طريقة الغسل في الإسلام

كيفية الغسل في الإسلام

الغُسل في الشريعة الإسلامية هو أحد الطهارات الكبرى التي أوجبها الله عز وجل على عباده في أحوال معينة، وهو يشمل تعميم الماء الطهور على سائر الجسد بنية رفع الحدث الأكبر أو التطهر من النجاسة. وقد وردت العديد من النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تؤكد أهمية الغسل ووجوبه في بعض الحالات، وتنص على كيفيته بشروطه وآدابه. ويعد الغسل من مظاهر الطهارة التي تُهيئ المسلم للعبادة وتُعزز من نظافته الجسدية والروحية، ولذلك نال اهتمامًا كبيرًا في الفقه الإسلامي.

تعريف الغسل اصطلاحًا

الغسل في اللغة يعني سيلان الماء على الشيء وتنظيفه. أما في الاصطلاح الشرعي، فهو تعميم البدن بالماء بنية رفع الحدث الأكبر، كخروج المني، أو بعد الحيض أو النفاس، أو الجماع. ويشترط في الغسل النية عند جمهور العلماء، وهو فرض على الذكور والإناث في مواضع محددة نصت عليها الشريعة.

الأدلة على مشروعية الغسل

جاءت مشروعية الغسل في عدة مواضع من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز هذه الأدلة:

• قول الله تعالى:
  
  {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
  
  وهذا نصٌّ قرآني صريح في وجوب الغسل على الجنب.

• عن عائشة رضي الله عنها قالت:
  
  “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله” [رواه البخاري ومسلم].

الحالات التي يجب فيها الغسل

هناك عدد من الحالات التي يجب فيها الغسل، وهي على النحو الآتي:

1. خروج المني بشهوة ولو من غير جماع
   
   سواءً كان في اليقظة أو أثناء النوم (الاحتلام).

2. الالتقاء الجنسي بين الزوجين
   
   ولو لم يحصل إنزال للمني، لحديث: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل».

3. انتهاء الحيض والنفاس للمرأة
   
   لقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222].

4. الوفاة
   
   فالميت يُغسَّل غسلًا شرعيًا إلا في حالة الشهيد الذي لا يُغسل.

5. الإسلام بعد الكفر
   
   من أسلم وجب عليه الغُسل تطهيرًا بدنيًا وروحيًا.

6. بعض الأغسال المستحبة التي قد تكون واجبة في بعض الأقوال
   
   كغسل الجمعة وغسل العيدين وغسل الإحرام.

شروط صحة الغسل

لصحة الغُسل لابد من توفر عدة شروط أساسية:

• النية: وهي شرط أساسي عند جمهور العلماء، إذ لا يصح الغسل بدون نية التطهر من الحدث الأكبر.

• الماء الطهور: يجب أن يكون الماء المستخدم طاهرًا مطهّرًا.

• إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة: كالدهون أو الطلاء أو اللصاقات التي تمنع الماء من الوصول للبشرة.

• تعميم سائر الجسد بالماء: ولا يجوز ترك جزء من الجسد دون غسل، حتى الشعر وأصوله.

أركان الغسل

الغسل الشرعي له ركنان أساسيان:

1. النية: وهي قصد رفع الحدث الأكبر أو أداء الغسل المسنون.

2. تعميم الجسد كله بالماء: من الرأس إلى أخمص القدمين.

كيفية الغسل الكامل كما ورد في السنة

الغسل الكامل هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، وتفصيله كما يلي:

1. النية في القلب.

2. التسمية بقول: بسم الله.

3. غسل اليدين ثلاثًا قبل إدخالهما في الإناء.

4. غسل الفرج وما أصابه من نجاسة.

5. الوضوء الكامل كما لو كان يتوضأ للصلاة.

6. تخليل الشعر بالماء بأصابع اليد مع صب الماء على الرأس ثلاثًا.

7. غسل الشق الأيمن من الجسد ثم الشق الأيسر.

8. تعميم البدن بالماء مع التدليك لضمان وصول الماء إلى كل موضع.

9. غسل القدمين إن لم يكونا غُسلت أثناء الوضوء.

الغسل المجزئ

الغسل المجزئ هو الذي يجزئ عن الغسل الكامل، ويشترط فيه فقط:

• النية.

• تعميم الجسد كله بالماء.

وهو جائز ويصح به الطهر، إلا أن الغسل الكامل أفضل وأكمل وأحسن في اتباع السنة.

الفرق بين الغسل الواجب والغسل المستحب

سنن وآداب الغسل

من السنة في الغسل:

• البدء بالبسملة.

• تخليل الشعر جيدًا لضمان وصول الماء إلى جذوره.

• استعمال اليد اليمنى أولًا.

• الاقتصاد في الماء مع تحقيق التعميم.

• الدعاء بعد الانتهاء من الغسل كما هو معتاد بعد الوضوء.

التنبيه إلى بعض الأخطاء في الغسل

• ترك بعض أجزاء الجسم دون غسل، كخلف الأذنين أو باطن القدمين.

• عدم تخليل الشعر الكثيف.

• عدم إزالة ما يمنع وصول الماء للبشرة، كالطلاء والدهون.

• الاعتماد فقط على نية النظافة دون نية رفع الحدث.

فوائد الغسل في الإسلام

الغُسل لا يقتصر على كونه طهارة للعبادة فحسب، بل يحمل فوائد عظيمة منها:

• النظافة الجسدية: حيث يطهر الجسد من الإفرازات والنجاسات.

• النشاط البدني: الغسل يمنح شعورًا بالانتعاش والنظافة.

• التهيئة للعبادة: فلا تصح الصلاة في حالات الجنابة أو بعد الحيض والنفاس إلا بالغُسل.

• اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الطهارة والنظافة.

• تعزيز احترام الذات: من خلال الحفاظ على النظافة الشخصية.

• المحافظة على العلاقات الاجتماعية: إذ يعد الطهر والنظافة من القيم الإسلامية الرفيعة التي تؤثر إيجابًا في المجتمع.

أحكام متعلقة بالغسل

• يجزئ الغُسل عن الوضوء ما دام قد تم بنيّة رفع الحدث الأكبر، لقول النبي ﷺ: “أما أنا فإني لا أتوضأ بعد الغسل”.

• يجوز الاغتسال عاريًا في مكان مغلق، مع الحفاظ على الحياء.

• يصح الاغتسال بالانغماس في الماء، بشرط نية الغسل وتعميم الجسد.

• يجوز تأخير الغسل إذا لم يحن وقت الصلاة، لكن المبادرة أفضل.

الغسل في المذاهب الفقهية

توجد بعض الاختلافات الفقهية بين المذاهب الأربعة حول بعض تفاصيل الغسل، منها:

• الحنفية: يشترطون المضمضة والاستنشاق في الغسل.

• المالكية: يرون أن النية وتعميم الجسد بالماء فقط تكفيان، ولا يشترطون المضمضة والاستنشاق.

• الشافعية: يؤكدون على النية وتعميم الماء والمضمضة والاستنشاق أيضًا.

• الحنابلة: مثل الشافعية، مع اهتمام بالتفصيل في صفة الغسل الكامل.

الخاتمة

الغسل عبادة عظيمة في الإسلام يجمع بين النظافة والطهارة والنية الصالحة، وهو من أرقى صور العناية بالجسد والروح في آن واحد. وقد أولت الشريعة الإسلامية هذه العبادة مكانة عظيمة، وجعلتها شرطًا لصحة العديد من العبادات الكبرى مثل الصلاة والطواف وقراءة القرآن للمحدث. إن فهم أحكام الغسل وتطبيقه كما جاء في سنة المصطفى ﷺ هو من علامات التفقه في الدين والحرص على الطهارة الظاهرة والباطنة.

المراجع:

1. صحيح البخاري، كتاب الغسل.

2. “الفقه الإسلامي وأدلته” للشيخ وهبة الزحيلي.