أكبر الدول الأرثوذكسية عالميًا

أكبر 10 دول في العالم من حيث عدد الأرثوذكس: الجغرافيا الدينية للأرثوذكسية المعاصرة

تُعد المسيحية الأرثوذكسية واحدة من أبرز الفروع الثلاثة الكبرى للمسيحية، إلى جانب الكاثوليكية والبروتستانتية، وتتمتع بتاريخ طويل يمتد إلى القرون الأولى من انتشار الدين المسيحي. تعود أصول الأرثوذكسية إلى انقسام الكنيسة المسيحية الكبرى في عام 1054، والذي عُرف بالانشقاق العظيم بين الكنيسة الغربية الكاثوليكية في روما والكنيسة الشرقية الأرثوذكسية في القسطنطينية. منذ ذلك الوقت، تطورت الأرثوذكسية لتشمل عدداً من الكنائس المستقلة (الكنائس الأرثوذكسية الشرقية)، المنتشرة في العديد من الدول، خصوصاً في شرق أوروبا والشرق الأوسط.

ويُعد التوزيع الديموغرافي للأرثوذكس في العصر الحديث مؤشراً حيوياً على تأثير هذه الديانة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، خاصة في بعض الدول التي تُعتبر فيها الكنيسة الأرثوذكسية جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية. فيما يلي عرض تفصيلي لأكبر عشر دول في العالم من حيث عدد المسيحيين الأرثوذكس، استناداً إلى أحدث الإحصائيات والتحليلات الديموغرافية، مع تقديم سياق تاريخي واجتماعي لكل حالة.

1. روسيا الاتحادية

عدد الأرثوذكس: أكثر من 100 مليون

النسبة من السكان: حوالي 70%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

روسيا هي المركز الأبرز للأرثوذكسية في العالم، ليس فقط من حيث عدد أتباعها، بل أيضاً من حيث النفوذ التاريخي والروحي للكنيسة الروسية. تعود جذور الأرثوذكسية في روسيا إلى عام 988، عندما اعتنق الأمير فلاديمير الكبير المسيحية وجعلها الدين الرسمي لكييف روس. منذ ذلك الحين، لعبت الكنيسة دوراً مركزياً في تشكيل الهوية الروسية، وظلت فاعلاً محورياً في الحياة العامة حتى بعد فترة الاضطهاد خلال الحقبة السوفييتية، لتستعيد قوتها في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، حيث أصبحت الكنيسة حليفاً إستراتيجياً للدولة.

2. أوكرانيا

عدد الأرثوذكس: حوالي 35-40 مليون

النسبة من السكان: أكثر من 75%

الكنائس الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية – بطريركية موسكو، والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة (المعترف بها من القسطنطينية)

أوكرانيا هي واحدة من أكثر الدول تعقيداً من حيث المشهد الأرثوذكسي، إذ تشهد انقساماً كنسياً بين مؤيدين لبطريركية موسكو وآخرين يسعون لاستقلال كنسي كامل. تلعب الأرثوذكسية دوراً بالغ الأهمية في الهوية الوطنية والسياسية، خاصة بعد إعلان الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية استقلالها عن موسكو في 2019. وقد عمّق الصراع الروسي-الأوكراني هذا الانقسام، ما جعل الكنيسة ميداناً للنزاع الثقافي والسياسي.

3. رومانيا

عدد الأرثوذكس: حوالي 18 مليون

النسبة من السكان: حوالي 85%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية

تُعد رومانيا من أكثر الدول الأرثوذكسية تجانساً، حيث تحتل الكنيسة الرومانية موقعاً محورياً في المجتمع. وقد استطاعت الكنيسة، رغم محاولات النظام الشيوعي تهميشها، الحفاظ على مكانتها، بل وتعزيزها بعد الثورة في 1989. وتتمتع الكنيسة الرومانية بحكم ذاتي كامل، وهي من أكثر الكنائس الأرثوذكسية نشاطاً على المستوى الأوروبي.

4. اليونان

عدد الأرثوذكس: حوالي 10 ملايين

النسبة من السكان: أكثر من 95%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية

اليونان هي مهد الحضارة الأرثوذكسية في البحر الأبيض المتوسط، وتعد الكنيسة هناك جزءاً لا يتجزأ من الهوية القومية والثقافية. منذ الاستقلال عن الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، لعبت الكنيسة دوراً مهماً في الحياة السياسية والاجتماعية. كما أن الكنيسة اليونانية مرتبطة روحياً ببطريركية القسطنطينية، وهي من أبرز المؤسسات التي تحافظ على اللغة والتقاليد البيزنطية.

5. صربيا

عدد الأرثوذكس: حوالي 6-7 ملايين

النسبة من السكان: أكثر من 80%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية الصربية

تعتبر الكنيسة الأرثوذكسية في صربيا عنصراً أساسياً في تشكيل الهوية الوطنية، لا سيما خلال فترات الحروب والاضطرابات السياسية. تأسست الكنيسة الصربية عام 1219، وهي واحدة من أقدم الكنائس الأرثوذكسية المستقلة. وقد لعبت دوراً مؤثراً خلال الحروب اليوغوسلافية في تسعينيات القرن الماضي، وما تزال مؤسسة ذات تأثير عميق في الحياة العامة والثقافة الصربية.

6. بلغاريا

عدد الأرثوذكس: حوالي 6 ملايين

النسبة من السكان: حوالي 60%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية البلغارية

رغم التراجع النسبي في ممارسة الشعائر الدينية في بلغاريا، إلا أن الكنيسة ما تزال حاضرة بقوة في وجدان الشعب البلغاري. تأسست الكنيسة البلغارية في القرن التاسع، وكانت من أوائل الكنائس التي حصلت على الاستقلال عن القسطنطينية. وهي تلعب اليوم دوراً روحياً ووطنياً، رغم تراجع دورها السياسي مقارنة بدول أرثوذكسية أخرى.

7. أثيوبيا

عدد الأرثوذكس: حوالي 45 مليون

النسبة من السكان: حوالي 40%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية التوحيدية

تُعد إثيوبيا حالة فريدة في العالم الأرثوذكسي، فهي تمثل فرعاً من الأرثوذكسية الشرقية غير الخلقيدونية، ولها تقاليدها المستقلة العريقة. تعود جذور الأرثوذكسية في إثيوبيا إلى القرن الرابع الميلادي، وتُعد من أقدم الكنائس المسيحية في العالم. وتتميز بطقوسها المختلفة ولغتها الليتورجية الخاصة (الجيز)، كما أن الكنيسة لا تزال تمثل قوة اجتماعية وسياسية رئيسية في البلاد.

8. مصر

عدد الأرثوذكس: حوالي 10-15 مليون

النسبة من السكان: حوالي 10-15%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر هي من أقدم الكنائس في العالم، وتعود إلى القرن الأول الميلادي حين بُشّر بالمسيحية فيها على يد مار مرقس الإنجيلي. رغم كونها كنيسة أرثوذكسية شرقية غير خلقيدونية، إلا أنها تعتبر من أكبر الطوائف الأرثوذكسية عدداً وتأثيراً في منطقة الشرق الأوسط. ويلعب الأقباط دوراً محورياً في النسيج الديني والثقافي لمصر، رغم التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجههم.

9. جورجيا

عدد الأرثوذكس: حوالي 3.5 مليون

النسبة من السكان: حوالي 85%

الكنيسة الرئيسية: الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية

تتمتع الكنيسة الجورجية باستقلالية كاملة منذ القرن الخامس، وتعد من أقدم الكنائس المسيحية المستقلة. وقد لعبت دوراً محورياً في الحفاظ على الهوية الجورجية خلال فترات الاحتلال الأجنبي والهيمنة السوفييتية. وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، استعادت الكنيسة مكانتها باعتبارها رمزاً للهوية الوطنية والثقافية.

10. مولدوفا

عدد الأرثوذكس: حوالي 3 ملايين

النسبة من السكان: أكثر من 90%

الكنائس الرئيسية: بطريركية موسكو وبطريركية رومانيا (كنيستان متنافستان)

يُعد المشهد الديني الأرثوذكسي في مولدوفا معقداً بسبب التنافس بين الكنيسة الأرثوذكسية التابعة لموسكو وتلك التابعة لبطريركية رومانيا. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من السكان أرثوذكس، فإن الانقسام السياسي بين التوجه الأوروبي والروسي ينعكس أيضاً في الحياة الكنسية.

جدول إحصائي لأكبر 10 دول من حيث عدد الأرثوذكس

خاتمة تحليلية

تمثل المسيحية الأرثوذكسية ثقلاً دينياً وتاريخياً بالغ الأهمية، ليس فقط من حيث عدد أتباعها، بل أيضاً من حيث عمقها الروحي وتأثيرها في النسيج الاجتماعي والسياسي للدول التي تنتشر فيها. ومع أن التركيبة السكانية والدور العام للكنائس الأرثوذكسية يختلف من بلد إلى آخر، إلا أن الرابط المشترك بينها يتمثل في التقاليد الليتورجية العريقة، واللغة الطقسية، والتشبث بالهوية الثقافية الأصيلة.

تبقى الأرثوذكسية، رغم ما تواجهه من تحديات الحداثة والعلمانية، أحد الأعمدة الراسخة في الثقافة الدينية العالمية، وركناً أساسياً في فهم التفاعلات بين الدين والسياسة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأجزاء من إفريقيا.

المراجع:

1. Pew Research Center – Global Religious Landscape

2. World Christian Database (Gordon-Conwell Theological Seminary)