إلى 20 سنة من زراعتها، ويمكن أن تستمر في الإنتاج لأكثر من مائة عام.

ثمار الشيا تشبه الأفوكادو الصغيرة، وتحتوي في داخلها على بذور أو نواة صلبة تُعرف باسم “جوزة الشيا”، وهي الجزء المستخدم لاستخلاص الزبدة. يتم جمع الثمار عادة في موسم الأمطار بين شهري يونيو وأغسطس، عندما تنضج الثمار وتسقط من الأشجار.

ثانياً: خطوات استخراج زبدة الشيا التقليدية

تُعد الطريقة التقليدية هي الأكثر استخدامًا في المناطق الريفية الأفريقية، وتتم من خلال سلسلة من الخطوات المتتابعة التي تحتاج إلى مهارات دقيقة وخبرة متوارثة.

1. جمع الجوزات وتنظيفها

يبدأ العمل بجمع ثمار الشيا الناضجة التي تسقط على الأرض. بعد جمعها، يتم تنظيف الثمار يدويًا لإزالة اللب الخارجي، وهي عملية غالبًا ما تتم عبر نقع الثمار في الماء لبضعة أيام لتسهيل إزالة الغلاف اللحمي.

2. تجفيف البذور

تُوضع الجوزات التي تم تنظيفها تحت أشعة الشمس لمدة قد تتراوح بين 5 إلى 10 أيام. التجفيف الجيد ضروري لمنع تكون العفن، وضمان جودة الزبدة المستخلصة لاحقًا.

3. تحميص الجوزات

بعد التجفيف، تُحمص الجوزات على نار هادئة في أوانٍ معدنية تقليدية، وتُقلب باستمرار حتى تصدر رائحة جوزية غنية. هذا التحميص يساهم في تفكيك الزيوت داخل الجوزة وتسهيل استخراجها لاحقًا.

4. الطحن للحصول على معجون

بعد التحميص، تُطحن الجوزات إما يدويًا باستخدام أحجار ثقيلة أو باستخدام مطاحن يدوية كهربائية أو حجرية للحصول على عجينة بنية اللون تُشبه زبدة الفول السوداني في القوام.

5. الخفق بالماء

يُضاف الماء تدريجيًا إلى العجينة، ثم تُخفق بقوة لفترة طويلة حتى يتم فصل الزبدة عن المواد غير الدهنية. تبدأ الزبدة في الطفو على سطح المزيج، وتُجمع يدوياً.

6. الطبخ لإزالة الماء والشوائب

تُسخن الزبدة المستخلصة على نار هادئة لتبخير أي بقايا من الماء، وتتم إزالة الشوائب الصلبة التي تطفو أو تترسب في القاع. بعد الانتهاء، تترك الزبدة لتبرد وتتصلب.

7. الفلترة والتخزين

يُصفى الزيت الناتج باستخدام أقمشة دقيقة أو شاش ناعم للحصول على زبدة نقية، ثم تُخزن في أوعية زجاجية أو معدنية محكمة الإغلاق وتحفظ في مكان بارد وجاف.

ثالثاً: طريقة التصنيع الحديثة (نصف صناعية أو صناعية)

بهدف تلبية الطلب العالمي على زبدة الشيا، تم تطوير طرق أكثر كفاءة لاستخراج الزبدة على نطاق واسع، دون التضحية بكفاءتها أو خصائصها العلاجية. الطرق الحديثة تتضمن استخدام تقنيات ميكانيكية أو هيدروليكية في الاستخراج، بالإضافة إلى عمليات تنقية متقدمة.

1. الاستخراج الميكانيكي

في هذه الطريقة، تُضغط الجوزات الجافة في آلات ضغط زيت لاستخلاص الزبدة دون الحاجة إلى تسخينها كثيرًا، وهي طريقة تحافظ على المكونات الحيوية والفيتامينات مثل فيتامين A وE والأحماض الدهنية.

2. التكرير والتنقية

قد تُكرر الزبدة في بعض المصانع لإزالة الروائح القوية أو اللون الداكن، لكن التكرير الزائد قد يؤدي إلى فقدان بعض خصائصها الطبيعية. لذلك يُفضل استخدام زبدة شيا غير مكررة في الاستخدامات العلاجية والتجميلية.

رابعاً: المكونات الكيميائية لزبدة الشيا

زبدة الشيا غنية بعدة مكونات فعالة حيوياً، وتضم نسباً عالية من:

خامساً: الاستخدامات المتعددة لزبدة الشيا

زبدة الشيا ليست فقط منتجاً تجميلياً، بل تُستخدم في مجالات متعددة تشمل العناية الشخصية، الطب التقليدي، التغذية، والصناعة.

1. في مجال العناية بالبشرة

• ترطيب البشرة الجافة والمتشققة.

• تقليل التهابات الجلد مثل الإكزيما والصدفية.

• تسريع التئام الجروح والحروق الطفيفة.

• حماية البشرة من الأشعة فوق البنفسجية (عامل حماية خفيف طبيعي).

2. في العناية بالشعر

• تغذية فروة الرأس الجافة.

• تقوية بصيلات الشعر.

• علاج تقصف الأطراف وجفاف الشعر.

• تستخدم ككريم تصفيف طبيعي للشعر المجعد.

3. في الطب التقليدي الأفريقي

• تُستخدم كمضاد للالتهابات في علاج آلام المفاصل والروماتيزم.

• تساهم في علاج لدغات الحشرات والتهابات الجلد.

4. في مجال التغذية

• تُستخدم في بعض المجتمعات كزيت طهي تقليدي.

• تدخل في صناعة بعض أنواع الشوكولاتة كبديل للكاكاو.

سادساً: معايير الجودة لزبدة الشيا

لتكون زبدة الشيا عالية الجودة، ينبغي أن تتوافر فيها مجموعة من الخصائص:

• لونها يتراوح بين الأصفر الفاتح والعاجي (للنوع الخام).

• رائحتها طبيعية وخفيفة، غير كيميائية.

• ذات قوام ناعم وسهل الذوبان في درجة حرارة الجسم.

• خالية من المواد الكيميائية أو العطور الصناعية.

سابعاً: التخزين والعمر الافتراضي

زبدة الشيا الخام يمكن أن تدوم لفترة تصل إلى سنتين إذا تم تخزينها بشكل صحيح، بعيدًا عن الضوء والحرارة والرطوبة. الزبدة المكررة قد تدوم أقل بسبب فقدانها للمضادات الطبيعية المؤكسدة. يُنصح بتخزينها في عبوات معتمة ومغلقة بإحكام للحفاظ على خصائصها العلاجية.

ثامناً: الاستدامة وأثر التصنيع على المجتمعات الأفريقية

تُعد زبدة الشيا مصدر دخل مهم لآلاف النساء في غرب أفريقيا، حيث تعتمد العديد من التعاونيات النسائية على إنتاجها وبيعها في الأسواق المحلية والعالمية. تساهم هذه الصناعات في تمكين النساء اقتصادياً وتعليمياً، لكنها تواجه تحديات مثل:

• التقلبات المناخية وتأثيرها على الإنتاج السنوي.

• تدخل الوسطاء في تقليل هامش الربح للمزارعات.

• المعايير الصارمة للتصدير وتأثيرها على الأسواق المحلية.

هناك جهود متزايدة من منظمات غير حكومية وشركات أخلاقية لتعزيز ممارسات التجارة العادلة، وضمان حصول المنتجين المحليين على أرباح مجزية وتحسين شروط العمل والتصنيع.

تاسعاً: الخلاصة الكيميائية والوظيفية لزبدة الشيا

زبدة الشيا تُعتبر منتجاً غنيًا بالأحماض الدهنية الأساسية، مضادات الأكسدة، والفيتامينات التي تمنحها القدرة على ترميم البشرة وحمايتها من العوامل البيئية. تعدد استخداماتها يبرز مدى أهميتها كعنصر طبيعي فعال وآمن، وهي تحتل اليوم مكانة مرموقة في صناعات التجميل والدواء والأغذية.

المراجع

1. Alander, J., & Andersson, A. C. (2002). “Shea Butter – A Multifunctional Ingredient for Food and Cosmetics”. Lipid Technology, Wiley-VCH.

2. Lovett, P. (2004). The Shea Butter Value Chain: Production, Transformation and Marketing in West Africa. USAID.