كيفية رمي الجمرات في الحج

يُعد رمي الجمرات من أهم شعائر الحج، وهو ركن أساسي في أداء فريضة الحج يتبعه الحجاج بدقة والتزام كبيرين، لما له من معانٍ دينية وروحية عميقة، حيث يمثل هذا الفعل رمزاً لطرد الشيطان ورفض أفعاله ووساوسه. وتتم هذه الشعيرة في أيام محددة من مناسك الحج ضمن مناسك الحج الأكبر (الحج التمتع والقران والقصر)، ويصاحبها عدة أحكام وشروط ينبغي للحاج معرفتها والالتزام بها، حتى يتحقق مقصودها الشرعي ويرتقي بها روحياً.

في هذا المقال، سيتم شرح كيفية رمي الجمرات بالتفصيل مع ذكر أوقاتها، أماكنها، أنواعها، والأحكام الشرعية المتعلقة بها، إضافة إلى جوانب فقهية هامة لفهم أبعادها العميقة ضمن مناسك الحج.

مفهوم الجمرات وأهميتها في الحج

الجمرات هي ثلاثة مواقع مخصصة لرمي الحصى أو الحجارة الصغيرة على ثلاثة أعمدة حجرية في منطقة منى، وهي: جمرة العقبة الكبرى، وجمرة العقبة الصغرى، وجمرة الوسطى (وتسمى أيضاً الجمرة الوسطى أو جمرة الوادي). والجمرة الكبرى هي أهمها، إذ أن رميها في يوم النحر (اليوم العاشر من ذي الحجة) هو ركن أساسي من أركان الحج، ويترتب على تركها بغير عذر دم أو فدية.

يرمز رمي الجمرات إلى تمثيل الحجاج لرمي الشيطان بالحجارة، اقتداءً بسيدنا إبراهيم عليه السلام حينما طرد الشيطان من حوله أثناء تنفيذ أمر الله بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام. وهو تعبير عملي عن رفض الشيطان والتمسك بطاعة الله.

توقيت رمي الجمرات في الحج

ينقسم رمي الجمرات في الحج إلى أيام وأوقات محددة، وهي على النحو التالي:

• يوم النحر (العاشر من ذي الحجة): يبدأ الحاج برمي الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، حيث يُعتبر هذا اليوم أهم أيام رمي الجمرات.

• أيام التشريق (11 و12 و13 من ذي الحجة): يواصل الحجاج رمي الثلاث جمرات الثلاث في كل يوم، في أي وقت بعد زوال الشمس (أي بعد صلاة الظهر تقريباً) حتى غروب الشمس.

• في حالة الحاج الذي يؤخر رمي الجمرة الكبرى إلى اليوم الثالث عشر (اليوم الأخير من أيام التشريق)، فإن هذا جائز لكنه غير مستحب، ويجب أن يرميها قبل غروب الشمس.

أماكن الجمرات ومميزاتها

تقع منطقة الجمرات في منى، على بعد حوالي 7 كيلومترات شرق مكة المكرمة، وهي موقع مهيأ لاستقبال أعداد ضخمة من الحجاج، وتم تجهيزها لتيسير عملية رمي الحصى مع ضمان الأمن والسلامة، مع وجود عدة ممرات، جسور، وساحات مخصصة لكل جمرة.

الجمرة الصغرى

تقع على يسار الطريق في بداية منطقة الجمرات، وهي أول جمرة يرميها الحاج يوم النحر.

الجمرة الوسطى

تقع بين الجمرة الصغرى والكبرى، وتسمى جمرة الوسطى أو جمرة الوادي.

الجمرة الكبرى (العقبة)

هي آخر جمرة تُرمى في يوم النحر، ويُراعى أن يكون رميها في يوم النحر شرطًا لأداء الحج.

الأدوات المستخدمة في رمي الجمرات

يستخدم الحجاج حصى صغيرة الحجم، يتراوح حجمها بين حجم حبة العدس وحجم حبة الحمص، ولا يجوز استخدام أحجار كبيرة أو أشياء أخرى. هذه الحصى يمكن للحاج أن يحضرها معه من بلده أو يأخذها من المنطقة المخصصة لها في منى، حيث توزع بكميات مناسبة للحجاج.

ينصح بأخذ حصى كثيرة لأن الحاج يحتاج إلى رمي 7 حصى لكل جمرة في كل يوم من أيام الرمي، ويجب أن تكون هذه الحصى ناعمة ومستقيمة لتسهيل رميها.

طريقة رمي الجمرات وأحكامها

يبدأ رمي الجمرات عادة من الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى. ولكل جمرة يُرمي سبع حصى، كل حصاة تُرمى بشكل منفرد نحو الجمرة.

خطوات رمي الجمرات

1. الاستعداد للرمي: يجب أن يحمل الحاج حصى صغيرة بيده اليسرى إن كان يميني، وباليمنى إن كان أعسر، ليتمكن من الرمي بسهولة.

2. النية: على الحاج أن ينوي رمي الجمرة إتباعًا للسنة، مع الخشوع والتدبر.

3. الرمي: يرمي الحاج الحصى واحدة واحدة باتجاه الجمرة دون رميها دفعة واحدة، ويستحب أن تكون الرمي بالحجارة الصغيرة فقط.

4. الترتيب: يبدأ برمي الجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى.

5. الدعاء: يُستحب أثناء الرمي الدعاء والاستغفار والابتهال إلى الله.

6. الابتعاد: بعد رمي كل جمرة، يبتعد الحاج قليلًا عن مكان الرمي حتى لا يعيق الحجاج الآخرين.

أحكام خاصة برمي الجمرات

• الجمرة الكبرى يوم النحر: رميها شرط من شروط صحة الحج، ومن تركها بدون عذر يلزمه دم فدية.

• رمي الجمرات في أيام التشريق: واجب على الحاج بعد يوم النحر ولا يصح تركها بدون عذر.

• الترتيب: يُسن اتباع الترتيب المذكور ولا يجوز تبديله إلا في حال وجود عذر.

• الرمي بالحجارة الصغيرة فقط: لا يجوز استخدام أحجار كبيرة أو غيرها لأنها مخالفة للسنة.

• التيسير: يمكن للحاج أن يرمي من بعيد إذا تعذر الاقتراب، ولكن الأفضل الاقتراب قدر الإمكان.

التيسير والتنظيم في رمي الجمرات

مع ازدياد أعداد الحجاج كل عام، تم العمل على تنظيم منطقة الجمرات لتقليل الازدحام وضمان سلامة الحجاج، وذلك عبر إنشاء جسر الجمرات متعدد الطوابق الذي يسمح بمرور أعداد كبيرة من الحجاج في آن واحد دون تزاحم.

كما تم تنظيم دخول الحجاج إلى كل جمرة بطرق مخصصة وممرات لتسهيل الرمي ومنع الاختناق أو الازدحام، مع وجود إشراف أمني وطبي لتقديم العون في حالات الطوارئ.

الجانب الروحي والديني لرمي الجمرات

يتجاوز رمي الجمرات كونه مجرد فعل جسدي، فهو يحمل أبعاداً روحية عميقة تمثل محاربة النفس الأمارة بالسوء ورمزية لطرد الوساوس والشياطين التي تحاول إبعاد المؤمن عن طاعة الله. إذ ينقل الحاج شعورًا بالتطهير والابتعاد عن الذنوب والشرك، فيتجدد بذلك إيمانه ويقوى عزمه على الالتزام بالطاعة.

كما أن رمي الجمرات يذكّر المسلم بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام، وبقدرته على الانقياد والطاعة لله في أصعب الظروف، مما يزيد من تأمل الحاج في الإيمان والصدق والتفاني في العبادة.

جدول يوضح تفاصيل رمي الجمرات في الحج

أثر رمي الجمرات على صحة الحج

يعتبر رمي الجمرات من أركان الحج التي لا يمكن للحاج إهمالها، فالشرع حددها بدقة لارتباطها برمز طرد الشيطان والالتزام بتعليمات الله ورسوله. ومن تركها عمداً بدون عذر، يعرض نفسه لمخالفة شرعية تلزم بدفع دم فدية، وفي حالة عدم أداء هذا الركن الصحيح لا يكتمل الحج.

لذا، يُنصح الحجاج بالتركيز على أداء رمي الجمرات بشكل صحيح وفي وقته المحدد، مع الالتزام بالتوجيهات التنظيمية للحفاظ على سلامتهم وتحقيق الفائدة الروحية المرجوة.

خاتمة

رمي الجمرات هو ركن من أركان الحج التي تجمع بين الطابع الروحي والرمزي وبين التطبيق العملي، وهو دليل على رفض الشيطان والتمسك بخطى الأنبياء. فهم كيفية رمي الجمرات وأوقاتها وأحكامها يمكّن الحاج من أداء هذه الشعيرة بدقة وإخلاص، ويزيد من تفاعل الحاج مع أبعاد الحج الروحية العميقة.

إلى جانب الجوانب التنظيمية الحديثة التي تسهل على ملايين الحجاج أداء هذا الركن بأمان وطمأنينة، يبقى رمي الجمرات تجربة روحية متميزة تمس جوهر الإيمان والتقوى، وتجسد الالتزام بتعاليم الإسلام وحب الله ورسوله.

المصادر

1. كتاب فقه الحج والعمرة، د. عبد الله بن عبد المحسن التركي.

2. الموسوعة الفقهية، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية.