صفات المنافقين في القرآن

صفات المنافقين في سورة المنافقون

في القرآن الكريم، خُصصت سورة كاملة تحت اسم “سورة المنافقون” لتناول ظاهرة النفاق وفضح صفات المنافقين ومواقفهم، والتحذير من خطرهم على المجتمع الإسلامي، لما يمثّله النفاق من تهديد داخلي أشد من التهديدات الخارجية. وقد كشفت هذه السورة بوضوح وبيان عن مجموعة من الصفات التي تميز المنافقين، وتُبرز حقيقتهم وتناقضاتهم بين ما يُظهرونه وما يُبطنونه. ومن خلال دراسة دقيقة لسورة المنافقون، يمكن الوقوف على هذه الصفات والتأمل في أبعادها الاجتماعية والدينية والنفسية.

السياق العام لنزول سورة المنافقون

سورة المنافقون هي سورة مدنية، نزلت في المدينة المنورة بعد أن أصبح للمسلمين كيان سياسي واجتماعي. ويُرجح أن هذه السورة نزلت في السنة الخامسة للهجرة، في أعقاب غزوة بني المصطلق، حين ظهر الخلاف والفتنة من الداخل بسبب موقف عبد الله بن أُبيّ بن سلول، رأس النفاق في المدينة. وقد وردت في هذه السورة إشارات واضحة إلى تصرفات هذا الرجل وأتباعه، وفضحت ما كانوا يُخفونه من كراهية للإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم.

تعريف النفاق وأنواعه

النفاق في اللغة مأخوذ من النفق، وهو السرب تحت الأرض، بحيث يكون له مخرجين، ويُقال: “نافَقَ اليربوع”، أي دخل جحره له مخرج آخر، فإذا طلبه أحد خرج من المخرج الآخر. وهذا يتطابق تمامًا مع حقيقة المنافق، فهو يُظهر غير ما يُبطن، ويدخل على الناس من مدخل، ويخرج من مدخل آخر.

أما في الاصطلاح الشرعي، فإن النفاق هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر. وقد قسّمه العلماء إلى نوعين:

1. نفاق اعتقادي: وهو إظهار الإسلام مع كراهية حقيقية له، وإنكار لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا النفاق مخرج من الملّة، وصاحبه خالد في النار.

2. نفاق عملي: وهو أن يتصف الإنسان ببعض صفات النفاق، مثل الكذب، والخيانة، والفجور في الخصومة، مع بقاء أصل الإيمان في القلب.

الصفات الواردة في سورة المنافقون

سورة المنافقون فضحت العديد من الصفات التي تميز بها المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات لم تكن حصرية على ذلك الزمان، بل هي موجودة في كل زمان ومكان، وتظهر كلما وُجدت بيئة مناسبة لها.

1. الكذب في الادعاء والإشهاد

﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ۙ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ (الآية 1)

هنا تظهر أولى صفات المنافقين، وهي الكذب في الشهادة، فهم يدّعون بأنهم يصدقون برسالة النبي، لكن الله تعالى يشهد بأنهم كاذبون، لأن ما في قلوبهم يخالف ما تظهره ألسنتهم. الكذب من أبرز سمات المنافق، حيث لا يصدق في قوله، بل يستخدم الكذب وسيلة للتقرب والخداع.

2. اتخاذ الأيمان وسيلة للخداع

﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الآية 2)

المنافقون يستخدمون الحلف كوسيلة للتمويه والخداع، فحين يُتهمون أو يُسألون، يقسمون بالله زوراً لتبرئة أنفسهم. وهذا السلوك يفضح خيانة عميقة في نفوسهم، حيث جعلوا من اليمين درعًا يحتمون به من المحاسبة، وفي ذات الوقت يُصدّون عن سبيل الله.

3. الازدواجية في الأقوال والأفعال

﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (الآية 3)

الإيمان الظاهري لا يعكس حقيقة قلوبهم، فقد مرّوا بمراحل من الادعاء بالإيمان، ثم نكوص عنه إلى الكفر، وفي النهاية طُبع على قلوبهم بسبب هذا التلاعب، ففقدوا الفهم والبصيرة. وهذه سمة خطيرة تجعل الإنسان غير قادر على تمييز الحق من الباطل.

4. الظهور المموه والخداع البصري

﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ (الآية 4)

هذه الآية تصف صورة المنافقين الخارجية، فهم يمتلكون هيئة جذابة وكلامًا بليغًا، لكنهم في الحقيقة لا عمق لهم، كالأخشاب المصفوفة بلا حياة. وهم يعيشون في رعب دائم، يظنون أن كل خطر موجّه إليهم، بسبب شعورهم بالذنب وخيانتهم المتكررة.

5. التحقير من النبي وأصحابه

﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الآية 8)

هنا يظهر موقف عبد الله بن أُبيّ وأتباعه، حين ظنّوا أن لهم منعة وعزّة ستُمكّنهم من طرد النبي والمؤمنين، وقد قلبوا الحقائق إذ العزة لله ورسوله. هذه الصفة تعكس شعورهم الكاذب بالتفوق والغرور الكاذب، مما يقودهم إلى التهجم على المؤمنين.

6. الدعوة إلى البخل وقطع الإمداد المالي عن الدعوة

﴿يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (الآية 7)

من صفاتهم أيضًا محاولتهم عرقلة الدعوة من خلال تضييق الموارد الاقتصادية عنها، حيث دعوا إلى وقف الإنفاق على النبي وأصحابه، ظنًّا منهم أن ذلك سيؤدي إلى تفكك المجتمع الإسلامي. وهذه دعوة خطيرة تهدف إلى تجفيف موارد الدعوة وإضعافها من الداخل.

7. الجهل بمعاني الإيمان الحقيقية

تتكرر الإشارة في السورة إلى عدم فقه المنافقين، وجهلهم بحقائق الإيمان، وأنهم يتعاملون مع الإسلام كوسيلة لتحقيق المصالح، لا كمنظومة إيمانية متكاملة.

أثر هذه الصفات على المجتمع الإسلامي

صفات المنافقين كما وردت في السورة تشكل خطرًا حقيقيًا على كيان الأمة، لأن المنافق يظهر أنه جزء من الجماعة، بينما يعمل في الخفاء لتقويض أركانها. ومن أخطر آثار وجود المنافقين في المجتمع:

• تفكيك الصف الداخلي: فهم يزرعون الشكوك، ويشيعون الإحباط، ويثيرون الفتن بين المؤمنين.

• إضعاف الثقة في القيادة: من خلال الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم والتقليل من شأن الصحابة.

• نشر الإشاعات والأكاذيب: وهو ما يؤدي إلى تراجع الثقة الاجتماعية وانتشار البلبلة.

المقارنة بين صفات المؤمنين والمنافقين في سورة المنافقون

خاتمة

سورة المنافقون ليست فقط كشفًا لحقائق مجموعة من الأشخاص عاشوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي مرآة للمجتمعات في كل العصور، تكشف من خلالها معايير النفاق وعلاماته. وكل من ظهرت عليه هذه الصفات، فإنه يستوجب المحاسبة والمراجعة، لأن النفاق خطر داخلي، يسري في جسد الأمة كما يسري السمّ في الجسد. لقد قدمت السورة تحليلًا دقيقًا لنفسية المنافق، وأظهرت بجلاء أثره التخريبي، ودعت إلى الحذر منه، ليبقى المجتمع الإسلامي متماسكًا نقيًا خاليًا من الخداع والغش.

المراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تفسير سورة المنافقون.

2. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.