طريقة تحضير كليجة موصلية

كليجة موصلية: الأصالة العراقية في قالب من الطيب والذوق

تُعتبر الكليجة الموصلية واحدة من أبرز الحلويات التقليدية التي تتميز بها مدينة الموصل العراقية، وهي تحفة من تحف المطبخ العراقي الشعبي الذي يعكس عبر وصفاته وتفاصيله نكهة التراث العريق وروح الأصالة. الكليجة ليست مجرد حلوى تُقدّم في المناسبات، بل هي طقس اجتماعي وثقافي متجذّر في الذاكرة الجمعية، وتحمل في تفاصيلها إرثاً من المحبة والحنين، إذ ترتبط بالكثير من الأعياد والمناسبات، وبصورة خاصة عيد الفطر المبارك، حيث تُحضّر على نطاق واسع في البيوت الموصليّة استعدادًا لاستقبال الضيوف.

أصل الكليجة الموصلية ومكانتها في التراث العراقي

ترجع جذور الكليجة إلى الحضارات الرافدينية القديمة، حيث كانت الحبوب والمكسرات والتمور من المكونات الأساسية في المطبخ العراقي. ومن هنا جاءت فكرة الكليجة بصورتها التقليدية، حيث يُدمج الطحين بالدهون الطبيعية مثل السمن، وتُحشى بعجينة التمر أو الجوز أو السمسم المحمّص، وتُعطى أشكالًا مزخرفة باستخدام القوالب الخشبية التقليدية.

في مدينة الموصل، تطورت الكليجة واكتسبت طابعًا خاصًا يتميز عن بقية المناطق العراقية الأخرى. فالكليجة الموصلية تعتمد على تنوع الحشوات ودقة التشكيل، وكذلك طريقة الخبز التي تتطلب مهارة متوارثة عبر الأجيال، مما يجعل من تحضيرها طقسًا احتفاليًا تشترك فيه أفراد العائلة كافة.

المكونات الأساسية للكليجة الموصلية

تعتمد الكليجة الموصلية على مكونات بسيطة لكنها متجانسة، تمنحها نكهة مميزة وملمساً هشّاً يتفتّت في الفم بلذة لا تُقاوم. فيما يلي المكونات الأساسية التي تُشكّل العمود الفقري لهذه الحلوى:

المكونات للعجينة:

• 4 أكواب طحين أبيض ناعم

• كوب واحد من السمن أو الزبدة المذابة

• نصف كوب زيت نباتي

• نصف ملعقة صغيرة ملح

• ملعقة كبيرة من الخميرة الفورية

• ملعقة صغيرة من السكر

• كوب من الماء الدافئ للعجن (أو أكثر حسب الحاجة)

مكونات الحشوات (اختياريًا يمكن استخدامها كلها أو اختيار واحدة فقط):

• حشوة التمر: كوبان من التمر المعجون، ملعقة صغيرة قرفة، ملعقة صغيرة هيل مطحون، ملعقة كبيرة سمن

• حشوة الجوز: كوب ونصف من الجوز المجروش، 2 ملعقة كبيرة سكر، ملعقة صغيرة قرفة

• حشوة السمسم: كوب من السمسم المحمص، نصف كوب سكر ناعم، ملعقة صغيرة هيل

للزينة:

• بيضة مخفوقة لدهن الوجه

• رشة من السمسم أو الحبة السوداء حسب الرغبة

خطوات تحضير الكليجة الموصلية

أولاً: تحضير العجينة

1. في وعاء كبير، يُخلط الطحين مع الملح.

2. يُضاف السمن والزيت إلى الطحين ويُفرك باليدين جيدًا حتى تتجانس المكونات.

3. تُذاب الخميرة في كوب من الماء الدافئ مع السكر وتُترك لمدة 10 دقائق حتى تتفاعل.

4. يُضاف خليط الخميرة إلى الطحين ويُعجن جيدًا حتى تتكوّن عجينة ناعمة ومتماسكة، ويُضاف الماء تدريجيًا حسب الحاجة.

5. تُغطى العجينة وتُترك لتتخمر في مكان دافئ لمدة ساعة تقريبًا.

ثانيًا: تحضير الحشوات

حشوة التمر:

يُقلى التمر في ملعقة من السمن حتى يلين، ثم يُضاف إليه الهيل والقرفة ويُترك حتى يبرد.

حشوة الجوز:

تُخلط المكسرات المجروشة مع السكر والقرفة جيدًا.

حشوة السمسم:

يُحمص السمسم ويُخلط مع السكر والهيل.

ثالثًا: التشكيل والخبز

1. تُقطع العجينة إلى كرات صغيرة بحجم الجوزة.

2. تُفرد كل كرة وتُحشى بالتمر أو الجوز أو السمسم، ثم تُغلق وتُكوّر من جديد.

3. يمكن استخدام قوالب الكليجة التقليدية لمنحها أشكالًا مزخرفة، أو يتم تسطيحها يدويًا ورسم الزخارف بالشوكة.

4. تُرتب في صينية مدهونة أو مبطنة بورق الزبدة.

5. يُدهن الوجه بالبيض وتُرش بالحبة السوداء أو السمسم.

6. تُخبز في فرن مُحمّى مسبقًا على حرارة 180 درجة مئوية لمدة 15–20 دقيقة حتى تكتسب لونًا ذهبيًا.

الجدول التفصيلي لقيم مكونات الكليجة الغذائية (لكل 100 غرام تقريبًا)

رمزية الكليجة في الثقافة الموصلية

في الموصل، ليست الكليجة مجرد حلوى عادية تُحضّر في المناسبات، بل هي تعبير عن الدفء العائلي، والارتباط بالتقاليد، والمحافظة على الهوية الثقافية. تُجهّز النساء الموصلية الكليجة جماعيًا، في أجواء تسودها البهجة والأنس، وتوزّع على الضيوف كرمز للترحاب والفرحة. كما تُعدّ وسيلة للتقارب الاجتماعي، حيث تتبادل العائلات الأطباق المملوءة بالكليجة، وتُرسل للمرضى وللجيران والأصدقاء.

تنوعات الكليجة في العراق ومكانة الموصلية بينها

رغم أن الكليجة تُحضّر في مختلف المدن العراقية، فإن الكليجة الموصلية لها أسلوبها المتفرد الذي يعتمد على الدقة في التشكيل، ونوعية الحشوة، وتماسك العجينة. بعض المدن تُفضل الكليجة الجافة المقرمشة، في حين تُفضل الموصل الكليجة الطرية متوسطة السمك التي تجمع بين الطراوة والمذاق الغني.

كذلك، لا تُضاف بعض المنكهات مثل المستكة أو ماء الزهر في النسخة الموصلية، إذ يظل التركيز على نقاء الطحين وطيب الحشوة، مما يُضفي تميزاً واضحاً عن باقي المناطق.

الكليجة في الحاضر: من البيت إلى السوق

مع تغير أنماط الحياة، أصبحت الكليجة تُباع على نطاق واسع في محلات الحلويات والمخابز في الموصل وغيرها من المدن العراقية، إلا أن طعم الكليجة المنزلية ما زال يحافظ على مكانته الخاصة في القلوب. وتوجد العديد من العائلات التي لا تزال تُفضل تحضيرها يدويًا، لما في ذلك من قيمة عاطفية وحنين للماضي. كذلك، باتت الكليجة تُصدّر إلى الخارج ضمن سلال الهدايا في الأعياد والمناسبات، كونها تمثل جزءًا من الثقافة العراقية الأصيلة.

الكليجة والهوية العراقية في المهجر

يحمل المغتربون العراقيون معهم وصفات الكليجة كأنها وثيقة انتماء وطنية. وفي الكثير من الدول التي تقيم فيها الجاليات العراقية، تُحضَّر الكليجة في العيد، وتُستخدم المكونات المحلية لتقليد النكهة الأصلية، مع المحافظة على الطقس نفسه الذي يرافق تحضيرها. الكليجة في المهجر ليست مجرد طعام، بل وسيلة للتواصل مع الجذور، واسترجاع الذكريات، وربط الأبناء بثقافتهم الأم.

حفظ الكليجة وتقديمها

تُحفظ الكليجة في عبوات مغلقة في درجة حرارة الغرفة لمدة تصل إلى أسبوعين دون أن تفقد طراوتها. ويُفضل تقديمها مع الشاي العراقي الثقيل أو القهوة العربية، كما تُزيَّن الصحون بها عند استقبال الزوار، لتُعبّر عن الكرم والفرح.

الخاتمة التقنية حول الكليجة الموصلية

تُعد الكليجة الموصلية أكثر من مجرد وصفة، إنها توليفة متكاملة من الذوق والتاريخ والروح العراقية. تحضيرها يجسد استمرارية العادات والطقوس التي توارثها الناس، وتُشكل مشهداً من مشاهد الفرح الجماعي والتضامن الأسري. إن استمرارية الكليجة الموصلية في المشهد العراقي الشعبي تمثل مقاومة للحداثة السريعة التي تسعى لتبسيط كل شيء، وتحافظ على جوهر الذوق الذي لا يُمحى مهما تغيّرت الأجيال.

المصادر:

1. كتاب “فن الطبخ العراقي التقليدي” – مؤسسة التراث الشعبي العراقية

2. مقابلات شفهية مع سيدات من الموصل ضمن أرشيف التراث الغذائي العراقي