ست عادات اكتسبها لتشعر بالأمان العاطفي

يشكل الأمان العاطفي أحد أهم مقومات الصحة النفسية التي تساهم في بناء شخصية متزنة وقادرة على مواجهة ضغوط الحياة المختلفة. إنه الشعور الداخلي بالثقة والطمأنينة تجاه النفس والآخرين، والذي يمكن أن يساعد الفرد على تجاوز التحديات العاطفية والنفسية بطريقة متوازنة وبنّاءة. في عالم سريع التغير مليء بالضغوط الاجتماعية والنفسية، يصبح الأمان العاطفي ضرورة حتمية لضمان حياة مستقرة ومتوازنة، ولهذا فإن اكتساب عادات يومية محددة يسهم بشكل فعال في بناء هذا الأمان. هذا المقال يسلط الضوء على ست عادات يمكن لأي شخص تبنيها لترسيخ شعور الأمان العاطفي لديه بشكل مستدام.

1. الاعتراف بالمشاعر والتعبير عنها بصدق

الخطوة الأولى نحو الأمان العاطفي تبدأ بفهم النفس والاعتراف بالمشاعر المختلفة التي يمر بها الإنسان، سواء كانت إيجابية أو سلبية. إن إنكار المشاعر أو دفنها يؤدي إلى تراكم التوتر النفسي، وهو ما يسبب شعوراً بعدم الاستقرار العاطفي. من العادات الصحية التي يجب اكتسابها هي تقبل مشاعرك الخاصة، والتعبير عنها بصدق دون الخوف من الحكم أو الرفض.

عندما تتعلم كيف تعبر عن مشاعرك بوضوح، فإنك تبني حاجزاً من الأمان حولك، يجعل الآخرين يتفهمونك بشكل أفضل، ويعزز من قدرتك على التعامل مع المواقف الصعبة دون الانهيار. يمكن أن يكون التعبير من خلال التحدث مع شخص مقرب، أو كتابة يوميات، أو حتى استخدام تقنيات التنفس والتركيز الذهني للتعرف على المشاعر العميقة.

2. وضع حدود صحية مع الآخرين

القدرة على وضع حدود واضحة وصحية مع المحيطين بك هي حجر الزاوية لبناء الأمان العاطفي. كثير من الناس يعيشون في حالة مستمرة من الإحساس بعدم الراحة بسبب تجاوز الآخرين لخصوصياتهم أو استغلال طيبتهم، وهذا الشعور يقوض الأمن الداخلي.

تطوير عادة وضع الحدود يعني تعلم قول “لا” عند الحاجة، وعدم السماح لأي شخص بالتعدي على مشاعرك أو وقتك أو مساحتك النفسية. هذا يتطلب وعيًا ذاتيًا قويًا وثقة بالنفس لتكون قادرًا على تحديد ما هو مقبول بالنسبة لك وما هو غير مقبول، دون الشعور بالذنب أو الخوف.

وجود حدود واضحة مع الآخرين لا يعني الانعزال، بل هو شكل من أشكال احترام الذات، يحمي طاقتك النفسية ويعزز استقرارك العاطفي.

3. الاهتمام بالذات وتعزيز الرعاية الشخصية

الرعاية الذاتية ليست رفاهية بل ضرورة أساسية من أجل الأمان العاطفي. العناية بالنفس تعني الاهتمام بجسدك وعقلك وروحك بطريقة متكاملة. من العادات التي تقوي شعور الأمان العاطفي هي تخصيص وقت يومي أو أسبوعي للراحة، وممارسة أنشطة تجلب لك السعادة والهدوء، سواء كانت قراءة، أو ممارسة الرياضة، أو التأمل، أو قضاء الوقت مع الطبيعة.

أيضاً، التعامل مع الذات بلطف وعدم الانغماس في النقد الذاتي المفرط يعزز الثقة بالنفس. تعلم تقبل العيوب والنواقص دون الحكم عليها بقسوة يساعد على بناء علاقة صحية بينك وبين نفسك، وهذا هو جوهر الشعور بالأمان العاطفي.

4. تطوير مهارات التواصل الفعّال

التواصل هو الجسر الذي يربط الإنسان بعالمه الداخلي ومع الآخرين. الأمان العاطفي يحتاج إلى قدرة على التواصل بفعالية، وهذا يتطلب ممارسات معينة منها الاستماع النشط، واختيار الكلمات بعناية، والقدرة على التعبير عن الاحتياجات والمشاعر بوضوح واحترام.

عندما يتقن الفرد مهارات التواصل، يصبح قادراً على بناء علاقات صحية قائمة على الفهم والاحترام المتبادل، وهذا بدوره يخلق بيئة داعمة تساعد على الشعور بالأمان العاطفي. بالإضافة إلى ذلك، يقلل التواصل الجيد من سوء الفهم والنزاعات التي قد تسبب توتراً عاطفياً.

5. المرونة النفسية والتكيف مع التغيرات

القدرة على التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على الحياة، والمرونة النفسية في مواجهة الأزمات، من العوامل الجوهرية التي تدعم الأمان العاطفي. فالحياة بطبيعتها مليئة بالتحديات والتقلبات التي قد تؤثر على استقرارنا النفسي.

تطوير المرونة يعني تعلم كيفية إعادة تنظيم الأفكار، وتقبل ما لا يمكن تغييره، والبحث عن فرص للنمو في أوقات الأزمات. الأشخاص الذين يمتلكون مرونة نفسية عالية لا يشعرون بانهيار كامل عند مواجهة المصاعب، بل يستخدمون تجاربهم لتعزيز قوتهم الداخلية وشعورهم بالأمان.

6. بناء شبكة دعم اجتماعي صحية

العلاقات الاجتماعية الجيدة تلعب دوراً حيوياً في توفير الأمان العاطفي. البشر كائنات اجتماعية بطبعها، والاعتماد على شبكة دعم من الأصدقاء والعائلة يخفف من الشعور بالوحدة والعزلة النفسية.

من العادات المهمة التي يجب اكتسابها هي الاهتمام بالعلاقات الإيجابية، والابتعاد عن الأشخاص السلبيين أو المسيئين الذين يقللون من قيمتك أو يسببون لك توتراً نفسياً. وجود أشخاص تثق بهم وتستطيع مشاركة مشاعرك معهم، يعزز الشعور بالطمأنينة ويدعم بناء أمان عاطفي مستدام.

دور العادات في بناء الأمان العاطفي

كل عادة من هذه العادات الست تشكل لبنة أساسية في بناء الأمان العاطفي، لكنها لا تعمل بمعزل عن بعضها. فالتوازن بين الاعتراف بالمشاعر، وضع الحدود، الاهتمام بالذات، مهارات التواصل، المرونة، والدعم الاجتماعي يشكل منظومة متكاملة تحمي النفس وتدعمها.

الأمان العاطفي ليس حالة ثابتة، بل هو مسار مستمر يتطلب وعيًا وممارسة مستمرة. اكتساب هذه العادات وتنميتها بشكل يومي يجعل الإنسان أكثر قدرة على مواجهة ضغوط الحياة النفسية والعاطفية بشكل هادئ ومتزن، بعيداً عن القلق والخوف المستمر.

جدول توضيحي: العادات الست لبناء الأمان العاطفي وأهميتها

مصادر ومراجع

• براون، برينيه (2015). قوة الضعف. دار النشر العربية، ترجمة محمد العوضي.

• سيغل، جيفري (2011). الذكاء العاطفي. دار الفكر.

باكتساب هذه العادات وممارستها بانتظام، يمكن لأي فرد بناء شعور قوي ومستدام بالأمان العاطفي، مما يعزز جودة حياته النفسية والاجتماعية، ويمهد الطريق نحو مستقبل أكثر استقرارًا ونجاحًا.